الملايين من المصريين خاصة ان الحادث وقع من قبل مع وكيل وزارة الثقافة عندما دهسه سائق ميكروباص لانه وجه اليه عتابا رقيقا لاصطدامه بسيارته من الخلف وكانت نهاية حياة وكيل وزارة الثقافة تحت عجلات الميكروباص.. ورغم تشابه الحادثين الا ان الاخير كان اكثر عنفا ودموية حيث لم يكتف سائق الميكروباص بإسقاط ضحيته ارضا بعد صدمه عمدا وإنما عاد بسيارته الي الخلف ليدهسه مرة ثانية ثم اندفع بها للامام ليدهسه مرة ثالثة ويتركه محطم العظام وينطلق بالسيارة في حالة غريبة من الاستهتار واللامبالاة.. وقد طرح هذا الحادث الدموي العديد من الاسئلة عن استفحال ظاهرة العنف واستمرار الخروج علي كل القوانين والاعراف الانسانية ومن ابرز هذه الاسئلة لماذا ارتكب هذا السائق المتهم جريمته بهذا الشكل الوحشي؟ ولماذا تحجر قلبه ولم يشعر بوجع الضمير او تحريك لمشاعر الرحمة التي خلقها الله حتي في الحيوانات الضارية وهل العيب في قانون المرور ام في قانون العقوبات ام في بطء التقاضي ام يكمن العيب في المجرم نفسه لانه مصاب بعقد نفسية تولدت منها غريزة الانتقام ووجدت في الفوضي المرورية وشريعة الغابة المناخ المناسب لتطل برأسها الشيطانية وتدمر قيما ومباديء واعرافا تربي عليها شعب عمر حضارته يربو علي سبعة آلاف سنة وللاجابة علي تلك التساؤلات كان لابد من لقاء المجني عليه الذي يرقد في غرفة العناية المركزة بمستشفي دار الفؤاد محبوسا في زنزانة من الجبس ولقاء المتهم المحبوس علي ذمة القضية. مع المجني عليه التقت »الأخبار« بالمجني عليه علي ابراهيم عيد 53 سنة.. خرج صوته ضعيفا خافتا بسبب خراطيم التنفس المغروسة في انفه وكمية الاجهزة الطبية التي حاصرته من كل جانب.. قال: الحمد لله- كلمة قلتها عندما أخرجت حيا من تحت عجلات الميكروباص الذي دهسني 4 مرات وقلتها عندما افقت من غيبوبتي داخل غرفة العناية المركزة وسأظل ارددها حتي نهاية العمر، فما حدث معي لا يمكن وصفه، وبقائي علي قيد الحياة معجزة من المولي القدير، فسائق الميكروباص صدمني فوقعت امام السيارة، فدهسني بعجلاتها الامامية مرة ثم عاد الي الخلف لتمر العجلات فوق ذراعي وساقي.. كنت متأكدا انني هالك لا محالة ولكنني تشبثت بالحياة من اجل طفلي اللذين تركتهما في سيارتي الملاكي فقمت بلف ذراعي حول عجلة الميكروباص وابعدتها عن منطقة الصدر ولكن السائق لم يرحمني، مر بالسيارة فوقي فتكور جسدي ثم عاد السائق مرة ثالثة للخلف بسيارته ليدهسني ويجهز عليّ بالعجلات الخلفية، كنت اسمع صراخ الركاب وهم يحاولون كبح جنون السائق المتهور.. سمعت رجلا يصرخ فيه الرجل تحت العجلات.. توقف توقف ولكنه لم يسمع ولم يهتم وفعل ما اراد ثم انطلق بسيارته، كان طفلاي محمد 8 سنوات ومريم 4 سنوات يبكيان ويصرخون في سيارتي الملاكي وهما يشاهدان جسدي يسحل تحت عجلات الميكروباص.. كانت صرخاتهم هي الوقود الروحي الذي جعلني اتمسك بالحياة ولا اهاب الموت او التفت الي آلام عظامي المفتتة، ولم اغب عن الوعي الا عندما جلس بجوارهما ضابط شرطة وشعرت انهما في أمان. جنون غبر مبرر يكمل المجني عليه علي ابراهيم عيد حديثه بعد استراحة قصيرة ويقول: امتلك معرضا لتأجير السيارات واعمل في نفس الوقت سائقا خاصا للامير ترك ويوم الحادث كلفت بعمل ضروري ولان زوجتي توفيت منذ 9 اشهر وتركت لي الطفلين محمد ومريم واصبحا كل شيء في حياتي قررت نقلهما من شقتي في اكتوبر الي شقق اخوتي بشارع السودان لرعايتهما حتي اعود، وفي الطريق صدمني الميكروباص في جانب السيارة الايسر بعدما انحرف بشدة تجاهي رغم ان الطريق كان شبه خال من الزحام.. توقفت ولكنه واصل سيره وحمدت الله ان الصدمة لم تكن شديدة التلفيات وبعد مسافة وجدت الميكروباص والذي يحمل لوحات اتوبيس رحلات متوقفا.. نزلت لمعاتبة السائق واقسم بالله انني لم اضمر شرا ولكن كان كل هدفي افهامه بعدم تكرار ما حدث مع احد غيري، ركنت سيارتي وفيها الطفلان وترجلت خطوات ثلاثا نحو الميكروباص لم انطق بكلمة وكان بيني وبينه حوالي 3 أمتار وفوجئت بالميكروباص ينطلق بسرعة وانا مستقر تحت عجلاته.. نفسي أنعم بالشفاء واقابل هذا السائق لاسأله- عملت كده ليه؟!! وفي نهاية حواره قال: هل لي ان اطلب منك طلبا؟ قلت: نعم.. قال: اود ان اشكر ضابط الشرطة الذي حرس اولادي حتي جاءت شقيقتي واخذتهما واشكر المواطنين الذين طاردوا الميكروباص واجبروه علي التوقف واشكر الامير ترك والاميرتين زوجته وابنته لانهم نقلوني لهذا المستشفي الاستثماري وتحملوا نفقات العلاج كاملة. مع المتهم التقت »الأخبار« بسائق الميكروباص المتهم اسلام رجب عبدالسلام، قال: انه اكمل التاسعة عشرة ودخل في العشرين، ملامح الطفولة مازالت ترتسم علي وجهه وجسده النحيف يوحي بانه مازال صبيا في مقتبل العمر، سألته ماذا حدث ونقلت له سؤال المجني عليه، لماذا فعل ما فعل؟ قال كنت اعمل في فندق ولي اربعة اشقاء ثلاثة بنات وولد ولما مرض والدي الذي يعمل سائقا استخرجت رخصة قيادة خاصة وركبت الميكروباص ويوم الحادث توقفت لانزال راكب وانطلقت بالميكروباص وانا انظر ليسار الطريق لاري السيارات القادمة خلفي وفجأة سمعت راكبا يقول حاسب فانتبهت وانا اصدم المجني عليه ولكني وجدته تحت العجلات فعدت للخلف ولم اكن اعلم انني ادوسه مرة اخري وعندما سمعت صراخه اربكني الخوف فبدلا من الانطلاق للامام عدت الي الخلف فدهسته مرة ثالثة ثم أفقت فانطلقت اجري من الخوف لادهسه مرة رابعة، ولكن المارة وقائدي السيارات طارودني واجبروني علي التوقف فهربت وسط الزراعات وفوجئت بالمقدم اسامة عبدالفتاح رئيس مباحث كرداسة يقبض عليّ، كانت النيابة قد امرت بحبس المتهم 4 ايام جددها امس قاضي المعارضات لمدة 51 يوما اخري علي ذمة التحقيقات. ويبقي سؤال مهم.. كم صبيي في مثل عمر هذا المتهم يقودون سيارات الميكروباص؟ والي متي ستظل جرائم سائقي الميكروباص وامبراطوريتهم خارج نطاق السيطرة.