الإيجابية الرئيسية و ربما الوحيدة لما حدث من اشتباك عسكري في الجنوب اللبناني، نجدها في أن الجيش »الرسمي« و »الشرعي« للبنان هو الذي تشابك مع الإسرائيليين. فهذه هي وظيفة »جيش الدولة« المدافع عن حدودها، والمتصدي لأي عدوان علي أراضيها، والمسئول الأوحد عن حماية شعبها من أي تدخل عسكري أجنبي. الصورة قبل الاشتباك الأخير كانت مختلفة. فالجيش اللبناني ظل فترة طويلة مقيداً، ومكبلاً، وصامتاً علي ما جري في الجنوب اللبناني الذي سقط في أيدي جماعات »حزب نصر الله« التي انتزعت لنفسها سلطة عسكرية تتيح لها إطلاق صواريخها المتحركة ضد مواقع إسرائيلية ملاصقة لحدود لبنان. ولأن »جماعات حزب نصرالله« ليست نظامية، ولا تجمعها معسكرات دائمة، ولا تجمعات ثابتة.. فقد استغل الإسرائيليون ذلك لشن الغارات الوحشية لقصف كل ما يحلو لهم من مواقع مدنية، وقتل الآلاف من المواطنين اللبنانيين الذين لا علاقة لهم بجماعات حزب الله ولا بأهداف أمينه العام: »حسن نصرالله«. منذ أربع سنوات.. قامت تلك الجماعات المسلحة بأسر جنديين إسرائيليين علي حدود الجنوب اللبناني، فأعطت المبرر للإسرائيليين بشن حرب حقيقية ضد لبنان، وقامت بتدمير قري، ومدن، فوق الأرض وتحتها، وراح ضحيتها أكثر من 1200مواطن لبناني، إلي جانب خسائر مادية تقدر ب5مليارات دولار. وعندما هب العالم كله ضد الوحشية الإسرائيلية، لم يجد حكام إسرائيل غير التبجح بأن »عصابات حزب نصرالله« تتخذ من هذه المواقع في طول البلاد وعرضها مخابيء لها ولأسلحتها التي تتدفق عليها من إيران، وعبر سوريا، مما اضطرهم إلي قصف تلك المواقع بما عليها وتحتها! لم تهتم »جماعات حزب نصر الله« بالخراب الذي لحق بلبنان، فالمهم أن تلك الجماعات ما تزال علي حالها، و أن أمين عام حزبها ما زال سالماً، آمناً، في مقار إقامته الحصينة، والمتعددة، تحت الأرض، والأهم من هذا وذاك أن العدو الإسرائيلي أوقف عدوانه الوحشي، الذي استمر شهراً كاملاً، وأجبر في النهاية علي الإنسحاب بعد فشله في القضاء علي الجماعات وتصفية قادتها. بعد الانسحاب.. ظهر »حسن نصر الله« ليتحدث للجماهير عن بعد عبر شاشات التليفزيون العملاقة والمنصوبة في الشوارع والميادين عن النصر الذي ما بعده نصر ضد العدو الصهيوني، بدليل تقهقر جيشه، وهروب قواته إلي داخل حدودهم. ولم ينس »حسن نصرالله« في خضم زهوه بما حققه أن يزعم أن جماعاته أنزلوا أول هزيمة عسكرية، حقيقية، بإسرائيل علي مدي العقود الستة الماضية.. هي مدة الصراع العربي/ الإسرائيلي، منذ عام 1948وإلي اليوم (..). يوما بعد يوم.. و شهرا وراء شهر.. وسنة بعد أخري، لا هم ل »حسن نصرالله« غير تذكير اللبنانيين بصفة خاصة، والعرب، بصفة عامة، بأنه و الأشاوس صبيانه هم الذين أعادوا الكرامة لكل الجيوش العربية التي حاربت العدو الصهيوني وهزمت أمامه حرباً بعد أخري! وكانت »احتفالات نصر« حسن نصرالله.. تتكرر في كل مرة تتكشف فيها أسرار جديدة تطول »حزب الله« من قريب أو بعيد في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق:»رفيق الحريري« من خلال التحقيقات الواسعة التي باشرها محققو اللجنة الدولية التابعة للأمم المتحدة لعل وعسي ينشغل اللبنانيون باحتفالات النصر، عن متابعة نتائج التحقيقات الدولية! وتاريخ »نصر الله« لا يكف عن ان يعيد نفسه. فمنذ أيام.. والحديث يتناقل عن توصل المحققين الدوليين إلي الاقتناع النهائي بتورط »البعض « في اغتيال رفيق الحريري، تمهيداً لمواجهتهم بهذا الاتهام الخطير أمام المحكمة الدولية التي طال انتظار الرأي العام العالمي لبدء جلساتها. ولأن الذي »علي رأسه بطحة....«. فاجأنا »حسن نصرالله« في الأيام الأخيرة بتحذير المحكمة الدولية، ومن يقف وراء تشكيلها واختيار قضاتها، من المساس بحزب الله أو بالدول والأنظمة التي يدين لها بالطاعة والولاء! ولأن هذا التحذير»الفشنك« لم يلتفت إليه غير أنصار »نصرالله« والمنبهرين بزعامته وعظمته، فقد انتهز الرجل حدوث الاشتباك العسكري بين الجيش اللبناني والإسرائيليين عند الحدود الجنوبية ليدلي بخطاب جديد ينذر فيه الإسرائيليين بأن كل قدرات وقوات جماعاته ستقف إلي جانب الجيش اللبناني إذا تجرأ العدو الصهيوني بتكرار تحرشه بالجيش مرة ثانية! كأن جيش الدولة في حاجة إلي حماية من جماعات لا مقر لها، ومن مسلحين يتنقلون بأسلحتهم بين شقق وجراجات العمارات السكنية؟! المهم.. أن »منتهز الفرص« أتحفنا في خطابه التليفزيوني المبث من تحت الأرض برفع الستار لأول مرة عن المخطط، والمنفذ، الوحيد لجريمة اغتيال رفيق الحريري! أكد »العالم بالأسرار التي لا يعرفها غيره في قارات الدنيا الخمس« أن لديه كل الأدلة الموثقة علي أن إسرائيل هي التي قامت باغتيال الحريري، وأنه سيكشف عن هذه الأدلة الموثقة أمام الدنيا كلها إذا جرؤ من يقف وراء المحكمة الدولية المشكوك في مصداقيتها علي مجرد المساس بحزب الله وأنصاره وأولياء نعمته! أفضل تعليق علي ما قاله »نصرالله« قرأته أمس منسوباً للنائب السابق اللبناني:»إلياس عطاالله« في مجلة »المستقبل« البيروتية قال فيه: [إذا كانت هذه المعلومات لها مدي زمني في الماضي، فكان من المفترض أن تقدم. وإذا كانت مستجدة فليتفضل السيد الأمين العام بتقديم هذه »المعطيات الملموسة الحساسة« كما سمّاها إلي المحكمة الدولية. إن الذي يملك الحقيقة لا يجوز أن يضعها في البرّاد!].