بعد أيام من صدور القرار مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات جديدة على إيران، أعلنت الحكومة الأميركية أنها بدأت تطبيق هذه العقوبات على إيران، بتوسيع لائحتها السوداء التي تضم أشخاصا وجهات إيرانية سيتم تجميد أصولها المحتملة في الولاياتالمتحدة. وجاء في بيان لوزارة الخزانة الأميركية أن اللائحة الطويلة للأشخاص الذين تستهدفهم واشنطن، تم توسيعها لتضم خصوصاً «بوست بنك أوف إيران» وخمس «شركات» تابعة للشركة البحرية الوطنية، «و خطوط الشحن البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية» المشمولة بالعقوبات السابقة. وقالت وزارة الخزانة إن بوست بنك أصبح واجهة للتعاملات الدولية لبنك سيباه، منذ أن فرضت عليه العقوبات في عام 2007. كما قرر الاتحاد الأوروبي، فرض عقوبات جديدة على إيران تتخطى تلك التي أقرها مجلس الأمن، وتستهدف خصوصاً قطاعي النفط والغاز، بعدما اتخذت الولاياتالمتحدة قراراً مماثلاً. وأعرب قادة دول الاتحاد في بروكسيل عن «أسفهم الشديد لعدم استغلال إيران للفرص الكثيرة التي أُتيحت لها لتزيل مخاوف المجتمع الدولي في شأن طبيعة البرنامج النووي الإيراني. وفي ظل هذه الظروف، لم يعد من الممكن تفادي إجراءات تقييد جديدة». وأشار قادة دول الاتحاد إلى أن العقوبات على قطاع الطاقة، ستحظّر «الاستثمارات الجديدة والمساعدة الفنية ونقل التكنولوجيا والمعدات والخدمات التي تتعلق بهذه المجالات، خصوصاً تلك التي تتعلق بالتكرير وتكنولوجيا الغاز الطبيعي المسيل». وتركز الإجراءات الأوروبية التي يُفترض تحديد تفاصيلها في يوليو المقبل، على التجارة بما في ذلك البضائع ذات الاستخدام المزدوج، والمصارف والتأمين وقطاع النقل البحري والجوي الإيراني. إضافة إلى العقوبات على صناعتي النفط والغاز. كما تشمل فرض قيود جديدة على منح تأشيرات لقادة «الحرس الثوري»، وتجميد أصولهم المالية.. وكل ذلك يؤكد أن هناك توافقا أميركيا أوروبيا حول الموقف من إيران. ولكن السؤال المهم الذي يفرض نفسه حاليا، يتعلق بمدى فعالية هذه العقوبات في وقف إيران عن المضي قدما في برنامجها النووي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العقوبات التي سبق فرضها على العراق، والتي كانت أقسى من تلك المفروضة على إيران، لم تؤثر بصورة قوية على الاقتصاد العراقي، بل تفتح المجال أمام التجارة السرية والاقتصاد الخفي، وهو الأمر المفترض أن يضر بالاقتصاد العالمي. فضلا عن إيران بما لها من اقتصاد نفطي قوي تستطيع أن تدبر احتياجاتها، وهي في معظمها ليست من المواد الاستراتيجية التي يمكن أن تكون لها تأثيرات على المجتمع، خاصة وأن من يفرض العقوبات يعلن أنها تفرض على الحكومة وليس على الشعب الإيراني، ولكن هذه مجرد حجة حتى لا تمتد العقوبات إلى مجال النفط بما يؤثر على أسعاره العالمية، وهو الأمر الذي يكشف عن انتهازية الغرب الذي يفرض العقوبات على إيران. وفي رأي خبراء مختصين في الشأن الإيراني، فإنه ليس من المحتمل، على الرغم من عدم اعتراف الإدارة الأميركية بذلك، أن تغير هذه التدابير الأخيرة من حسابات إيران النووية. كذلك فإن قدرة إيران على تجاوز الحظر والتأقلم معه وتخفيفه، توضح أن التهديد بفرض العقوبات يبدو أكثر تأثيراً من تنفيذها على أرض الواقع. وفي رأي مراقبين آخرين، فإن إيران التي فرضت عليها العقوبات، حققت انتصارات رمزية في مواجهة الغرب. فهي من جهة، وعبر توقيعها على الاتفاق الثلاثي مع كل من تركيا والبرازيل، أكدت أنها غير معزولة دوليا وإقليميا، على عكس ما كان يمثل سعيا أميركيا وأوروبيا. ومن جهة أخرى فإنها أكدت أن المضي قدما في طريق إقرار عقوبات أكثر قسوة، أمر ليس سهلا على الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيين. فإيران استطاعت تأخير القرار تسعة أشهر، وتخفيف العقوبات بحيث لم تشمل النفط والغاز، وإنما تناولت التسلُّح والمسائل المالية، واستطاعت أيضاً اجتذاب تركيا والبرازيل ودولٍ أصغَر إلى جانبها. على أنّ المسألة الأكبر والأكثر أهمية بالنسبة لإيران، وقد ساعدها فيها الروس والصينيون، هي أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها التزموا بأن تمرَّ القرارات الخاصة بإيران كلّها من خلال مجلس الأمن والمنظمات الدولية، وفي ذلك نجاح للسياسة الإيرانية التي كانت تخشى أن تصدر العقوبات عبر آليات داخلية في أي من الولاياتالمتحدة أو الاتحاد الأوروبي. وكل ذلك يعني أن الحزمة الرابعة من العقوبات على إيران ستكون هي سقف العقوبات الغربية، وأنها تمثل محاولة ضغط عليها للتراجع عن برنامجها النووي، أو لإجبارها على التفاوض حول هذا البرنامج. والدليل على ذلك ما صرح به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بعد أيام من صدور قرار مجلس الأمن، حيث أعلن استعداد فرنسا للبدء «بلا تأخير» في مفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، في أطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأضاف الرئيس الفرنسي في تصريحات علنية للصحفيين، خلال مقابلة له مع الرئيس الروسي في سان بطرسبورغ، «إننا تبنينا عقوبات جديدة ليس لمعاقبة إيران، بل لإقناع قادتها بالعودة إلى طريق المفاوضات».. وذلك يكشف عن الهدف الأساسي من حزمة العقوبات الرابعة، التي يبدو أنها ستكون النهائية. * نقلا عن جريدة البيان الاماراتية