استكمالا لحديثنا السابق.. رصدا وبيانا وتعليقا علي فعاليات المنتدي الوطني المتميز الذي انعقد في مطرانية شبرا الخيمة.. وسيطرت عليه روح المصارحة والمكاشفة مع الموضوعية والشفافية.. وجرت مناقشته ومدارسته قضائيا بالغة الأهمية.. أوجزت بعضها فيما سبق.. واليوم أري انه من الاوفق ان لم يكن من الأوجب تفصيل بعض ما أوجزت.. بدءاً بما أثاره احد الاخوة المشاركين.. تضررا من مناهج التعليم العام وذلك من زاويتين.. أولاهما: ان بعض النصوص المقررة تتضمن تجريحا او إساءه الي القيم والرموز المسيحية.. والثانية: ان التربية الاسلامية تأخذ حظها كاملا بين مناهج التعليم ولا مكان للتربية المسيحية.. فبالنسبة للاعتراض الأول: فقد أكدت للحاضرين فيما يشبه التحدي انني شخصيا وفي إطار مؤسسة وطنية رفيعة المستوي.. قد شاركت في مراجعة وتقييم مناهج التربية الاسلامية المقررة علي كل صفوف التعليم الاساسي.. وأكدت مجددا انه مستحيل استحالة مطلقة ان توجد أيه عبارة او كلمة او حتي حرف واحد.. يسئ او يمس من قريب او من بعيد تصريحا او تلميحا بقيم المسيحية او رموزها.. وأنا علي ذلك شهيد. أما بالنسبة للمطلب الثاني: وهو وجوب وضع التربية الدينية المسيحية علي خريطة مناهج التعليم الاساسي.. فإنني أري وبصراحة تامة ان هذا المطلب يمثل ضرورة وطنية ففضلا عن انه من الحقائق الثابتة.. والسمات المبهرة لمصر منذ فجر التاريخ.. ان النسيج المصري الواحد.. ينفرد دون كل شعوب العالم بالاحترام المطلق للتعددية الدينية.. وان المسلم لا يكتمل إسلامه ولا يتحقق إيمانه.. الا إذا آمن بالسيد المسيح إيمانه بأخيه محمد عليهما الصلاة والسلام.. ذلك ما أوجبته وفرضته آيات كثيرة من القرآن الكريم.. مثل قوله تعالي: »... والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله..« وفي أحاديث نبوية كثيرة من مثل: »أنا أولي الناس بعيسي بن مريم في الدنيا والآخرة« ولكن الداء العضال الذي انتاب الأمة.. إنما هو شيوع الأمية الدينية.. والجهل المطبق الذي استبد بكثير من العوام.. والجهل بمبادئ وفضائل المسيحية والاسلام.. ولو أن اطفالنا منذ نعومة اظفارهم تلقوا جرعة مشبعة من تلك المبادئ والفضائل.. وعلموا علم اليقين.. من المناهج المكتوبة.. والقدرة الحسنة من المعلمين والمربين.. ان كلا من المسيحية والاسلام.. يدعوان.. بل يفرضان الحب.. والرحمة.. والسلام.. وان وسيلتهما السامية الي هذه القيم الراقية.. هي: الاخاء الانساني.. والعمل الصالح.. وتنمية الاوطان.. ان التربية الدينية الصحيحة.. هي التي تبني مع العلم جيلا صالحا.. ونسيجاً وطنيا قويا متماسكا فالحا.. لا مكان فيه لمنحرف أو متطرف أو متمرد أو حاقد خئون.. ليعيش أفراد المجتمع جميعا في سلام ووئام.. لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. ان التربية الدينية القويمة.. التي يتعلم منها النشء والشباب حقيقة المسيحية وصحيح الاسلام.. تلكم هي السياج المتين.. والحصن الحصين الذي يحمي مقدرات الأمة من كل عبث أو اهدار او اختلاس أو افساد.. تماما كما يصون ويحمي الامن والنظام.. من اية خيانه او تمرد.. او ارهاب او اجرام.. فيا قومنا.. بالله عليكم.. خذوا الأمر بجدية.. ولا تمروا عليه مر الكرام.. ثم ان التربية الدينية.. اسلامية ومسيحية.. ليست تفضلا نستجديه من احد.. وليست منه وعطية من الدولة تجود بها أو لا تجود.. بل هي ضرورة.. وواجب.. وفرض.. وأمر سام وحال واجب التنفيذ.. ومخطئ ومقصر من يتراخي في هذا التنفيذ.. انه أمر صادر الي المجتمع والحكومة معا.. من سيد القوانين.. واعلاها مرتبة.. من الدستور المصري.. الذي لازال ساريا ولكن بعض أحكامه معطلة.. ولو أننا نفذنا أحكام الدستور منذ صدوره عام 1971 لكنا قد نعمنا اليوم بجيل في الأربعينيات من العمر.. لا تعتريه الامية الدينية.. جيل يمثل سدا منيعا يحمي الوطن من أية نزعات للتطرف والانحراف والإجرام والإرهاب.. من منا يعرف ان دستور مصر.. سيد قوانينها.. قد أفرد بابه الثاني للمقومات الاساسية للمجتمع وخصص الفصل الاول منه للمقومات الاجتماعية والخلقية.. وجاء في صدر المادة التاسعة.. نصا »الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والاخلاق والوطنية«.. أما المادة الثانية عشره فقد الزمت المجتمع والدولة معا بأمر حازم وحاسم: يلتزم المجتمع برعاية الاخلاق وحمايتها.. والتمكين للتقاليد المصرية الاصلية.. وعليه مراعاة المستوي الرفيع للتربية الدينية.. والقيم الخلقية والوطنيه.. وتلتزم الدوله باتباع هذه المبادئ والتمكين لها«.. ثم قررت المادة التاسعة عشره أن »التربية الدينية مادة أساسية في مناهج التعليم العام«. ان التربية الدينية الاسلامية والتربية الدينية المسيحية.. يجب ان يكونا جنبا الي جنب في كافة مناهج التعليم العام.. خاصة ما بينهما من قواسم مشتركة.. وهي كثيرة.. كثيرة من مثل فضائل الحب.. والتسامح.. والرحمة.. والسلام الاجتماعي.. والعمل الصالح.. وحب الوطن.. والالتزام بالجماعة.. وطاعة ولي الامر.. ومقاومة الشقاق والنفاق وسوء الاخلاق. انني اناشد اهل الحل والعقد.. ان يلتزموا بأحكام الدستور بوضع التربية الدينية والخلقية بين مناهج التعليم.. من اجل تحصين النشء والشباب ضد الغزو الفكري الوافد.. والتلويث الفكري الداخلي.. المنحرف المفسد الفاسد. يا قومنا.. انتبهوا.. و.. إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير.