يرصد الكاتب السعودى عبدالله بن بجاد العتيبي فى مقال له بجريدة الاتحاد الاماراتية الزيادة الكبيرة فى اعداد المفتين فى العالم العربى والاسلامى لدرجة انه يمكن الحصول على مفتٍ لكل مواطنٍ وهم يفتون بدون أى ضوابط وعامة الناس ترحّب بأمثال هؤلاء وبفتواهم يرجع الكاتب ذلك لمحاولة استنطاق النصوص الدينية بما لم تقله وينفى سماعه مفتياً يوماً يجيب عن سؤالٍ بكلمة لا أدري. يصف الكاتب الوضع الحالى فى العالمين العربي والإسلامي أنها حالةً غريبةً عجيبةً يمكن تسميتها ب "الوباء الإفتائي" ففي عددٍ من الأقطار العربية والإسلامية هناك إمكانية متاحة لتحطيم الأرقام القياسية والحصول على مفتٍ لكل مواطنٍ! فالمفتون أصبحوا كما يقول المثل المصري "أكثر من الهمّ على القلب" وهم أصناف وأشكال وتيارات واتجاهات، بينها من التفاوت أكثر مما بين المشرق والمغرب. وعن ضوابط الفتوى يرى الكاتب انه لا توجد أية ضوابط ولاشروط للمفتين ومؤسسات الفتوى إمّا أنّها مُستتبعة للنظام السياسي بشكل أفقدها قيمتها وإمّا أنّها غارقة في القديم والموروث، تجامل المتشددين وتريد السيطرة على كل حراك المجتمع، ولا تدري شيئاً عن صراعات العصر وشروط الواقع فضلا عن موازناته واختلافاته، وهو ما يفقدها الأهلية والصلاحية للإفتاء من الأصل. ويستنكر الكاتب ترحيب العامة بأمثال هؤلاء وبفتواهم ، ويؤكد ان الفتاوى لا يقوم بها مؤسسات الفتوى الرسمية فقط لكن بدأ أولئك الملتحقون بالعلم الشرعي كل بحسبه في تخريج مؤسسات فتوى وتيارات فتوى ورموز فتوى وأشبال فتوى وناشئي فتوى ومنتخبات فتوى من كل صنف وكل لون، وهذه الفرق والمنتخبات الإفتائية تتقاطر علينا من كل فجٍ عميقٍ، وتحاصرنا من كل حدبٍ وصوبٍ، ويبقى الناس مستقبلين غير محصنين لهذا الكمّ الضخم من الفتاوى التي تترى على أسماعهم وعقولهم صباح مساء. ومع اقرار الكاتب بحاجة الناس النفسية للاطمئنان على صحة تصرفاتهم الدينية ، ولكنّ هذا لا ينفي خطيئة من يفتيهم ، فالواقع اليوم يخبرنا أنّ الناس بدأت بالسؤال عن توافه الأمور وأحقر المسائل والإلحاح عليها، كلبس النعل ونوع المنديل وشكل السيّارة ولباس العيد والزهور والمسلسلات وغيرها من تفاصيل المسائل التوافه كنوع الطعام والشراب ولون اللباس وماركة القميص ونحوها، وهذا الوباء الإفتائي هو عين ما كان يسميه السابقون ب"التنطّع في الدين" وهو مصطلح تراثي بحت، كان يطلقه العلماء والفقهاء على المتشدّدين في أزمانهم، أولئك الذين يقلبون الدين ، ويدخلونه فيما ليس من شأنه لأغراض في نفس يعقوب! ليس مفتو التوافه هذه بأحسن حالاً من غيرهم من المفتين الذين يحسبون أنّهم أرقى مقاماً وأرفع حالاً، من أمثال مدّعي الإعجاز العلمي في الدين ممن يتلاعبون بالدين تلاعب السفهاء وينسبون له في كل حادثةٍ رأياً وفي كل نازلةٍ حكماً، وأشد منهم أذىً منتحلو "إسلامية المعرفة" الذين يزعمون أن للدين في كل علمٍ حكما وفي كل متغيرٍ دورا، فيلغون الإنسان تماماً ويقضون على مساحة الإبداع البشري والاجتهاد الإنساني مع قضائهم المبرم على "مساحة المباح".