بعد عشرة ايام من الانتخابات الإيرانية ، عقد الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد تجمع كبير وسط طهران في مسجد " المصلى" - الذى يقال عنه انه سيكون اكبر مسجد فى العالم اذا ماتم استكمال بنائه - لم يكن التجمع جيد التنظيم ، حوالي عشرين الف من أنصار الرئيس كانوا داخل المبنى ، يتقدمهم مجموعة من نجوم مسلسلات التلفزيون والرياضيين والمنشدين الدينين بينما كان هناك آلاف الاخرين يحتشدون فى الخارج . في الداخل ، كان هناك مضيف تليفزيونى يقود الحشد وهم يهتفون "الموت لاسرائيل" ، و حينما سال المضيف الرئيس نجاد " من اين له الطاقة للسفر الى كل المناطق و المحافظات فى ايران" رد نجاد ساخرا " " قلبي يعمل بالوقود النووي" . المكان كان ساخنا ، ومزدحم ، و اصيب الناس بإلاغماء. وبعد عدة ساعات ، أعلن المضيف ان الرئيس لن يتحدث وخرج لتتلقاه الحشود خارج المسجد. و من ثم بدات انا و مراسلة التايمز فى طهران " ناهد سيمادوست Nahid Siamdoust " رحلة العودة التى استغرقت ثلاث ساعات ، على الرغم من ان الفندق كان على بعد اميال قليلة . مشينا في البداية ، الى ان عثرنا على سيارة اجرة. ولكن وسط طهران أصبح مزدحم بشدة – بسب التظاهرات و الحملات السياسية . أنصار أحمدي نجاد ، يتحركون بالدراجات البخارية ، وفى مسيرات تغلق الشوارع امام مرور السيارات ، بينما يحمل اخرين لافتات تدعم منافسه المعتدل مير حسين موسوي. . كلا الجانبين يهتف لصالح مرشحه ... وبعد نحو ساعة ، نتيجة الزحام تركنا السيارة و استكملنا طريفنا سيرا على الأقدام. الشوارع مزدحمة للغاية. . بحشود مثل التى تتجمع بعد الفوز فى مبارة لكرة القدم . أنصار أحمدي نجاد ، يرتدون الوان العلم الايرانى الاحمر والابيض والاخضر ، ويبدو أنهم يتمتعون بحرية اكبر من التي يتمتع بها مؤيدي موسوي اصحاب الرايات الخضراء. و تجد في وقت من الأوقات ، احد مؤيدي أحمدي نجاد يخرج رأسه خارج نافذة سيارته ويهلل "موسوي - لاى لاى" ردا على هتافا الطلاب "أحمدي – باى باى - مع السلامة ، مع السلامة". فيضحك الطلاب. من يسير فى الشوارع يشعر و كأن شخص ما قد فتح الباب وبلد بأكمله قد تسرب منه ، و كان من الممكن الاعتقاد ، للحظة ، أن هؤلاء الشباب اللطفاء ، من كلا الجانبين ، قد يخلقوا "ايران" جديد ، أكثر انفتاحا على أنفسهم. ...... ولكن بعد ذلك ، اغلقوا الباب. لا بد من افتراض أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية تم التلاعب بها ، ولكن من المستحيل معرفة كيف تدخلت الحكومة بقوة ؟ من الممكن تماما أن يكون أحمدي نجاد قد فاز على أي حال ، ولكن بفارق ضئيل ، وربما أقل من 50 ٪ من الأصوات ، وإقامة انتخابات إعادة تحتمل خسارته لان المرشحين الآخرين سيتوحدون ضده. ومن المحتمل أن حكومته ، ربما تعمل بانسجام مع المرشد الأعلى ايات الله خامنئي ، الذى قررعدم المجازفة . في النهاية ، حتى لو كانت الحملة الانتخابية ، لا معنى لها الا انها تثبت و تقدم نظرة نادرة على الانقسامات في المجتمع الإيراني ، وليس فقط بين الطبقة العاملة من مؤيدي أحمدي نجاد بل بين الأغنى ، والأفضل تعليما الداعمين لموسوي. كما انها تضع المنافسات الداخلية على أعلى المستويات في الحكومة الايرانية وعلى الملأ للمرة الأولى ، وبطريقة أكثر احراجا. دون شك ، كان رئيس الجمهورية هو أفضل سياسي في السباق. وكانت مناظرته ضد اثنين من الاصلاحيين ، موسوي ومهدي كروبي ، نموذجا لكل من منافسيه من الجيل الأكبر القديم - الجيل الذي صنع الثورة الاسلامية في عام 1979 --وكلاهما كان مذهولا من منافسهم الذي يبدو أنه قد تم تدريبه من خبراء ايرانيين من شاكله "كارل روف Karl Rove* ". ويبدو أنهما قد اصيبا بالشلل و الارتباك بسبب ما اعتبروه سفاهه خشنه ؛ و بالمفهوم الامريكى ، ربما كانت هذه المناطرات تشبه ماكانت بين جورج بوش الاب ونيوت جينجريتش* Newt Gingrich . وكان أحمدي نجاد بارع فى مزجه بين الحقائق والاتهامات. تحدث مباشرة الى الكاميرا. عرض الرسوم البيانية ، كما فعل روس بيرو Ross Perot* في التسعينيات ، لإظهار أن الأمور ليست سيئة كما يعتقد الناس. و قدمت احصائياته رسالة قوية تحدت خصومه ، لكن الاقتصاد الايرانى كان أكبر نقطه ضعف له ، مع ذلك ، كان أحمدي نجاد على استعداد لمهاجمة المسائل الشخصية. وهاجم موسوي بانه مدعوم من قبل الرئيس السابق علي اكبر هاشمي رفسنجاني ، المتهم صراحة بالفساد (الاعتقاد سائدعلى نطاق واسع بين الاصلاحيين والمحافظين على حد سواء) ؛ وهاجم زوجة موسوي " زهرة رهنورد Zahra Rahnavard "، وهى فنانة وناشطة شهيرة، بتهمة الدخول الى الكلية من دون المرور بإمتحانات القبول ؛ و هاجم " مهدي خروبي " لحصوله على المال من فنان مدان بالاحتيال . الاصلاحيين - بل والعديد من أبرز المحافظين (الذين يطلقون على أنفسهم "ذو المبادىء" - اعتبروا هجوم نجاد الشخصى امر شنيع ، وخارج قواعد السياسة الايرانية. .. المفكر البارز "امير محبيان Amir Mohebbian " الذي ايد نجاد مع بعض التحفظات قال "ان هذه الهجمات قد تؤثر فى أنصار أحمدي نجاد ، لكنها لم تكن جيدة بالنسبة للنظام". والواقع أن المناظرة الاكثر شراسة كانت بين أحمدي نجاد و منافسه محسن رضائي Mohsen Rezaei ، القائد السابق للحرس الثوري ، الذي تحدى الرئيس فى الاتجاه التضخمي فى انفاق الاموال على اعادة توزيع الثروة مباشرة -- جميع أنواع الرواتب للطبقة العاملة والفقراء -- في حين إهمل استراتيجية الاستثمار طويل الأجل . على عكس من المصلحين الاكبر سنا ، دحض رضائي حجج الرئيس بشكل فعال. متوجها مباشرة للشعب الايراني قائلا : " تذهبون الى المتجر وتعرفون سعر الجبن... والناس يعرفون ما هي القصة الحقيقية". * ولكن كثيرا ممن يشترون الجبن - الطبقة العاملة ، والمسنين ، والنساء مرتديات الشادور -- يبدو أنهم يؤيدون أحمدي نجاد. و نجد واحد من الشعارات المفضلة لمؤيديه "أحمدي نجاد هو الحب". في يوم الانتخابات ، ذهبت انا وناهد الى حي "نازي أباد" حيث ترعرع أحمدي نجاد فى الطفولة ، وأجريت مقابلات مع الناخبين. طوابير الناخبين كانت طويلة عند مراكز الاقتراع في شمال طهران المتطورة. بينما كان هناك القليل من انصار موسوي ، من الواضح ان الكثيرين يقدسون احمدي نجاد ، انه عطوف على أسر الشهداء ، وهنا يقول رجل - أحمدي نجاد يسبغ الاهتمام على قدامى المحاربين من الحرب بين إيران والعراق ويمنح أفضليات القبول في الجامعات لابنائهم. و يؤكد مضيفا " إنه يعمل بجد بالنسبة لنا" بينما قالت امرأة مسنة ترتدى الشادور" انه لاينام ليلا". وقالت مرأة شابة " انه الشخص الوحيد الذى يؤيد حقا فئتنا من الناس الكل إهانه ، ولكني أعتقد ان المسيح يدعمه ، رأيته في المنام". موسوي ، من جهة أخرى ، قليلا من الناس من يهيم بشخصه . فهو معروف بصارمته و فعاليته كقائد ، وكان المفضل لدى قائد الثورة الاسلامية ايات الله الخميني خلال السنوات الأولى للجمهورية الاسلامية - وخصوصا خلال الحرب العراقية الايرانية - عندما كان رئيسا للوزراء. ولكنه اختفى الى حد كبير عن الانظار لمدة 20 عاما ، عاش حياة هادئة كفنان ومهندس حتى ظهوره كنموذج للنخبه فى شمال طهران الحديثة . . وكان مؤيديه من امثال الرؤساء السابقين رفسنجاني ومحمد خاتمي . موسوي يبدو ألاقل طنانة. فقبل يوم من الانتخابات ، اجريت انا و ناهد لقاء معه في مبنى كان قد صممه ، وهو جزء من مدرسة للفنون ومجمع للمعارض في وسط طهران. يبدو انه رجل لطيف للغاية ، يتحدث بصوت خافت ، بل يهمس في واقع الأمر. كانت اللحظة الاكثر تاثرا عندما سألنه عن هجوم أحمدي نجاد على زوجته. حينئذا قال "اعتقد انه تجاوز معاييرنا الاجتماعية ، وهذا تسبب فى خلق التيار الحالي ضد نفسه" وقال موسوي. "في بلادنا ، انهم لا يهينون زوجة الرجل فى وجهه ، كما انه من غير المتوقع من الرئيس الاهتمام بمثل هذه التفاصيل الصغيرة." . كما انتقد موسوى بلاغة أحمدي نجاد المثيرة للفتن حول القضايا الدولية مثل اسرائيل والمحرقة ، وهو ما سبق له ذكره خلال حملته الانتخابية حينما قال : "سياستنا الخارجية ... سببت الارتباك و التشوش بالنسبة لقضايا مفصلية هي في مصلحتنا الوطنية باستخدام الاثارة من اجل الاستهلاك المحلى . " ولكن "الإثارة" من اجل "الاستهلاك المحلى " هى الامر الذى كانت عليه الحملات السياسية عادة . وخلال أكثر من أسبوع في إيران ، أجريت مقابلات مع العديد من الناس الذين يعجبون بنجاد و ممن يخشونه ، ففي يوم الانتخابات في مسجد حسين ارشاد في شمال طهران ، تحدثت مع اسماعيل العسكري ، رئيس رابطة سائقي سيارات الأجرة في مدينة مالارد Malard ، الى الغرب من طهران. وكان من المؤيدين لموسوي ، لكنه اعترف ان "معظم الناس في رابطة السائقين الاجرة راضية عن الحكومة الحالية." يوم السبت قبل الانتخابات ، حضرت تجمع كبير لمؤيدى موسوي في مدينة " خراج"، على بعد نحو ساعة الى الغرب من طهران ، لكن شخص ما قطع الكهرباء ، لذلك لم يكمل التجمع فعالياته . اثناء عودتنا الى طهران ، قال لنا سائق السيارة الاجرة ان والديه منقسمون بشأن الانتخابات "والدتي تؤيد موسوي ، والدي يدعم أحمدي نجاد". " لم اكن متاكدا من موقفى حتى رأيتهم فى المناظرة. ويبدو أن أحمدي نجاد أقوى و اعتقد اننى لااريد موسوي يتفاوض مع الحكومات الاخرى". في الأيام التي سبقت الانتخابات ، والمصلحين و المحافظين- بما في ذلك العديد من مستشاري أحمدي نجاد -- قالوا لي ان المفاوضات مع الولاياتالمتحدة امر محتمل ، بغض النظر عمن يفوز . ويقول محبيان " قد يكون من الأسهل للقائد الاعلى في حال اعادة انتخاب الرجل القوي مما لو كان موسوي " و يضيف "ان فريق التفاوض سيتم اختياره من قبل الرئيس و القائد الاعلى ، الذي لديه لديه من الشكوك حول هذه المفاوضات ، مما يجعله يريد مساوم صعب". في الحقيقة ، الاصلاحيين الذين تحدثت معهم بدوا متشددين كأحمدي نجاد ، وإن كانوا أكثر أدبا حتى عندما تحدثنا حول ما اذا كانت ايران ستكون مستعدة للتنازل في المفاوضات مع الولاياتالمتحدة ، كانوا يصرون على ان برنامج تخصيب اليورانيوم الايرانى، للأغراض السلمية وهو حق بموجب معاهدة عدم الانتشار النووى. باستثناء موسوى ، الذى كان على استعداد للاعتراف بأن التسليح النووى قد يكون ضمن الاهتمامات ، وبالتالي يكون خاضع للتفاوض.. (موسوى قال لي انه اذا وجد مثل هذا البرنامج ، سيكون قابل للتفاوض ، لكنه لم يحدد ، وربما لا يعلم أنه موجود في الواقع.) الاصلاحيين أجمع لديهم الاعتقاد بان كلمات باراك اوباما التصالحية لم تكن كافية ، وعلى الولاياتالمتحدة ان تتخذ إجراءات ملموسة قبل المحادثات مما يجعلها ممكنة . و قد سالت كل واحد منهم ما هي الخطوات التى يمكن لايران بذلها من أجل السلام. وكان الجواب دائما واحد . "إنه من الطبيعي أن تكون الخطوة الأولى التي ينبغي اتخاذها من قبل الاميركيين" هكذا قال "خروبى" الأكثر تقدما من بين مرشحين الرئاسة الاربعة . واضاف "اننا لا تقوم بانقلاب ضد حكومتكم المنتخبة " ، في اشارة الى تدبير وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية عام 1953 للاطاحة بحكومة محمد مصدق. وقال "اننا لم نجميد الأصول الخاصة بكم وليس لدينا عقوبات ضدكم". (من بين جميع المصلحين ، يبدو أن موسوي فقط هو من يرى ان أوباما اعتراف بتدبير انقلاب عام 1953 في القاهرة و ان كلمته "خطوة ايجابية" ) هذا العناد - وما حدث فى نتائج الانتخابات - يجعل من مسألة المفاوضات الامر الأصعب على أوباما ، ولكن أيضا أكثر سهولة في بعض النواحي. وقد كان الرئيس الاميركي حذرا بشكل مناسب بعد الانتخابات – فقد انتقد استخدام العنف ضد المتظاهرين ، ولكنه لم يعلق على نتائج التصويت. ويبدو واضحا أن إدارة اوباما ستواصل المفاوضات التي تسعى اليها ، من بين أمور أخرى ، في محاولة لزيادة شفافية البرنامج النووي الايراني. و اذا كان الايرانيون اذكياء ، فإنهم سيردون بسرعة. إذا ما استمروا في المماطلة فان احراج نتائج الانتخابات سيسهل على أوباما حشد البلدان الأخرى وراء فرض عقوبات اشد وخطة الردع التى من شأنها أن تزيد من عزلة ايران. ولكن ذلك قد يكون ما يريده النظام الحالي.. • كارل روف : من كبار المستشارين السابقين ونائب رئيس هيئة الموظفين سابقاً في عهد جورج بوش الابن • روس بيرو : رجل اعمال امريكى ترشح لمنصب الرئاسة فى عامى 1992- 1996 • نيوت جنجرتش: السياسى الامريكى ، رئيس مجلس النواب من 1995-1999 • الجملة اشارة للتضخم و ضعف الاقتصاد الايرانى