نقلا عن : الوفد1/10/07 لآثار المصرية مهددة بالزوال بعد 10 سنوات حقيقة صادمة توصل إليها مؤخراً العلماء والباحثون، تلك الحقيقة التي تعبر عن مدي الإهمال والسوء الذي تعاني منه الآثار تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الحكومة وحدها هي المسئولة عن ذلك عندما سمحت بتهريب الآثار للخارج وعندما أهملت صيانة المناطق الأثرية. وفي السنوات الأخيرة كثر الحديث عن حوادث سرقة الآثار في مصر، حتي باتت وكأنها أمر طبيعي، وكان آخر تلك الحوادث هو إحباط محاولات سرقة الآثار في قنا والشرقية وإحباط محاولة لعصابة أمريكية للسطو المسلح علي المتحف الحربي بالعلمين. فقصة تهريب الآثار المصرية ليست ببعيدة ولكنها تعود إلي بدايات القرن ال 18 علي يد البعثات الأجنبية، التي جاءت إلي مصر للكشف عن كنوز الحضارة الفرعونية المدفونة تحت الرمال. وكان قانون الآثار في ذلك الوقت ينص علي اقتسام الآثار المكتشفة بين الدولة وتلك البعثات. وفي فترات الضعف السياسي كان معظم قناصل الدول يعملون كتجار للآثار وقد نجحوا في نقل الكثير من القطع النادرة إلي بلادهم حتي إن إيطاليا وحدها بها 18 مسلة مصرية بحسب ما ذكر تقرير للإدارة المركزية للتعديات إلي جانب آلاف القطع النادرة التي تضمها متاحف اللوفر في فرنسا والمترو بوليتان بالولايات المتحدة وتورنتو بإيطاليا ومتحف برلينبألمانيا. هذا بالإضافة إلي قيام بعض حكام ومماليك مصر بإهداء الضيوف قطعاً من الآثار المصرية ومن المدهش أن الطرق الثلاث السابقة سميت بالطرق المشروعة. أما الطرق غير المشروعة فأشهرها عمليات التهريب التي تقوم بها العصابات المحترفة. ومن الوقائع الفريدة التي أكدها الدكتور أحمد الصاوي محاولة الرئيس السادات استعادة تمثال نصفي للملكة نفرتيتي من ألمانيا، لكنه فوجئ بالرفض القاطع من السلطات الألمانية. أيضاً الواقعة الشهيرة عندما حاولت هيئة الآثار المصرية استعادة بعض القطع الأثرية النادرة الموجودة بمنزل عالم الآثار الإنجليزي كارتر، مكتشف مقبرة توت عنخ آمون، ولكنها قوبلت بالرفض من الورثة الذين تمسكوا بها. وقد حاولت مصر مع بدايات الستينيات مطالبة منظمة اليونسكو برد الآثار الموجودة في المعارض الدولية وتحت ضغط شديد صدرت توصيات ملزمة للدول الأوروبية من هيئة اليونسكو برد الآثار التي دخلت إليها بطرق غير مشروعة، ولكنها توصيات مشروطة بأن تقدم مصر المستندات التي تثبت أن الأثر تابع لها. وأن يكون هذا الأثر مسجلاً في سجلاتها وأن تقوم بتحديد مكان الاكتشافات والطريقة التي خرج بها. غير أن الدول الأوروبية قامت بإصدار قوانين داخلية خاصة بها تنص علي أن كل أثر مضي علي دخوله أرضها 25 عاماً يعد أثراً قومياً لا يمكن التفريط فيه، وهذا ما حدث مع تمثال الملكة نفرتاري الذي كان قد خرج عام 1992 في الواقعة التي تعرف بعملية السرقة الكبري علي يد مهرب الآثار الإنجليزي جوناثان كوبك بيري. وقد قدمت وزارة الثقافة المصرية الأوراق الدالة علي سنة خروجه وعلي الطريقة التي خرج بها إلي المحاكم الإنجليزية ليعود رأس الملكة نفرتاري في 2001 تاركاً وراءه مجموعات أخري نادرة في كل عواصم العالم يصعب استردادها. أما الكارثة الأخري التي تهدد بزوال الآثار في مصر فهي المياه الجوفية وامتداد مياه الصرف الصحي إلي قلب الآثار الموجودة علي سطح الأرض وأيضاً امتداد الرقعة الزراعية للمعابد القديمة وأماكن الآثار، حيث اكتشف عالم الآثار البريطاني نيحيل هيثرنجتون تأثير المياه الجوفية والزراعات علي الآثار وأصدر تقريره في نهاية عام 2005 بأنه خلال عشر سنوات وإذا ما ظلت الآثار المصرية في أماكنها فإنها ستختفي وستندثر القطع الأثرية الجيرية لتآكلها بمياه الصرف الصحي، وأيضاً أكد علماء الآثار المصريون في بيان أصدروه في عام 2006 بأن القوانين المصرية ضعيفة جداً ولا تطبق بشكل كامل لردع محاولات تآكل الآثار التي ستندثر إذا ظل الوضع كما هو عليه الآن. حتي المجلس الأعلي للآثار اعترف في عام 2006 بأن تمثال أمنحتب الثالث وتمثال الرمسيوم في الأقصر أصبح أطلالاً الآن لأن المياه أتلفت النقوش وطالب وقتها بإصدار تشريع جديد يفرض حظراً يحمي الأراضي المحيطة بالمواقع الأثرية من وجود أراض زراعية بجانبها وطالب بتجفيف التربة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المواقع الأثرية. النموذج الحي علي تلك الكارثة موجود في منطقة تل بسطة وصان الحجر، حيث أدي إهمال المسئولين فيها إلي القضاء عليها تماماً، فالمنطقة إلي الآن لا توجد بها شبكة للصرف الصحي وتعتمد علي الخزانات الأرضية، بالإضافة إلي أن تلك المنطقة قريبة من الأراضي الزراعية وهو ما يشكل خطورة كبيرة لاحتواء مياه الري علي نسبة كبيرة من المواد الكيميائية التي تفتت قطع الآثار، بالإضافة إلي نمو الحشائش في منطقة الآثار والتي تعتبر دليلاً واضحاً علي وجود نسبة كبيرة من المياه الجوفية في أراضي الآثار وهو ما أكده التقرير الصادر من هيئة الآثار وانتهي أيضاً إلي حقيقة مرعبة تقول إن أكثر من 150 ألف قطعة أثرية انتهي عمرها الافتراضي بسبب ارتفاع نسبة المياه الجوفية. وحسب تأكيدات الدكتور شاكر أبوالفتوح أستاذ المياه الجوفية بكلية العلوم جامعة الزقازيق : هناك مياه جوفية بجوار الآثار، فهناك آثار سطحية علي سطح الأرض وأخري مدفونة لم يتم التنقيب عليها، وبالنسبة للأخيرة فالوضع أشد خطورة لأن نوعية المياه في باطن الأرض تحتوي علي أملاح صوديوم وبوتاسيوم، هذه الأملاك تتفاعل مع الأثر، مما يؤدي إلي تآكله وإزالة النقوش علي جدرانه، أما بالنسبة للآثار المكشوفة فالوضع مترتب علي كمية المياه علي الأرض والوضع أشد خطورة لمياه الصرف الصحي لاحتوائها علي عناصر كيميائية، إضافة إلي احتوائها علي مخازن خطيرة تزيد من معدلات التفاعل مع الأثر. الأكثر خطورة من كل ذلك هو ترك المسئولين مناطق الأثر تحت حماية مجموعة من العمال بدون أسوار تحميها، حيث تم هدم جزء كبير من أسوار الحماية وهو ما يجعل عملية سرقة الآثار سهلة أيضاً، الغريب هو دخول مجموعة من المواشي يومياً إلي مناطق الأثر للتغذية علي الحشائش. المثال الآخر هو مقابر الملوك الموجودة في صعيد مصر، حيث أدي اقتراب الأراضي الزراعية من المقابر إلي إزالة بعض النقوش من الآثار، وأيضاً أدي غياب الرقابة إلي سرقة أكثر من 63 مقبرة، حيث تم الاستيلاء علي بعض قطع منها وهو ما كشفه عالم الآثار البريطاني كريستوفر في تقريره عن أوضاع الآثار الفرعونية داخل مصر. ومن جانبه لم ينف الدكتور زاهي حواس ذلك، بل أكد أن هيئة الآثار تقوم بعمل مشروعات الصرف الصحي وحماية الآثار في كل المناطق الأثرية وكان آخرها ما تم في الأقصر، حيث تم عمل مشروع ضخم لإزالة مياه الصرف الصحي من الآثار تعدت تكلفته ال 50 مليون جنيه وجار الآن تطبيقه علي كل المناطق الأثرية. الدكتور أحمد الصاوي الأستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة أكد أن هناك العديد من التعديات المنتشرة علي الآثار المصرية وسببها إما مافيا الآثار أو الاتساع الزراعي. فالمشروعات التي تقام علي أراضي الآثار تضر بها حتي إن الهيئة أقامت 17 قضية تعد علي الآثار بشرق الدلتا، حيث تمت إقامة مشروعات زراعية ومزارع أسماك ومشروعات إنشاء مصانع ومخازن للشركات علي أراضي الآثار، ورغم إقامة الدعاوي القضائية، فإنها لا تزال حتي الآن. وأشار الدكتور الصاوي إلي أن سبب هذه التعديات هو ضعف الحراسة علي الآثار، وعدم قيام إدارات التفتيش بواجبها في متابعة أراضي الآثار، بالإضافة إلي ضعف رواتب القائمين علي عملية حراسة الآثار، مما يدفعهم للتساهل في الأمر. ويطالب الدكتور الصاوي بضرورة تنظيم الحراسة علي أراضي الآثار، وتنفيذ مشروع قانون حماية الآثار، واعتبار سرقة الآثار جناية وتشديد العقوبات علي المخالفين. ويشير الدكتور الصاوي إلي نوع آخر من التعديات وهو سرقة مخارن الآثار، حيث إن أكثر من 80% منها مبان هشة وغير مؤمنة وبعضها مبني بالطوب اللبن، رغم أنها تحتوي علي كنوز مصر. وهناك مشروعات لعمل مخازن متحفية لحفظ الآثار لكن العمل فيها بطيء جداً، وهذا هو سبب كثرة الضبطيات وتهريب الآثار وسرقتها. كذلك يجب إنشاء متاحف إقليمية لتخفيف العبء في تخزين الآثار والذي يتم بشكل مهين جداً. كذلك فمطلوب عمل مسح آخر شامل حتي بين التراث دون نهب أو سلب. ويطالب الصاوي بإنشاء وزارة متخصصة للآثار للحفاظ علي تراث مصر، هدفها حماية الآثار وعرضها وتأمينها وتعريف العالم كله بحضارة مصر وآثارها.