في الأيام القليلة الماضية احتضنت القاهرة أكبر تجمع دولي علي مستوي عال حول أفريقيا ضم كبار المسئولين في الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والممثلين الشخصيين للدول الكبري حول السودان. مثل هذا التجمع يعقد لأول مرة ويعد مؤشرا حول ثقة المجتمع الدولي بدور مصر الأفريقي وخاصة في انهاء النزاعات التي تعصف بالقارة وجهود تحقيق السلام. كان للسودان نصيب هام من هذه الاجتماعات حيث خصص اجتماعاً خاصا لها شارك فيه الممثل الشخصي للرئيس أوباما في السودان الجنرال سكوت جريشن الي جانب الممثل الخاص للصين والممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان وشخصيات هامة أخري. وكان محور البحث ما هو مستقبل السودان خلال الفترة القادمة خاصة وأنه مقبل علي اختبار حقيقي يتمثل في الاستفتاء الذي يجري في يناير القادم بين الجنوبيين لاختيار ما بين الوحدة داخل السودان الكبير أو الانفصال وتكوين دولة خاصة بهم. هذا التحدي لا يواجه السودانيين فقط بل يواجه الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي إذ أنه يعني ببساطة السماح بانفصال جنوب السودان الدولة الأفريقية في وقت يركز ميثاق الاتحاد علي وحدة الدول الأفريقية. والتساؤل هنا هل سيشجع ذلك المحركات الانفصالية الأخري في العديد من الدول الأفريقية علي الانفصال؟ طبعا من المتوقع أن يكون القلق الشديد يسود السودانيين وهو قلق مشروع يجب تفهمه ، ولكن هذا القلق يسود أيضا الدول المجاورة للسودان وخاصة مصر التي كانت ولا تزال تنادي دائما بوحدة السودان والسعي بجدية لجعل خيار الوحدة جاذبا قبل الاستفتاء. علي أن هناك قوي دولية وإقليمية للأسف تدعو وتدعم فصل جنوب السودان. أيضا القوي السودانية المختلفة لم تتفق بعد علي رأي واحد وتنظر الي الموضوع نظره ضيقة في إطار الخلاف بين المعارضة والحكومة وحزب المؤتمر الوطني، مع أن الموضوع يمس مستقبل السودان كله لا فرق بين معارضة وحكومة . ولذلك لم أفهم عدم تجاوب بعض أحزاب المعارضة لدعوة الرئيس البشير لحوار وطني شامل حول هذا الموضوع. يرتبط بهذا الموضوع عدم التوصل الي اتفاق حول نقاط الاختلاف بين الشمال والجنوب بشأن " الحدود" فيما بين الجانبين والإنتقال بين السكان وتوزيع الثروة والتزامات كل جانب، الأمر الذي دعا البعض الي المناداه بتأجيل الاستفتاء حتي يتم التوصل الي اتفاق شامل حول هذه الموضوعات المعلقة التي يمكن أن تؤدي الي نشوب نزاع مسلح آخر لا قدرالله. ولكن القيادتين بين شريكي الحكم تحاول احتواء الموضوع فأكدت الحكومة السودانية أن الاستفتاء سيتم في موعده ولكن لم تعجبني دعوة بعض الشخصيات في الجنوب بالتوجه الي منظمة الإيجاد وتهويل الموضوع والقول أن استقلال جنوب السودان سيعلن حتي لو لم يتم الاستفتاء ،وفي نفس الوقت تظهر حكومة الجنوب إشارات تحاول طمأنة مخاوف الشماليين بالقول بأنها ستعمل علي إقامة دولتين صديقتين (جنوبية وشمالية) والتعهد بضمان حقوق كل المواطنين. ولا شك أن موضوع النفط سيبرز بقوة في علاقات الجنوب والشمال ولذلك يجب النظر اليه بأمر يجب أن يستغل لمصلحة كل أفراد الشعب السوداني لأن محاولة الاستئثار به سيحقق ظروفا صعبه ومشكلة تؤدي الي توترات السودان في غني عنها. هناك أيضا مصير ملايين الجنوبيين المقيمين الأن في شمال السودان منذ عدة عقود والتساؤل وهل سيسمح لهم بالمشاركة في الاستفتاء سواء في أماكن إقامتهم حاليا أو داخل مناطق الجنوب نفسه. موقف الولاياتالمتحدة بصفة خاصة هام جدا وهناك قوي داخل أمريكا تدعو صراحة الي فصل الجنوب بل وتعمل علي تسليحة وهذه القوي لها نفوذ إعلامي ضخم وداخل الكونجرس الأمريكي. ولكن لا يزال هناك بعض العقلاء داخل الإدارة الأمريكية الذين يبحثون الموضوع من وجهة نظر المصالح الأمريكية ودواعي الأمن القومي الأمريكي ولا يريدون الاندفاع مع القوي الداعمة للانفصال التي تدعو الي طرد الممثل الشخصي للرئيس أوباما في السودان بتهمة أنه مقصر في عمله ولا يتخذ موقفا متشددا ضد الحكومة السودانية. ما سيحدث في الشهور القادمة وما بعد الاستغناء أمر لا يخص السودانيين أنفسهم فقط بل سيؤثر علي كل الدول المجاورة وخاصة مصر التي تربطها علاقات تاريخية وعميقة مع السودان وهي لا تفرق بين السودانيين ولا تريد أن تصادر علي قناعاتهم وأن كانت تؤكد أن خيار الوحدة أضمن في هذه الظروف ولصالح الجميع بشرط أعطاء الجميع حقوقهم المشروعة، وهو أمر تحرص مصر علي شرحه للجنوبيين والشمال وفي نفس الوقت تحاول رأب الصدع بينهما واستضافت أكثر من اجتماع لهذا الغرض. هي لا تحاول التدخل في شئون السودان ولكنها تقدم النصيحة إذا طلب منها ذلك دون محاولة فرض أي آراء. المنطقة مقبله علي تحولات خطيرة قد تكون إيجابية أو سلبية ولا يستطيع أي شخص أن يتنبأ بدقة بما سيحدث. ولكل ذلك قد تكون الدعوة الي عقد قمة للدول المجاورة للسودان فرصة لقادة هذه الدول لكي يتباحثوا بكل صراحة عن ذلك. وأعني بهذه الدول مصر وليبيا وإرتريا وأثيوبيا وأوغندا وكينيا والتشاد والكونجو وأفريقيا الوسطي . هذه القمة تتم في حضور السودان شماله وجنوبه بالطبع ستكون فرصة لاتخاذ سياسة جماعية مؤثرة تساعد السودانيين في المقام الأول في هذه المرحلة الانتقالية الهامة وكذلك ما بعد استفتاء يناير بدلا من إتباع كل دولة لسياسة مستقلة خاصة بها قد تتعارض مع سياسات الدول الأخري. كاتب المقال : أمين عام الجمعية الأفريقية