نظَّمت جامعة الإمارات العربية المتحدة في مدينة العين، صباح اليوم الثلاثاء، ندوة حول كتاب "السراب"، الذي أصدره مؤخراً سعادة الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، حيث شارك في المناقشات خلال الندوة ثلاثة من الباحثين المعروفين، بحضور المؤلف وحشد كبير من الأكاديميين والطلاب والمثقفين والمهتمِّين ممَّن امتلأت بهم القاعة الرحبة. وقد رأس الأستاذ راشد العريمي، رئيس تحرير جريدة "الاتحاد" سابقاً، الندوة التي شارك فيها الدكتور عبدالحميد الأنصاري، أستاذ السياسة الشرعية، وعميد كلية الشريعة والقانون السابق في جامعة قطر، والدكتور محمد بن هويدن، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الإمارات العربية المتحدة، والكاتب والباحث السياسي المصري الدكتور عمار علي حسن. وقال العريمي، لدى افتتاح الندوة إن كتاب "السراب" يُعَدُّ بمنزلة "صرخة في وجه التطرُّف.. صرخة قوية تقول لنا إن الكتابة في السياسة ليست ترفاً". وسلَّط العريمي الضوء على النقاط الأساسية في الكتاب، مؤكداً أن مؤلفه سعادة الدكتور جمال سند السويدي هو مثال للمثقف المشغول بإشكاليات مجتمعه وأمته؛ الأمر الذي دفعه إلى تأليف هذا الكتاب. ومن جهته استهلَّ الدكتور عبدالحميد الأنصاري مداخلته بتوجيه الشكر إلى سعادة الدكتور جمال سند السويدي على هذا الكتاب، الذي عَدَّه موسوعة معرفية شاملة ودراسة معمَّقة تقف على نشأة الجماعات الدينية السياسية، وأهدافها، وتطوُّرها، وأسباب انتشارها، وفشلها. وقال الدكتور عبدالحميد الأنصاري إن الوصول إلى السلطة عبر توظيف الدين هو هدف مشترك لهذه الجماعات. ورأى أن الحافز الأساسيَّ لسعادة الدكتور جمال سند السويدي على تأليف "السراب" هو أنه مهموم بما يحصل على الساحة من صراعات باتت تحول شريحة من المسلمين إلى "قنابل بشرية"، أما الدافع الآخر لتأليف الكتاب، بحسب ما قاله الدكتور عبدالحميد الأنصاري، فهو حماية الدين نفسه من "ملوِّثات السياسة"، فضلاً عن تحصين المجتمع والشباب من أوهام الشعارات الدينية التي تطرحها هذه الجماعات. ومن ناحيته توجَّه الدكتور عمار علي حسن إلى الطلاب والطالبات قائلاً إن الكتاب يجيب عن "أسئلة كثيرة كانت تحيِّرنا حين كنا في مثل أعماركم"، وأشاد بالمنهج العلمي المنضبط الذي اتبعه كتاب "السراب"، لافتاً النظر إلى أنه ينبِّه على أن الجماعات الدينية السياسية يمكن أن تتعدَّد شكلياً أو ظاهرياً، لكنها تنهل من معين واحد، وتسعى إلى تحقيق غاية واحدة. ورأى الدكتور عمار علي حسن أن ظاهرة الجماعات الدينية السياسية، التي يناقشها كتاب "السراب" تمثل بالفعل "سراباً"؛ لأنها تلجأ إلى العنف، وتطلق شعارات غير قابلة للتطبيق، وتخدع الناس من خلال استخدام الدين، كما أن مشروع هذه الجماعات برَّاق في ظاهره، ولكنه لا ينطوي إلا على فراغ في جوهره، معتبراً أن "هذه الجماعات تسير عكس حركة التاريخ"، وهو ما أثبته الكتاب فعلياً. أما الدكتور محمد بن هويدن، فشدَّد بدايةً على أن أهمية الكتاب تكمن في أنه يعالج موضوعاً مهماً، خصوصاً خلال الفترة الراهنة، في ظل بروز خطر الجماعات الدينية السياسية ومحاولاتها اختطاف السياسة باسم الدين، مضيفاً أن كتاب "السراب" يزوِّد القراء بمعلومات وموضوعات لم يكن يعرفها الكثيرون. وأكد الدكتور محمد بن هويدن أن الجماعات الدينية السياسية، في مجملها، تسعى للوصول إلى السلطة بأيِّ وسيلة، مسلِّطاً الضوء بقوة على أن هؤلاء المتطرِّفين يسعون إلى تدمير "نظام الدولة الوطنية"، الذي يعود إلى عام 1648، وموضِّحاً أن غياب الدولة هو أصل المآسي التي تشهدها دول مثل سوريا وليبيا، وهو مصير يريد الحوثيون أن يأخذوا اليمن أيضاً إليه. ونبَّه الدكتور محمد بن هويدن، في مداخلته، على خطر حالة "الاحتقان الطائفي" التي تفرزها الجماعات الدينية السياسية وتغذيها، واصفاً إياها بأنها "طائفية" بطبيعتها، وأنها "لا ترى سوى نفسها، ولا تؤمن إلا بفكرها". واختتِمت الندوة بمناقشات مستفيضة وموسَّعة عكست اهتماماً كبيراً من الحضور بكتاب "السراب" وموضوعه الحيويِّ، حيث أجمع الحضور على أهمية القضية التي طرحها مؤلف الكتاب، سعادة الدكتور جمال سند السويدي، والتي عكس تناوله لها إيمانه بدور المثقف في لحظات الأزمات، وحتميِّة تسليط الضوء عليها، والتحذير من خطرها.