ابدي سكرتير التحرير تحفظا علي خبر مرض د. نصر أبوزيد، لكنه في الأسبوع التالي وضع صورته علي صفحة الجريدة وترحم عليه.. يحدث ذلك كثيرا.. قاطعتني صديقه لاكثر من عامين بسبب نصر أبوزيد.. قالت أني »امرأة من الجاهلية«..!! المؤلم في الأمر هو تشويه الحقيقة وغياب الصورة الحقيقية، صورة نصر حامد أبوزيد المفكر المستنير.. لا أحد يعلم شيئا، ولا أحد قرأ شيئا مما كتب نصر »أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة القاهرة« لم يطلع أحد علي افكاره، لا شئ سوي التهمة المعلنة.. خروجه من مصر والحكم بتطليقه من زوجته د. ابتهال يونس أستاذ الأدب الفرنسي. لا أحد يعرف لماذا صمتت الدولة أمام أتهامات تدخلت فيها أطماع ومصالح وضغوط وقوي سياسية وأهواء وحسابات ومخاوف..لا أحد يعلم لماذا انقلبت الدنيا لمجرد أن باحثا في العلوم القرآنية فكر واجتهد بصورة مغايرة للسائد.. خمسة عشر عاما منذ ان خرج نصر أبوزيد من مصر »5991«.. دفع حياته كلها ثمنا لافكاره التي لم يتراجع عنها يوما ولم يقبل أن يشكك أحد في دينه أو يفتش في قلبه وضميره.. هكذا رفض الاستتابة ونطق الشهادة أمام القاضي لسبب بسيط انه لم يكفر ليتوب، ولان علاقته بربه ليست موضع سؤال من أحد، وليس من حق أحد استنطاقه بما هو حق لله وحده. لم يتراجع نصر عن افكاره.. لم يعدّل أو يعيد النظر بحثا عن توازنات أو انسجامات.. ظل أمينا علي استكمال مشروعه نحو تأسيس منهجية مختلفة في الفكر الإسلامي. آمن نصر أبوزيد بقداسة القرآن ولم يؤمن بقداسة تفسيره التي يقوم بها بشر ولهذا كتب عن لا تاريخية النص الديني القابل لقراءات متعددة ومتجددة. دفع نصر أبوزيد حياته ثمنا لمواقفه فتغرب خمسة عشر عاما عن وطنه »استاذا للدراسات القرآنية بجامعة ليدن بهولندا«.. وتغرب عن أهله وبيته وجامعته تلك التي كان مشهدها الأخير »قبيل رحلة المنفي إلي هولندا« مشهدا مرعبا وفادحا.. ذهب نصر لمناقشة رسالة دكتوراة لاحد الباحثين مصحوبا بالعربات المصفحة وكلاب الحراسة وقوات الأمن..!! مات نصر أبوزيد دون ان يفقد صلابته، دون ان يتراجع ودون أن تصحح صورته أمام الرأي العام وأمام البسطاء من الناس، وهو ما يدفعنا إلي المطالبة بضرورة رد الاعتبار لمفكر تنويري بحق لم يفعل شيئا سوي ان اجتهد في دينه. تصحيح الصورة أو استعادتها علي وجهها الصحيح مطلب وحق لكي يراه الناس جميعا علي ما كان عليه لا علي ما أشيع عنه أو ما اتهم به. علي الدولة ان تخلع صمتها وتنفض حساباتها وتعيد الاعتبار إلي نصر أبوزيد وتصحح صورته في أذهان العامة.. اعادة طبع كتبه ضرورة خاصة في السلاسل الشعبية واسعة الانتشار، الحرص علي تكريمه وابراز جهوده.. ليس ذلك دور الدولة وحدها لكنه ايضا دور المؤسسات المدنية والمثقفين.