هل معقول أن يتحول شهر العبادة والتأمل والهدوء مع النفس إلي شهر مسلسلات وبرامج دربكة أغلبها برامج عبيطة لاهدف لها إلا الحصول علي فلوس المعلنين. وأنا أنتمي إلي جيل ظهور التليفزيون وظهور أول برنامج خاص لرمضان هو الفوازير الذي كان أول من أبدعه المخرج الراحل فهمي عبدالحميد, وكان التليفزيون يجند إمكاناته لهذا العمل الذي تناوبت عليه كثيرات كانت ألمعهن بالتأكيد نيللي وشيريهان التي جعلت تقديم الفوازير بعدها أمرا صعبا علي أي فنانة مما أدي إلي انتهاء عصر الفوازير.. وبرغم أن عرض الفزورة كان يستغرق نصف ساعة فإن هناك وقتها من عاب علي التليفزيون مثل هذا البرنامج الذي يصرف الناس عن دينهم..! وتطور الأمر إلي عرض مسلسلين أحدهما علي القناة الأولي والآخر علي القناة الثانية في الوقت الذي لم تكن هناك فضائيات ولاشركات خاصة مثل الموجودة هذه الأيام وتنتج الحديد والاسمنت والعصائر والمحمول والمنظفات والألبان والسمنة والزيت, وعمارات وفيلات ومنتجات عديدة أصبح الإعلان مكونا أساسيا في ترويجها, ومن ثم اشتعل التنافس بين الفضائيات علي ملايين هذه الاعلانات, فكانت المسلسلات المطولة التي يمكن اختصارها في خمس أو ست حلقات والبرامج المتشابهة التي يشعر المتفرج علي كثير منها بالبلاهة, في الوقت الذي أصبح فيه المواطن مطاردا من عشرات القنوات الفضائية.. لايعرف ماذا يشاهد وماذا يترك ومتي يختلي بنفسه ويقرأ كتاب الله.. فهناك أكثر من مائة مسلسل وبرنامج تطبل لها الصحف وتخصص لها الصفحات.. وهو وضع أري أنه سيؤدي في القريب إلي ثورة الكثيرين عليه. ولست شخصيا من المتزمتين وأتابع باختيار الحاسة مسلسلا أو اثنين حتي أتمكن من الفرجة بهدوء وتذكر الأحداث فيهما, ولكنني اخشي من زيادة الشئ عن حده.. وأعتقد أن إناء المسلسلات طفح, وكما أضرب موظفو الضرائب العقارية والعدل وعمال المحلة والنقل والصيادلة والمدرسون وغيرهم كثيرون, فليس بعيدا أن يأتي وقت نري فيه إضراب معظم المشاهدين والمعلنين الذين هم المسئول الأول عن تمويل كل هذه الأعمال سواء كانت مسلسلات أو دربكة!! * الاهرام