أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل، قدم له نتانياهو شهادة تقدير موضوعة في إطار زجاجى مكسور! فحسب ما جاء في صحيفة «هآرتز»، فقد اتكأ نتانياهو دون أن يقصد، على الإطار الزجاجى وهو يتحدث لضيفه فانكسر الزجاج، ولم يدرك نتانياهو الأمر إلا حين جاء وقت تسليم الشهادة فعلاً. والحقيقة أن تلك الواقعة في دلالاتها، تجسد طبيعة التوتر الأميركي الإسرائيلي وآفاقه. فشرخ الزجاج لم يمنع استلام الهدية، والتوتر في العلاقة بين البلدين لن يمنع استمرار الوضع على ما هو عليه، لأسباب داخلية أميركية وأسباب عربية أيضاً. فالزيارة لم تنطو فقط على تقديم هدية ذات إطار مكسور، وإنما شملت أيضاً إحراجاً لبايدن تبعه الاعتذار الرسمي. والقصة باختصار، أنه بعد أربع وعشرين ساعة فقط من الإعلان رسمياً عن بدء المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي ستدور عبر جورج ميتشل مبعوث الرئيس الأميركي، وصل بايدن لإسرائيل في زيارة هدفها الرئيسي تحذيرها من ضربة عسكرية ضد إيران، وتشجيعها على العودة للتفاوض مع الفلسطينيين. لكن إسرائيل فاجأت بايدن بالإعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدسالشرقية، الأمر الذي اضطر بايدن، بل والبيت الأبيض، لإعلان الإدانة الفورية. واللافت للانتباه أن الصلف الإسرائيلي أدى هذه المرة إلى إدانات واسعة، شملت دوائر غير تقليدية بالمرة. فقد أدانها إسرائيليون وأميركيون مناصرون لإسرائيل، رأوا فيها ليس فقط تصعيدا غير مطلوب مع إدارة أوباما، وإنما الإحراج لواحد من أكثر أصدقاء إسرائيل ولاء، جو بايدن. فعلى سبيل المثال، وصف إبراهام فوكسمان، رئيس جمعية مناهضة التشهير اليهودية الأميركية، الإعلان الإسرائيلي ب«الكارثة»، وحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عما وصفه بتحويل لحظة مهمة في مسار العلاقة بين البلدين إلى «لحظة أزمة». وفي تقريع علني لإسرائيل نادرا ما يقوم به اليهود الأميركيون عموما وإبراهام فوكسمان تحديدا، رفض الرجل المبررات التي ساقتها الحكومة الإسرائيلية، حين قالت إن نتانياهو لم يكن على علم بالقرار قبل إعلانه. فقد قال فوكسمان إن «من واجب الحكومة (الإسرائيلية) أن تتحسب لما يمكن أن يضر بزيارة نائب الرئيس، وكان يتعين عليها أن تصدر تعليمات صارمة لكل أعضاء الوزارة حول تجنب مثل تلك الأخطاء، خصوصا في المسائل المتعلقة بالاستيطان في القدسالشرقية». وقد اعتذرت إسرائيل رسميا لبايدن، على لسان نتانياهو ووزير داخليته. وكان واضحا تماما في الحالتين، أنه ليس اعتذارا عن الاستيطان في القدسالشرقية، وإنما اعتذار عن إحراج بايدن بالإعلان عن ذلك المشروع وقت زيارته لإسرائيل. وقد أكد على المعنى نفسه دانى إيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، من واشنطن حيث قال إن «السيادة الإسرائيلية على العاصمة لم تكن أبداً موضع مفاوضات، وإسرائيل لن تقدم أية تنازلات إضافية من أجل السلام». ولم يأل الرجل جهدا في أن يؤكد على المعنى المفهوم ضمنا، وهو أن الإدانة الأميركية جاءت في الواقع لأن الإعلان حدث بينما بايدن في إسرائيل. وبينما قبل بايدن الاعتذار الإسرائيلي، فإنه قام بتعديل بسيط في كلمته التي ألقاها من جامعة تل أبيب، فأكد المعنى نفسه. فبعد أن قال إنه أدان الإعلان عن المشروع الاستيطاني «فورا وبمنتهي القوة بناء على طلب الرئيس أوباما»، قال إنه يقدر رد فعل نتانياهو الذي قال إنه «يتخذ إجراءات لمنع تكرار مثل ذلك الحدث، والذي أوضح أيضا أن البداية الفعلية للبناء في ذلك المشروع تحديدا، سوف تكون بعد سنوات على الأرجح». والواضح أن «الحدث» الذي يقصده بايدن لم يكن الاستيطان، لأنه في العبارة نفسها لم يكن لديه مانع من بدئه في وقت لاحق، وإنما الحدث هو ببساطة عدم إحراج المسؤولين الأميركيين أثناء زياراتهم لإسرائيل! والحقيقة أن قبول بايدن الاعتذار الإسرائيلي، لا يعنى أن التوتر في العلاقة بين الحكومتين قد زال. فما حدث في زيارة بايدن لم يكن إلا إحدى حلقات التوتر في العلاقة، والذي تجلى بالذات بعد خطاب أوباما للقاهرة. فإسرائيل وأنصارها رفضوا تماما ربط أوباما في خطاب القاهرة بين الهولوكست وإنشاء دولة إسرائيل، واعتبروه بمثابة عدم اعتراف من أوباما «بالحق التوراتي لليهود» في أرض فلسطين. وبينما لم ينس الإسرائيليون لأوباما أنه في ذلك الخطاب تحدث عن معاناة الفلسطينيين على قدم المساواة مع معاناة اليهود، فإنهم لم يغفروا له أبدا أنه لم يشأ أن يزور إسرائيل منذ توليه الرئاسة وحتى الساعة. وقد عبر عن ذلك المعنى صراحة نائب رئيس الكنيست، حين علق على زيارة بايدن قائلا إنها «في ذاتها تمثل إهانة، لأن أوباما نفسه ليس هو الذي يقوم بالزيارة». غير أن هذا التوتر في العلاقة لا يعنى أننا في ظل الضعف العربي والفلسطيني الراهن، مقبلون على مرحلة تمارس فيها أميركا ضغوطا على إسرائيل في موضوع الاستيطان أو غيره. بل لعل العام الحالي هو أقل الأعوام المرشحة لمثل ذلك الضغط. فأوباما في حاجة لتركيز كل طاقته لتحقيق إنجازات داخلية، قبل الانتخابات التشريعية في نوفمبر القادم. ولأن الرجل يحتاج لكل عضو في الكونغرس لتمرير تشريعاته الداخلية، فإن أوباما لن يغامر بتحدي إسرائيل قبل انتخابات المؤسسة التشريعية، التي هي معقل أنصار إسرائيل. ولا يستبعد في هذا السياق أن يقوم حتى بزيارة لإسرائيل قبل تلك الانتخابات، إذا لزم الأمر. بعبارة أخرى، فرضت الاعتبارات السياسية الداخلية الأميركية نفسها على الساحة، ويبقى الحال على ما هو عليه حتى إشعار آخر! * نقلا عن جريدة البيان الاماراتية