لقد انتهت وزارة المالية من اعداد قانون الضرائب العقارية ودفعت به في عجالة إلي مجلس الشعب في دورته السابقة الذي أقره وأصدره في يومين دون تأن في دراسته لما يحتويه من أحكام وقواعد جد خطيرة.. وقد تعاملت الحكومة مع الضرائب العقارية بنفس المبدأ الذي تتعامل به مع أنواع الضرائب الأخري رغم الاختلافات العديدة فإذا كانت الضرائب علي الدخل تتعامل مع أرباح الممولين وبالتالي فإن سريانها يقتصر علي فئة محددة من جمهور الشعب فإن الضرائب العقارية ذات طبيعة خاصة مختلفة فهي تتعلق بحق من حقوق المواطنة وهو المسكن الذي ينبغي علي الدولة توفيره للمواطنين كافة. وبرغم الحملة الاعلامية الضخمة للتعريف بقانون الضرائب العقارية والاقرارات الجديدة للضرائب العقارية فإنه لا يزال كثير من ملاك الوحدات السكنية والمستأجرين يتساءلون عن الاجراءات التي يجب عليهم أن يتبعوها وقانونية موقفهم الضريبي ومدي خضوعهم للضريبة المذكورة من عدمه في وقت بدأ فيه العد التنازلي لانتهاء مهلة تقديم الاقرارات.. والثابت ان الذين تقدموا بإقراراتهم الضريبية منذ بدء تقديمها في شهر اغسطس الماضي حتي أول شهر ديسمبر الحالي ثلاثة ملايين مواطن من أصل ثلاثين مليونا مفروضا عليهم تقديم هذه الاقرارات الضريبية الجديدة وذلك وفق التصريحات الرسمية للمسئولين عن الضرائب العقارية والمنشورة بالجرائد القومية الرسمية. مفاد ذلك ان الغالبية العظمي من اصحاب العقارات في مصر كان سيتم توقيع غرامات مالية عليهم تتراوح قيمتها ما بين مائتي جنيه وألفي جنيه بنص القانون.. لولا القرار الذي صدر بمد فترة تقديم الاقرارات إلي 31 مارس القادم. ووفقا لما ورد بالقانون المذكور فإنه سوف يفجر صراعا فيما بين وزارة المالية من جانب والمحليات من جانب آخر إذا تم استحداث نص في القانون يقضي بأن تؤول حصيلة الضرائب والمبالغ المقررة في هذا القانون للخزانة العامة وزارة المالية بدلا من توجيهها للمحليات وفقا لقانون الإدارة المحلي الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979 وهذا عين ما حدث فعلا إذ قامت وزارة المالية بالاستيلاء علي معاشات الموظفين اصحاب المعاشات من وزارة التأمينات الاجتماعية والتي بلغت العديد من المليارات من الجنيهات والتي لا يعلم أحد عنها شيئا حتي الآن وذلك باعتبار ان المحليات هي الجهة المنوط بها قانونا اداء الخدمات بالاحياء من رصف طرق وبناء مدارس ومستشفيات وتوفير المياه والكهرباء والصرف الصحي وخلافه. إذا كان ذلك وكان من حق الدولة فرض ما تشاء من الضرائب مادامت أداة الاصدار هي القانون الذي توافق عليه السلطة التشريعية إلا ان اساس فرض الضريبة يجب ألا يكون مشوبا بعيب عدم الدستورية. وقد سبق للدولة في العديد من القوانين المتواترة تقرير اعفاء الايراد المفترض عن المسكن المملوك للممول أو المنزل الذي له فيه حق الانتفاع أو السكن فقد نصت المادة الأولي من القانون رقم 169 لسنة 1961 بتقرير بعض الاعفاءات من الضريبة علي العقارات المبنية وخفض الايجارات بمقدار الاعفاءات المنشور بالجريدة الرسمية العدد "54" في نوفمبر سنة 1961 والنص في المادة الرابعة من التفسير التشريعي الملزم الصادر بالقرار رقم 1 لسنة 1963 في شأن تفسير احكام القانون رقم 56 لسنة 1954 بشأن الضريبة علي العقارات المبنية يدل علي ان المشروع قد قرر بعض الاعفاءات من الضريبة علي العقارات المبنية وأعفي الملاك وهم الملزمون أصلا بها من ادائها سواء كانت المباني منشأة اصلا لأغراض السكني أو لغيرها من الأغراض وذلك مقابل قيام الملاك بتخفيض الأجرة بما يوازي الاعفاء المذكور بقصد التخفيف عن كاهل المستأجرين اعتبارا من أول يناير التالي لتاريخ استعمال المبني لأغراض السكن. وقد نصت المادة السادسة من القانون 99 لسنة 1949 بعد تعديلها بالقانون رقم 75 لسنة 1969 والتي تقرر انه لا يدخل في الحساب ايراد ومصروف عند تحديد المبالغ الخاضعة للضريبة الايراد المفترض عن المنزل المملوك للممول متي كان يشغله فعلا وان الاعفاء يقتصر علي منزل واحد ويشترط لاعفاء هذا الجزء من الايراد أن يشغل الممول المنزل بالسكني فيه أما إذا شغله بغير طريق السكني فلا يسري الاعفاء وكذلك إذا شغل جزءاً منه بالسكني وأجر جزءاً آخر أو أقام به محلا تجاريا أعفي جزء من ايراد العقار بنسبة الجزء الذي يسكنه إلي الأجزاء الأخري. وقد نصت المادة 66 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر المنشور بالجريدة الرسمية العدد "36" في 8/9/1977 علي انه مع عدم الاخلال بأحكام القانون رقم 169 لسنة 1961 بتقرير بعض الاعفاءات الضريبية علي العقارات المبنية وخفض الايجارات بمقدار الاعفاء والقانون رقم 38 لسنة 1967 في شأن النظافة العامة والقانون رقم 46 لسنة 1968 باستثناء بعض الأماكن من الاعفاءات الضريبية المقررة بالقانون رقم 169 لسنة 1961 المشار إليه يعفي شاغلو المساكن من اداء الضرائب العقارية الأصلية والاضافية كما يعفي اصحاب العقارات التي انشئت قبل أول يناير سنة 1944 من ضرائب الدفاع والأمن القومي ونصت المادة 67 من ذات القانون علي أن تسري هذه الاعفاءات المقررة بالمادة السابقة اعتبارا من أول يناير سنة 1977 علي المساكن المنشأة أو المشغولة لأول مرة بعد 18/8/.1969 وقد نصت المادة 11 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر المنشور بالجريدة الرسمية العدد رقم "31" ج في 30/7/1981 علي انه فيما عدا المباني من المستوي الفاخر يعفي اعتبارا من أول يناير التالي لتاريخ العمل بهذا القانون مالك وشاغلو المباني المؤجرة لأغراض السكني التي انشئت أو تنشأ اعتبارا من 9/9/1977 من جميع الضرائب العقارية الأصلية والإضافية ولا تدخل ايرادات هذه المساكن وعاء الضريبة العامة علي الايراد مفاد ذلك ان الاعفاء الوارد بهذا النص من الضرائب العقارية الأصلية والإضافية قاصر علي المساكن دون المستوي الفاخر ويبدأ سريانه من أول يناير سنة 1982 وما بعدها ذلك ان هذا القانون قد صدر في 27/7/1981 ونشر في 30/7/1981 إلا انه نص في خصوص المادة 11 منه علي أن يعمل بها من أول يناير التالي لتاريخ نشر القانون أي ان بدء سريانه يكون اعتبارا من 1/1/1982 وان الأصل سريان القانون منذ نشره ما لم ينص القانون علي موعد آخر. وليس بالضرورة كل من يملك شقة هو من كبار الملاك المستحقين لدفع الضرائب فإذا كان ولا مفر من هذه الضريبة فيجب أن تراعي الدولة السكن الذي تشغله الأسرة وأن يعفي من الضريبة السكن العائلي خاصة إذا كان هذا المالك من اصحاب المعاشات ذلك ان صاحب المعاش مطالب بشراء الأدوية ومصاريف نثرية أخري.. هذا فضلا عن ان هناك آلافا من اصحاب هذه الشقق التي ستفرض عليها تلك الضريبة قد اشتروها بقروض من البنوك بضمان تلك الشقق فهل سيسددون الأقساط بفوائدها للبنوك أم سيسددون الضرائب العقارية للدولة؟؟! فإذا اضيف إلي ذلك المواطن الذي يرغب في التصرف في شقته سيواجه بأن هناك حظرا عليها بالبيع مفروضا عليها ضمانا لسداد الأقساط والفوائد المترتبة علي القرض مما يضاعف من ثمن تلك الشقة وهنا لا يجد مشتريا إلا بالخسارة الجسيمة فهل هذا مما يرضي المسئولين في الدولة؟؟ هذا إلي انه يتوقع حدوث العديد من الطعون بكم غير طبيعي علي التقديرات التي ستخرجها الهيئة لو لم تكمل اللجان عملها تماما بكل دقة وهو ما سيضاعف عبئا جديدا علي القضاء وبالتالي سيعاني القضاء من تلك المنظومة غير الجاهزة للعمل والتي بوضعها الحالي لن ترضي الممولين؟! من كل ما سبق يبين ان ما قرره قانون الضريبة العقارية من فرض ضريبة عقارية علي كل عقار مبني في مصر هو نظام غير معمول به في العالم كله وقد ضرب بكافة الاعفاءات السابقة عرض الحائط وقد سوي في دفع الضريبة العقارية فيما بين محدودي الدخل والأغنياء هذا إلي ان هذا القانون يضم عددا من التناقضات في تحصيل الضريبة علي العقارات المبنية ويحمل في طياته شبهة عدم الدستورية فإذا اضيف إلي ذلك كله ان المسكن المملوك للممول أو المنزل الذي له فيه حق الانتفاع أو السكن لا يدر دخلا أو ربحا علي الاطلاق مما كان يتعين معه علي المشرع ضرورة النص صراحة علي اعفاء منزل الاقامة من الضريبة العقارية اسوة بما كان مقررا في القوانين سالفة الذكر متي كان يشغله فعلا وان الاعفاء يقتصر علي مسكن واحد. وأخيرا ان الأمل يحدونا في أن يستخدم الرئيس حسني مبارك السلطات المخولة له قانونا بتجميد الضريبة العقارية لحين إعادة النظر فيها أو أن يتصدي مجلس الشعب للقانون مرة أخري ويعيد صياغته بشكل أكثر قبولا وعدالة وملاءمة واصلاح التناقضات التي شابت بعض فقراته وتمت الموافقة عليها في غفلة وعجلة دون دراسة متأنية في آثار هذا القانون علي جمهور الشعب!!! * نقلا عن جريدة "الجمهورية" المصرية