فتحت الفتوى التي أصدرتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بشأن حجاب النائبات جدلا واسعا في أوساط المجتمع وخارجه، لكن هناك جدلا قانونيا أبعد من مسألة مناقشة الفتوى نفسها، وقد يدل على أمر خطير إذا تتبعناه.. فالبعض ومن خلال الفتوى المذكورة يطالب بتطبيقها، وهذا الأمر يجرنا إلى عدة تساؤلات تختصر في «لمن نحتكم اليوم.. للقانون أم للفتاوى؟». فقد سبق لمجلس الأمة كما ذكرت جريدة القبس الكويتية أن أحال طلبات إلى إدارة الافتاء يستفسر منها عما إذا كان إسقاط القروض أو فوائدها حلالا او حراما، وذلك في مجلس 2008، كما أن هناك حالات عديدة أخرى مشابهة، وبما أننا في دولة قانون ونمتثل لأوامر القانون ونسير على خطاه فإنه من الطبيعي أن تظهر تساؤلات عن أسباب المطالبة بتطبيق الفتاوى وعدم اللجوء إلى القانون للتفسير. ومن المعلوم أن المحكمة الدستورية هي المختصة بتفسير القوانين وتعديلها أو إلغائها، وخير شاهد على ذلك هو أحد الأحكام الشهيرة التي ألغت قانون التجمعات، ففي ذلك الوقت لم يتم اللجوء إلى دار الإفتاء للسؤال عما إذا كان التجمعات حلالا او حراما، والمحكمة عندما قدم لديها طلب بذلك الأمر، قضت بإلغاء القانون السابق. وهنا يكون سؤال آخر، لماذا لا نلجأ الى المحاكم الدستورية، التي هي مشكلة من مجموعة خبراء قانونيين يرأسهم رئيس المجلس الأعلى للقضاء، كما أننا لا ننسى أن القانون مأخوذ من الدين، فبالتالي تكون الفتوى هي التابعة للقانون على حسب ما يفسره القانونيون. «قانون وعدالة» ارتأت طرح الموضوع على العديد من القانونيين بعد أن رأت أن هناك جدلا قانونيا وغضبا من عدم فهم القوانين، وكان هناك تخوف من عدم اللجوء الى المحكمة الدستورية بدلا من الفتاوى، كما أشاروا في الوقت ذاته إلى أن مسألة الحجاب ذكرت وفق الأطر القانونية والدستورية التي نصت على الحرية الشخصية، موضحين أنه لا يجوز تقييد الحريات، وإن كانت الشريعة الإسلامية تلزم المرأة بالزي الإسلامي. في البداية اكد المحامي محمد الانصاري ان قانون الضوابط الشرعية هو قانون وضعي ومطاط، واذا كان قانون الانتخابات رقم 17 لسنة 2005 بشأن تعديل المادة الاولى من قانون رقم 35 لسنة 1962 نص على الالتزام بضوابط الانتخابات الشرعية، فان الدستور الكويتي نص على مبدأ الحرية الشخصية، ولم يفرق بين جنس او مذهب. واضاف بالقول: الحرية مكفولة دستوريا رضي البعض ام ابى، والدستور الكويتي لم يخرج في جميع مواده عن الاحكام الاسلامية، ولم تكن هناك مادة واحدة تؤكد على وجود شبهة في ذلك الامر، وهذا الامر معلوم للكافة، وعلى رأسهم خبراء القانون. وتابع: الامر بالنسبة إلى القوانين من ناحية السؤال المطروح، فقد لا يحتاج الى اجابة لاننا في دولة تحتكم الى قانون، وليس الى الفتاوى الشرعية، لكنه اذا كان البعض لديه افكار او اهواء معتقدات يعتقد انها قانونية، فعليه ان يلجأ إلى المحكمة الدستورية للفصل في ذلك الامر، والسؤال الذي تم توجيهه لادارة الافتاء بوزارة الاوقاف لم يأت باجابة جديدة، فكلنا يعلم بان الاسلام نص على ارتداء المرأة للزي الاسلامي، لكنه وبالوقت نفسه لا يجوز الزام المرأة بارتداء هذا الزي لان القانون كفل الحرية للجميع، واذا استمرينا في عدم احترام القانون، فاننا امام منزلق خطير. وزاد: لا نريد الخروج عن دائرة الحديث القانوني، لكنه كمثال بسيط جدا، اذا كان البعض يريد تطبيق هذه الفتوى، فلماذا اعترض على فتوى هدم المساجد التي صدرت ايضا من وزارة الاوقاف؟! بل وهددوا في ذلك الوقت باستجواب سمو رئيس مجلس الوزراء. يجب ان تكون لدينا موضوعية، وان نعلم أن القانون فوق كل شيء، فالأفكار لا تتعدى القانون، واذا كان لأي شخص استفسار شرعي فعليه ان يذهب للمحاكم للفصل فيه، والا فسيكون هناك اضعاف لهيبة القانون من قبل البعض، وهذا لن يحدث أبدا، ولن نرتضيه جميعا. الإطار القانوني من جانبه، قال المحامي عبدالله العلندا: في البداية لا بد ان نوضح انه في مسألة وجوب ارتداء المرأة المسلمة للحجاب من عدمه انها مسألة لا تحتاج الى فتوى، لانها مسألة شرعية واضحة، كما انه لا يوجد تعارض بين الفتوى والقانون، ذلك ان الفتوى ما هي الا تفسير للنص القانوني محل الفتوى، بمعنى انه عندما يطرح تساؤل عن واقعة ما فتقوم الفتوى بإيضاح النص القانوني الذي يحكم تلك الواقعة وتفسير مقاصد المشرع في هذا النص، اي ان الفتوى هي تفسير لنص قانون، ومن ثم فالفتوى تطبق القانون ولا تخالفه، لانها ان خالفته لا تعتبر فتوى قانونية، لكن تقتصر على شرعيتها، ويجب لتطبيقها استصدار حكم قضائي، وبناء على ذلك يجب ان تكون الفتوى في حدود الاطار القانوني الذي يحكم الواقعة المطروحة ولا يخرج عن هذا الاطار. واضاف: كما ان الحجاب هو الزي الشرعي للمرأة المسلمة، وقد امر به الله عز وجل في القرآن الكريم، من ثم فلا يجوز لاي مخلوق ان يبدي اي رأي في حكم شرعي انزله الله عز وجل في كتابه الحكيم على عباده وايدته سنة نبينا المصطفى «ص». واضاف: هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فلما كان النص في المادة الاولى من القانون 17 لسنة 2005 قد جاء به انه «يشترط للمرأة في الترشيح والانتخابات الالتزام بالقواعد العامة المعتمدة في الشريعة الإسلامية»، كما جاء بنص المادة 2 من القانون ذاته انه «يلغى كل حكم يخالف احكام هذه المادة». واوضح ان مفاد ما تقدم انه يجب على كل امرأة تكون عضوة في مجلس الامة الالتزام بالاحكام والقواعد الشرعية، وهذا الالتزام يكون على عاتقها عند ممارستها حقها الدستوري في الترشيح او الانتخابات وعند فوزها وتمثيلها لابناء دائرتها في مجلس الامة، فيجب على المرأة آنذاك الالتزام باحكام الشريعة الغراء من وجوب ان ترتدي الزي الاسلامي وهو الحجاب الشرعي الذي يعتبر من القواعد والاحكام المعتمدة في الشريعة الاسلامية، ويجب على المرأة الكويتية الالتزام بهذا الزي واللباس الشرعي عند ممارستها لحقها السياسي سواء كانت مرشحة او ناخبة او عضوة او وزيرة وذلك تطبيقاً لاحكام المادة الاولى من القانون 17 لسنة 2005 وللبيان الصادر بشأن تعديل القانون رقم 35 لسنة 1962 والخاص بانتخابات اعضاء مجلس الامة، وهذا كان رأي وزارة الاوقاف التي اصدرت الفتوى الخاصة بلزوم ارتداء الحجاب. واشار الى ان ذلك لا يتعارض مع احكام الدستور، لأن الدستور قرر ان الشريعة الاسلامية هي احد مصادر التشريع بدولة الكويت، وجاء القانون 17 لسنة 2005 واخذ من احكام الشريعة الغراء هذا النص الذي يوجب على المرأة عضوة مجلس الامة الالتزام باحكام وقواعد الشريعة الاسلامية، ولكن هناك مصادر أخرى وهي العرف، اي ما جرت عليه العادات والتقاليد. واكمل: ولما كانت الشريعة الاسلامية قد اوجبت على المرأة المسلمة ان تلتزم بالاحكام الشرعية وما انزله الله من احكام فانه لا يوجد خيار لاحد في تطبيق النص الشرعي من وجوب التزام المرأة عندما تخرج من بيتها بأن ترتدي الزي الشرعي الإسلامي، ومن ثم فإن المرأة لا بد أن تمتثل لحكم الله في وجوب ارتداء الحجاب ولا يجوز لها اتخاذ أي سبيل آخر للخروج عن هذا الحكم الشرعي، وهذا الالتزام وهو واجب كل امرأة مسلمة عند ظهورها أمام الرجال الأجانب عنها. وزاد قائلاً: ومن ناحية أخرى فالدستور الكويتي كفل الحرية الشخصية للكافة، ولا توجد سلطة لأحد في إجبار المرأة على ارتداء الحجاب، ولا يجوز أن يكون هناك اعتداء على الحرية الشخصية للأفراد التي كفلها الدستور لجميع المواطنين. وقال: ولما كانت عضوة مجلس الأمة هي من المواطنين الذين كفل لهم الدستور الحق في الحرية الشخصية، وحرم الاعتداء عليها بأي مسلك، كما أن دخول المرأة مجلس الأمة هو ظاهرة إيجابية حديثة لذلك ثارت المشاكل حول هذا الموضوع، وأعتقد ان حل هذه المشكلة سوف يكون بيد القضاء، ذلك أن أي حكم قضائي يصدر في تلك المسألة يجب عليه ألا يخرج عن الإطار الشرعي السابق بيانه، فلا يجوز أن يكون هناك حكم قضائي يتعارض مع أحكام الشرع الإسلامي، كما لا يجوز أن يعتدي على الحرية الشخصية التي كفلها الدستور للكافة. ونوه إلى أن الخلاف الدائر حول هذه المسألة لا يحل إلا بصدور حكم قضائي ملزم لكافة الأطراف المتنازعة. ونحن كرجال قانون دائماً وأبداً نقدر الدور الفعال الذي تقوم به المحكمة الدستورية، وقضاؤنا العادل الشامخ الذي دائماً وأبداً يضع الحلول لكافة المشاكل التي ثارت، ولا بد أن أنوه هنا بوجوب احترام أحكام القضاء سواء كانت لتلك القضية أو عليها، فالقضاء دائماً هو عنوان الحقيقة، وأرى ان هذه المشكلة لن تحل إلا عن طريق القضاء الذي سوف يطبق القانون دون النظر لأي اعتبارات أخرى. قوة القانون أما المحامي محسن العبدالله فعلق على الموضوع بالقول: القانون أقوى من كل شيء، وهو الملزم في التطبيق. كما ان قوانينا مأخوذة من الشريعة الاسلامية، وفي هذه الحالة فانه لا يفسر القانون الا اهل الفتوى، وعلينا ان نرضا بما تنص عليه المحكمة الدستورية. واضاف: اذا كانت هناك مطالبة في تعديل قانون او الغاء بعض المواد فان هناك طرقا يجب ان نسلكها وهي اللجوء للمحكمة الدستورية، فهي الوحيدة صاحبة الاختصاص، وسبق ان الغت قانون التجمعات الذي كان موجودا منذ سنوات عدة. واستطرد: اعتقد ان بعض اعضاء مجلس الامة يتخوفون من اللجوء للمحكمة الدستورية، بالرغم من انهم يعلمون تماما بانها الوحيدة التي لها الحق في تفسير القوانين واقرار ما نحتاج اليه لمسايرة الحياة. وقال ان المسألة ليست فتوى حجاب نائبات في مجلس الأمة، بل لها ابعاد طويلة وخطيرة في الوقت نفسه، فقد سبق ان استعان مجلس الأمة بالفتاوى في بعض الأمور، وأذكر عندما حدث في مجلس 2008 عندما احالت اللجنة المالية بالمجلس مشروع اسقاط فوائد القروض لجهة الافتاء وسؤالها عما اذا كان حراما او حلالا، وهذا الأمر يجب ان يتم حسمه. ولفت الى انه يجب حسم الموضوع في اسرع وقت ممكن والا ستطول الامور لما هو ابعد من ذلك، فاذا كان المجلس يريد ان يأخذ رأي الفتاوى في بعض الأمور فلا يوجد من يمنعه وهذا حقه، لكننا نرى انه يجب الا تكون هناك مطالبات بتطبيق هذه الفتاوى، لأن الخلاف في المسائل التي تتعلق بهذه الأمور لا يحل إلا عن طريق قوانين. وتساءل قائلاً: لماذا الخوف من اللجوء للمحكمة الدستورية التي سبق لها ان رفضت شكليا الدعوى المرفوعة من أحد المواطنين ضد جميع النواب الخمسين، وذلك لعدم تطبيق الشريعة الإسلامية في الانتخابات، وعدم ارتداء بعض النساء للزي الإسلامي؟ وخلص إلى أن المسألة الخاصة بالحجاب لا تحتاج الى تعليق طويل، لأن الدستور نص على المساواة والحرية، ولا يجوز لأي شخص تقييد الحرية، كما ان السؤال الذي تم توجيهه لإدارة الإفتاء لا يحتاج الى إجابة مطولة، والكل يعلم ان الدين الإسلامي يلزم المرأة باللباس الشرعي، لكننا لسنا أوصياء على الآخرين وهم لهم الحرية الشخصية، والحمد لله ان القانون ذكر هذا الأمر في مواده. تطبيق القانون أكد القانونيون خلال حديثهم عن مسألة الفتاوى أن القانون هو الأساس لكل فتوى تصدر لتفسير الوضع القانوني لواقعة ما طرحت على إدارة الفتوى لأخذ رأيها، ومن ثم يكون هو الواجب التطبيق في كل الحالات. القاضي والقانون ليس للفتوى أي إلزام في تطبيقها، فالقاضي والقانون هما الوحيدان اللذان يجب اطاعتهما، حتى لا تتفلت الأمور، فنحن في دولة قانون وهذا ما تعودنا عليه.