استحوذت صفقة اطلاق الأسيرات الفلسطينيات على اهتمام الصحف العربية الصادرة السبت مابين قائل حان الوقت لمعالجة ملف الاسرى بشكل شامل وجذري وبين تأييد للوساطة المصرية التى وصلت بنجاح إلي محطتها الأخيرة او تساؤل عن ثمن شاليط . جريدة الاهرام المصرية تؤكد حقيقة قد لايدركها الكثيرون وهي أن اطلاق اسرائيل سراح 20 أسيرة فلسطينية مقابل شريط فيديو لاتزيد مدته عن دقيقة يشكل نصرا كبيرا للوساطة المصرية, والتي مازالت هي الوساطة الرئيسية يعد اشارة واضحة إلي أن عملية التبادل الكاملة والتي سيتم خلالها اطلاق سراح نحو الف اسير فلسطيني مقابل شاليط باتت علي الأبواب ومن خلال تحليل المواقف الاسرائيلية يمكن ان نرجع موافقة اسرائيل علي اطلاق سراح السجينات العشرين لسببين أولهما صلابة موقف المفاوض الفلسطيني مدعوما بالوسيط المصري, وثانيهما إدراك اسرائيل أن حماس دفعت ثمنا باهظا من الدم مقابل شاليط وبالتالي لن تقبل بأقل من صفقة مشرفة حان الوقت لمعالجة ملف الاسرى بشكل شامل وجذري . جريدة القدس العربى الفلسطينية تؤكد ان قضية الاسرى وعدالة كونها قضية سياسية هي قضية انسانية من الدرجة الاولى وانه اذا ما توفرت الارادة السياسية فان من الممكن معالجة هذا الملف المؤلم بعيدا عن التشنج والمواقف المسبقة وبعيدا عن الاعتبارات السياسية والحزبية. واذا كانت اسرائيل قد اثبتت بمواقفها المتشددة على مدى سنوات طويلة انها غير مستعدة لاطلاق سراح اسرى الحرية الفلسطينيين دون مقابل تحت حجج وذرائع مختلفة حتى بعد التوصل الى اتفاقيات اوسلو، وانها مستعدة للنظر في المطالب الفلسطينية عندما يتواجد لها اسرى لدى الجانب الفلسطيني فان هذه الحقيقة يجب ان تدفع صانعي القرار في اسرائيل اليوم الى استخلاص العبر والعمل على ايجاد حل لملف الاسرى ينهي والى الابد الحاجة الى الاسر والى المساومات والمفاوضات الشاقة وهو ما لا يمكن ان يتحقق الا باعتراف اسرائيل الواضح بضرورة اطلاق سراح كافة الاسرى الفلسطينيين سواء كخطوة من شأنها بناء الثقة وتقريب الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي خطوات نحو السلام او من خلال دفع المسيرة السياسية قدما بحيث يكون ملف الاسرى على رأس سلم الاولويات. واذا كان شاليط كما ظهر في شريط الفيديو يبدو بصحة جيدة ومرتاحا فان المئات من الاسرى الفلسطينيين من بين اكثر من عشرة آلاف اسير يعانون من امراض مختلفة ولا يتوفر لهم الدواء والعلاج المناسبان كما ان مجموع الاسرى الفلسطينيين يعيشون ظروفا مأساوية في مختلف السجون والمعتقلات الاسرائيلية وهو ما يجب ان يشكل حافزا لتكثيف الجهود والتحركات والفعاليات للمطالبة باطلاق سراح الاسرى وابقاء قضيتهم على رأس سلم الاهتمامات الوطني. ان استمرار اعتقال اطفال وقاصرين ومرضى على نحو خاص في السجون والمعتقلات الاسرائيلية وفي ظروف قاسية وعدا عن انه ينتهك القوانين الدولية فانه يشكل فيما يشكل عقبة اخرى تسهم في تعميق الكراهية والتوتر ولا يعبر عن رغبة في شق الطريق نحو السلام بين الشعبين. لقد اقامت اسرائيل الدنيا ولم تقعدها جراء اسر احد جنودها الذين لم يمض على اسره سوى ثلاث سنوات رغم انه ينتمي الى جيش يحتل اراضي فلسطينية فماذا نقول بشأن اكثر من عشرة آلاف اسير فلسطيني من مقاتلي الحرية الذين يقضي بعضهم خلف القضبان منذ ثلاثة عقود والبعض منذ اكثر من عقدين وبينهم مرضى وشيوخ ونساء واطفال وقاصرون الا تستحق هذه القضية ان تقام الدنيا ولا تقعد الا باطلاق سراحهم ؟ واذا كان الالم الانساني واحدا ومشاعر الامهات او الاعزاء واحدا فان على قادة العالم وخاصة الرئيس الفرنسي والمسؤولين الاميركيين والاوروبيين الذين طالما ضغطوا لاطلاق سراح شاليط ان يلتفتوا الى الاسرى الفلسطينيين ويضغطوا باتجاه اطلاق سراحهم بعيدا عن ازدواجية المعايير وبعيدا عن التفرقة بين الم وآخر او بين ام واخرى. لقد حان الوقت لاستغلال هذا الزخم الذي احدثته خطوة الامس لاستكمال تنفيذ صفقة تبادل الاسرى ومن ثم معالجة ملف الاسرى بشكل اشمل مما يضع حدا لهذه المعاناة الانسانية الهائلة التي يؤدي استمرارها بالتأكيد الى التأثير سلبا على عملية السلام وتعميق عدم الثقة والدفع باتجاه دوامات العنف والتوتر. واذا كان لدى اسرائيل والمجتمع الدولي رغبة في ارساء السلام والامن في هذه المنطقة فان الخطوة الاولى المقترحة هي البدء باطلاق سراح آلاف الاسرى الفلسطينيين عدا عن خطوات ضرورية اخرى مثل وقف الاستيطان واقرار اسرائيل بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. شريط شاليط جريدة الدستور الاردنية تناولت الموضوع من زاوية اخرى وتساءل خيري منصور عشرون فلسطينية وعربية مقابل شريط فقط يوضح بأن الأسير الاسرائيلي لدى حماس شاليط بخير.. إذن كم هو ثمن شاليط نفسه؟ لا نحتاج الى حاسوب ذكي لاحصاء عدد العرب مقابل الاسرائيليين ، فثمة خمسة ملايين مقابل ربع مليار ، بحيث تكون حصة الاسرائيلي الواحد خمسين عربياً من مختلف اللهجات والإعلام والأناشيد ولو كان هؤلاء الخمسون عصافير مقابل طائرة واحدة لحرروا السماء منها ، ولو كانوا أقزاماً لربطوا جلفر من خصلات شعره وأسروه.. تداعيات مريرة وكثيرة تخطر في البال ونحن نشهد هذه الكوميديا العربية السوداء ، بحيث أصبح الأسرى يخضعون أيضاً لما تخضع له العملات ، بين محلية وصعبة ، فالدم أيضاً له فصائل أخرى غير التي نعرفها وتحدّد في بطاقاتنا ، منه الأزرق والأخضر والأحمر والأبيض ، ودمنا العربي على ما يبدو له تسعيرة تقل عن قيمة الدينار العراقي والليرة اللبنانية أو حتى الايطالية والتركية. وقد يأتي يوم يقايض فيه مليون عربي بما تبقى من أشلاء طيار اسرائيلي ، لأن المتوالية لا سبيل الى ايقافها وبلوع الهاوية السحيقة ، ما دام العربي قد أذعن وتأقلم مع الأمر الواقع ، وقرر أن يعيش قاعداً لا أن يموت واقفاً ، لأن فلسفة الزيتون والسنديان تبدلت بفقه اللبلاب ، الذي لا ينهض إلا اذا وجد حائطاً يسنده ، نحن لا نملك ازاء تحرير أي أسير عربي إلا أن نبكي فرحاً وحزناً ، لكن الغضب يبقى خارج هذه المعادلة ، رغم أننا حصدنا عناقيده في قانا مثلما حصدونا في جنين وكفر قاسم وغزة.. فما الذي تقوله الحواسيب الغبية الآن عن هذه اللعنة الديمغرافية ، وهذا الفائض الناقص ، وهذه الزنازين التي أصبحت بسعة قارات..؟ ان الشريط يساوي عشرين فلسطينياً أما شاليط فقد يعادل في هذه البورصة شعباً بأسره وأسراه.. وشر البلية لم يعد يضحك أو يُبكي.. انه يدفعنا الى تحسس رؤوسنا وما تبقى من أنوفنا المجدوعة،، وفى نفس الجريدة كتب ياسر الزعاترة ما ينبغي أن يقال ابتداء هو أن مجرد احتفاظ كتائب القسام بالجندي الأسير طوال ما يزيد عن ثلاث سنوات هو إنجاز كبير بحد ذاته. إنجاز ينطوي على الكثير من الإذلال للعدو الذي لم يعتد هذا النمط من التحدي ، بخاصة في ساحة الداخل ، مع العلم أننا نتحدث عن مساحة ضيقة فيها الكثير من العملاء والأعداء ، كما أن سماءها تزدحم بأحدث أجهزة التجسس في العالم. لن نتوقف كثيرا عند النفاق الدولي حيال الجندي الأسير ، مقابل تجاهل حوالي عشرة آلاف أسير فلسطيني ، ليس لأننا تعرضنا له مرارا وتكرارا فحسب ، بل لأنه بات أمرا معروفا في السياسة الدولية التي تمنح الدولة العبرية مكانة خاصة ، فيما تمنح اليهود مكانة أعلى بكثير من البشر الآخرين ، بمن فيهم الغربيون أنفسهم. سيتساءل البعض لماذا الإفراج عن أسيرات فقط ، وهل لذلك دلالة على طبيعة النظرة للمرأة وضآلة حضورها في حركة النضال الفلسطيني ، وهنا نرد بالقول إن المرأة الفلسطينية ، والمتدينة منها على وجه الخصوص لم تكن غائبة عن ساحة الجهاد ضد العدو ، ويكفي أن نعرف أنها هي من يتحمل تبعات الجهاد أكثر من الرجل ، فهي التي تتولى مهمة الحفاظ على أبناء الشهيد وأبناء الأسير ، وهي الأم وهي الأخت وهي الزوجة ، وهي البنت ، والخلاصة أن عدد الأسيرات قياسا إلى عدد الأسرى لا يعكس بحال حضور المرأة في حركة النضال. بالنسبة للصفقة ذاتها ، من المهم التأكيد على ما تنطوي عليه من إذلال للعدو الذي اضطر لدفع هذا الثمن مقابل معلومة ، مجرد معلومة عن الجندي ، الأمر الذي يعكس انتصارا رمزيا للمقاومة بصرف النظر عن عدد الأسيرات ، وعن عدم شمول الصفقة لأسيرات الأحكام العالية مثل البطلة أحلام التميمي التي ينتظر أن تكون بين المفرج عنهم في الصفقة التالية إذا تمت. في دلالة الصفقة أيضا ، هناك البعد المتعلق بالحضور الألماني الذي أتمها. صحيح أن بعض الفضل قد ردّ إلى مصر في الخطاب الحمساوي ، لكن ذلك لم يكن سوى محض مجاملة لا تخفي حقيقة أن الدور الألماني كان هو الحاسم ، مع العلم أن الدور المصري ينبغي أن يكون منحازا للفلسطينيين وأسراهم ، وليس مجرد وسيط مثل الألمان. في دلالات الصفقة هناك ما يتعلق بانتماء الأسيرات ، والذي عكس روحية المواقف التي تتبناها حركة حماس ، تلك التي لا تفرق بين أبناء الشعب الفلسطيني. ففي حين تتعرض زوجات الشهداء والأسرى من حماس للملاحقة من قبل السلطة في الضفة الغربية (دعك مما يجري لأزواجهن) ، تقوم حماس بتحرير خمس من أسيرات حركة فتح ، مقابل أربع من الحركة وثلاث من الجهاد وواحدة من الشعبية وسبع بلا انتماء تنظيمي. إنها رسالة إلى من يعنيهم الأمر عنوانها أن التوحد لا يكون إلا في دروب المقاومة ، بينما لا تنطوي مسارات التنازل والتعاون مع العدو إلا على مزيد من النزاع والصراع ، مع إدراك العقلاء لحقيقة أنها مسارات عبثية لا تعيد الحقوق ولا الكرامة.