كان يمكن أن ينقاد المستوردون الأوروبيون، والأمريكيون، لشهوة كسب المال السهل، والمشبوه، من وراء استيراد أي شيء، وكل شيء، من المنتجات الصينية لولا أن الحكومات في تلك الدول تقف لهم بالمرصاد. الحكومات الغربية تثق في مواطنيها من المستوردين والتجار، لكنها في الوقت نفسه تحرص علي حماية سلامة شعوبها وأموالهم من أطماعهم، ومن جشع من يتعاملون معهم. ولأن الصين أصبحت تنتج أي شيء، وكل شيء.. فقد سمحت حكومات الغرب لبعض شركاتها ومصانعها بتصنيع أصناف محددة من منتجاتها في المصانع الصينية، بشرط الحفاظ علي نفس الجودة، واستخدام أفضل الخامات، وتحت رقابة شديدة من الفنيين الغربيين.. ضماناً لحماية المستهلك الغربي من الغش والتزوير والتعديل والتبديل.. و.. و إلي آخر الصفات التي برع، و أبدع، وتألق الصينيون فيها، وبها، منذ تعامل العالم الخارجي معهم لأول مرة وحتي اليوم! ورغم أن الرقابة مهما بلغت، واشتدت.. فإن الجشع لدي المنتجين والمستوردين وتجار الجملة والقطاعي كثيراً ما يتحايل علي الرقابة، و يضلل الرقباء.القانون في الدول الغربية منح وزراء التجارة الداخلية والخارجية صلاحيات، وسلطات، واسعة لفرض مواصفات إجبارية لكل منتج، و سلعة، ودواء، و دراجة، و سيارة، و دمية، وأية مادة غذائية ، قبل السماح باستيرادها، وطرحها للبيع في المحلات.. حماية لصحة المستهلك، وحفاظاً في الوقت نفسه علي أمواله. رغم كل هذه القوانين فكثيراً ما سمعنا عن تسرب بضائع مغشوشة، وفاسدة، وغير مطابقة للمواصفات الأساسية. وأكدت التحقيقات أنها منتجات تم استيراد بعضها، وثبت تهريب معظمها، وأقبل المستهلكون الغربيون علي شرائها لرخص ثمنها عن المنتجات الأصلية! إحصائيات رسمية أعلنت في عواصم غربية عديدة حددت الكم الهائل لهذه المنتجات المغشوشة، والفاسدة، التي تمت مصادرتها سواء عند وصولها إلي المواني والمطارات.. أو من داخل المخازن والمحلات التجارية! وإذا كان هذا هو حال الدول الغربية المحصنة بترسانة القوانين الرقابية والحسابية والمعملية فإن أحوال الدول الأخري المحرومة من تلك القوانين، أو تتميز بتسامح، وطيبة، وتساهل المسئولين عن تطبيقها ما تزال تترك للتمني.. كما يقولون! منظمات دولية، وأهلية، عديدة.. كثيراً ما أبدت فزعها من هول تجارة »الغش« و »النصب«، التي تهدد أرواح الملايين، وتسرق أموالهم، وتدمر مصانعهم، بمنتجاتها غير المطابقة لمواصفات السلامة والجودة المتعارف عليها عالمياً. يكفي مثالاً علي ذلك ما أعلنته »مؤسسة الرئيس الفرنسي السابق: جاك شيراك« عن أرقام الأرباح الفلكية التي حققتها وتحققها تجارة غش الدواء وحدها التي تتعامل بما لا يقل عن خمسة مليارات دولار سنوياً! و تقارير منظمة التجارة العالمية تتراكم داخل ملفاتها، وكلها تحذر وتدين وتندد بأنظمة عشرات الدول في قارات الدنيا الخمس التي لا تبذل جهداً حقيقياً في مكافحة تجارة الغش لكل شيء وأي شيء ويغض بعضها نظره عن قيام »مصانع« ضخمة تدور آلاتها علي مدار الساعة لتصنيع منتجاتها حتي تتمكن من تلبية طلبات »شركات ومكاتب تصدير وإستيراد كل ما يخطر ولا يخطر علي بال أحد من السلع المغشوشة والفاسدة والمدمرة لأبدان وأموال المستهلكين الأبرياء«. ولأن صرخات المؤسسات والمنظمات المدافعة عن حقوق المستهلك تتبخر عادة في الهواء، مع تضخم »تجارة الغش والشروع في القتل« سنة بعد أخري، فقد تشجعت بعض تلك المنظمات وحددت قائمة بأسماء الدول المتورطة في هذه التجارة المحرمة والمتنامية لعل وعسي تتخلي حكوماتها عن »طيبتها، وتسامحها، وتساهلها« في تصديها لوقف وحظر تلك »التجارة« بالغة الخطورة. كالعادة.. تربعت الصين علي رأس تلك القائمة، قبل الهند، وباكستان، باعتبارها الدول الرئيسية التي تملك »تكنولوجيا« ابتكار، وتصميم، وتصنيع، وتقليد، أشهر المنتجات والسلع الحيوية وأكثرها إقبالاً واحتياجاً من ملايين المستهلكين. وهناك قائمة أخري تضم أسماء الدول التي تستورد بعض هذه ال »تكنولوجيا« لتطبقها في تشغيل ما يسمي: ب »مصانع بير السلم« المتواضعة الإمكانات والخبرات. والمؤسف أن مصرنا العزيزة جاء ذكرها ضمن تلك القائمة.. التي تضم أسماء عشرات الدول الأخري الأكبر منا والأصغر. ونحمد الله ونشكره.. بمناسبة ما قرأته في صحفنا أمس عن قيام وزير التجارة والصناعة المصري المهندس رشيد محمد رشيد بإحالة 27 شركة استيراد إلي التحقيق لاتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة تمهيداً لشطب هذه الشركات نهائياً من سجل المستوردين. اتخذ وزير التجارة والصناعة هذا القرار الحازم، بالغ الأهمية، بعد أن اتضح أن هذه الشركات »قدمت 31شهادة مزورة عن سلامة الفحص المسبق لوارداتها من الصين«. ولم يكتف الوزير الدءوب رشيد محمد رشيد بالتصدي للمستوردين الغشاشين المزورين، وإنما أمر أيضاً باتخاذ نفس الإجراء ضد المصانع الصينية التي تثبت مشاركتها في الغش والتزوير توطئة لإصدار قرارات تحظر التعامل معها، ومنعها من تصدير أي منتج من منتجاتها إلي مصر، و رصدها في القائمة السوداء، لحماية المستهلك المصري المسكين من أخطارها.