[email protected] أتاح لي وجودي في الأردن أن أزور معلمين شهيرين: »جرش« التي تكتسب مكانتها كمزار سياحي طول العام بآثارها الرومانية. البوابة ذات الأعمدة والطابع الكلاسيكي، المكرر في كل البلدان التي سيطرت عليها روما. والمسرح الكبير المكشوف الذي يقام عليه كل عام مهرجان جرش الفني، ويحضره الفنانون من كل البلاد العربية والمهجر. وإذا كانت في طريق الحدود السورية، فإن »البحر الميت« مزاري الثاني. ففي الاتجاه العكسي، في طريق العقبة، لم أكن اتصور أنه كبير بهذا الحجم. دخلت شاطئ عمان السياحي، وهو بتذاكر ايضا.. لكنه معد إعداد جيداً لاستقبال الزوار: مسبحان صغيران يشعرانك بأنك في بحر طبيعي. لان البحر الميت مياهه شديدة الملوحة واللزاجة، ولا ينزل فيه أحد. وكافيتريا ومطعم يتيحان للزوار قضاء وقت طويل. لكن الجو هنا شديد الحرارة. قالوا لنا هذا ضروري، لان هذه اكثر مناطق البلاد انخفاضا. وجاء رمضان. وأصرت زميلتي الصحفية الأردنية أروي قدورة أن نتناول أول إفطار في بيت أسرتها. وهكذا صعد بنا أحمد صديق إلي جبل عمان. موقع جميل. كل الطرق معبدة، فهو ليس جبلا إلا لارتفاعه. عدا ذلك فكل شئ طبيعي. كانت فرصة للالتقاء بهذه الاسرة الطيبة: الام التي توزع تحياتها وعنايتها بالجميع. والاخ المحاسب الناجح محمد قدورة والاخوات فاطمة مهندسة الديكور وخديجة خبيرة التأمينات ومي الصيدلانية وجميلة التي تعيش مع زوجها رجل الأعمال في أمريكا. والاحفاد وأكبرهم تغريد التي احاطتني برعاية طيبة جديرة بواحدة من ملائكة الرحمة.. مع طعام المطعم الشامي الذي لا يقاوم. وكانت ليلة عائلية جميلة. وكانت فرصة للقاء الصديق القديم الكاتب الصحفي الكبير فاروق القاضي وزوجته المثقفة الأردنية الرائعة السيدة مي البلبيسي. بعد آخر لقاء معهما في بيروت منذ حوالي ثلاثين يوما. نزل بنا أحمد صديق الي »ماحص« علي بعد ساعة من عمان، والمنخفضة عن عمان بمائتي متر. وفي بيتهما الريفي الجميل امضينا يوما من استرجاع الذكريات.. السنوات الأولي لثورة يوليو وصدور »الجمهورية« باسم جمال عبد الناصر، وفريق التحرير الذي اصدرها وكان فاروق عضوا فيه، منتقلا من روز اليوسف. ثم احاديث عن الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير وقائدها الشهيد ياسر عرفات الذي كان فاروق مستشاراً قانونيا له لمدة 81 عاما. وفي نهاية يوم حميم شملتنا العزيزة مي برعاية فائقة.. سألت فاروق القاضي: كيف استثمرت هذه السنوات.. وهذا الجو الهاديء؟.. ذهب إلي مكتبه وعاد حاملا ثلاثة كتب كبيرة.. عندما عدت، وبدأت تصفحها، والنظر في فهارسها ومراجعها وكشافات اعلامها ادركت انني ازاء ثلاثة ابحاث علمية رصينة، بُذل فيها جهد شاق ورائع. الأول »فرسان الامل«، وهو دراسة وصفية وتحليلية للحركة الطلابية التي عاصرها، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 5491 حتي ثورة يوليو 2591 يقدمها درسا للاجيال الجديدة من الطلاب، لكي يعرفوا ماضيهم المجيد. الثاني »آفاق التمرد« وهو مبحث عميق تاريخي فلسفي في حركة التمرد الانساني اللا نهائي، سعيا للتطور، بحثا عن الحق والعدل والحرية.. سواء علي مستوي الفرد أو الاوطان. أما الثالث »العلمانية هي الحل« فهو مساهمة في الصراع الدائر في مجتمعاتنا حول العلاقة بين الدين والسياسة. مؤكداً أن المواطنة والمساواة بين المواطنين علي اختلاف أديانهم، هي اساس الدولة الحديثة.