في معرض التعليق على القرار القضائي الصادر عن محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان، محكمة جديدة المتن التي تنظر في قضايا الأحوال الشخصية، برئاسة القاضي جون القزي وعضوية القاضيتين رنا حبقا ولميس كزما، أمس الأول. وقد قضى القرار بمنح الجنسية للأولاد الثلاثة للسيدة سميرة، أرملة أجنبي رفعت الدعوى منذ أربع سنوات، يوم كان أولادها لا يزالون قاصرين. قالت المنسقّة في حملة «جنسيتي، حق لي ولأسرتي» رولا المصري، يمكن لمعادلة مبنية على قاعدتين أن تفتح باباً جديداً للعمل على إنصاف الأم اللبنانية في حقها بمنح جنسيتها لأولادها: «نجح القضاء حيث فشلت السياسة»، و«خرق القانون قضائياً يحتّم تعديله». القرار قابل للاستئناف والتمييز، وهو بالتالي ليس نهائياً. ويذكر أن الاجتهاد في محاكم التمييز والاستئناف في موضوع التجنيس قد توقّف منذ العام 1983، واستقرت الحال على عدم إعطاء الجنسية اللبنانية لأي مخلوق (عن طريق التجنيس). ولذلك، لم تتمكن أمّ توفى زوجها الأجنبي (وهي حالة قادرة على رفع دعوى والمطالبة بالجنسية، في ظل السماح بالاجتهاد) من منح جنسيتها لأولادها. فإذاً القرار ليس نهائياً وهو قابل للإلغاء. وتشرح المصري: «القانون اللبناني يجيز للأجنبية المتزوجة من لبناني أن تحصل على جنسيته بعد مرور عام على الزواج، ويجيز أيضاً أن تمنح جنسيتها الجديدة إلى أولادها من زواج سابق، بعد وفاة الزوج اللبناني، وفي حال كان هؤلاء الأولاد قاصرين، وفي حال لم يرفضوا جنسيتهم الجديدة بعد بلوغهم سن الرشد. تلك هي المادة الرابعة من قانون الجنسية اللبناني، والتي انطلق منها القاضي ليحكم بالمساواة بين الأم الأجنبية المجنسة وبين الأم اللبنانية التي لم تكن تمتلك هذا الحق حتى». في اجتهاده، أضاف القاضي إلى هذه المادة الرابعة، المادة السابعة من الدستور اللبناني التي تسمّي المواطنين، ذكوراً وإناثاً، متساوين بالحقوق والواجبات، على اعتبار أن التمييز هنا يطال المرأة في حقها بمنح جنسيتها لأولادها، وهو حق يمتلكه الرجل اللبناني. ولذلك، تقول المصري، إن القضاء نجح حيث فشلت السياسة، بعدما طال انتظار تعديل قانون منح الجنسية من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولم تثمر المبادرات المدنية والوعود الرسمية كافة إلا المزيد من الوعود المشروطة بالانتظار. انتظار أن يخرج السياسيون في هذا المجال من تفاصيل الاستثناءات والتوازن الطائفي والعنصرية ضد الفلسطينيين وضد المرأة في آن. من هنا، «خرْق القانون قضائياً يحتّم تعديله»، والقاضي يتوقّع، بحسب رولا، أن تشهد الفترة المقبلة حالات نقل نفوس كثيرة إلى منطقة الجديدة، بحيث ينظر هذا القاضي بقضايا تجنيس أولادهم، «كونه أظهر تحيّزاً واضحاً لمصلحة العدل في مواجهة الحساسيات السياسية». وتقول رولا إن الحملة، التي ترحّب بالقرار وتطالب بمنهجته، تتجهّز حالياً لخلق نوع من التشبيك القضائي، فتبحث في مختلف دوائر لبنان عن قضاة جاهزين لتكرار التجربة، بناء على معطيات كل قضية، لتعمم الحملة أسماءهم على أصحاب المطالب، بحيث لا تضطر الأم صاحبة القضية إلى نقل نفوسها إلى الجديدة لإيجاد العدل! وتشير رولا إلى أن الحملة تلقت اتصالات من أكثر من 15 حالة تشبه حالة السيدة سميرة كثيراً أو قليلاً، تحمّس أصحابها، بنتيجة الحكم القضائي الصادر أمس الأول، لإعادة إحياء دعاوى كانوا قد رفعوها سابقاً، أو لرفع دعاوى اليوم، في المحكمة التي صدر عنها القرار تحديداً أو في سواها، من أجل إحقاق الحق الذي ينام في أدراج السياسيين. لبنانيون وأردنيان في أسرة شادي شادي هو «حالة» من الحالات المتصلة. تحفّظ على نشر اسمه الكامل، لأن «الموضوع صار شوي حساس» بعدما دخل الملف في الحيّز الإجرائي. يروي شادي ل«السفير» قصته مع الجنسية اللبنانية: هو ابن لأم لبنانية وأب أردني، وقد أقام الأب في لبنان لفترة طويلة من حياته. تقدّم الوالد بطلب الجنسية اللبنانية في العام 1994، ضمن مرسوم التجنيس، واستحقها. نشر اسمه في الجريدة الرسمية في أواخر حزيران 1994، لكن وفاة الوالد سبقت ذلك الموعد بأسبوعين. يقول شادي: «أخي الكبير، وقد كان بالغاً حينها، اكتسب الجنسية، أما أنا وشقيقي التوأم فكنا قاصرين، ولم نحصل عليها». لم ترفع العائلة دعوى قضائية في حينه، لأن المرسوم أتبع بملحق لتصحيح الأخطاء واستكمال الطلبات، فانتظرت العائلة نشر الملحق. لكن، «صار في طعن بالمرسوم من أساسه، حينها.. فتوقفت كل إجراءات التجنيس، وتوقف معها الملحق». عندما بلغ التوأم سن الرشد، رفعت العائلة دعوى في محكمة بيروت، مع أن نفوس الوالدة في برج حمود (جبل لبنان)، وذلك لأن أساس الدعوى هو المطالبة بلمّ الشمل (والد ووالدة وشقيق لبنانيون، فيما التوأم أردنيان)، على أساس جنسية الوالد الراحل: «علماً أن العائلة تقيم هنا، ونحن درسنا هنا وعشنا هنا، ولهجتي، مثلما هو واضح، لبنانية!»، كما أن الوالد الأردني.. حصل على الجنسية اللبنانية. لم تتقدم الدعوى إلى الأمام لأن الطعن السياسي أصاب المرسوم من أساسه، وأوقف كل إجراء جديد في ملف التجنيس بشكل عام. بات التجنيس إعجازاً، ولم يتم البت بالطعن. ولم يكن تحصيل الجنسية ممكناً من مدخل آخر، مثل رابط الدم بالأم، لأن الدولة اللبنانية لا تلحظ هذا الرابط في تشريعها. يرى شادي أن «المعايير انقلبت مع القرار الصادر عن قاضي محكمة الجديدة، وصارت الآمال أكبر.. وإن لم تصبح كبيرة. فموضوع الجنسية في لبنان شائك، كما أننا – أنا وأخي - لم نعد قاصرين، عمري 30 سنة الآن. مع ذلك، نتفاءل لأننا يوم رفعنا الدعوى، كنا قاصرين، والوالد استحق الجنسية». اليوم، اتفق شادي مع المحامي على موعد للقاء والبحث في إمكانيات تفعيل القضية التي نامت في الأدراج لسنين طويلة، معتبراً أن «تفاعل المعنيين، سلباً أو إيجاباً، سيحدد آلية حركتنا». ويستدرك: «مع أن السلبيين أكثر نشاطاً وفاعلية من الإيجابيين في هذا الملف.. كأنهم يعانون من فوبيا التجنيس!». فإذاً، فتح قرار القاضي جون القزي أمام «الحملة» مدخلاً جديداً لخوض المعركة المدنية بواسطته، على أن تستمر «الحملة» في نشاطها المطلبي على مستوى التشريع السياسي، ليكون الحق قانوناً يشمل الجميع، وليس استثناء قضائياً. وبالإضافة إلى العمل على التشبيك بين القضاة، واستمرار السعي على المستوى التشريعي السياسي، تقول رولا المصري إن الحملة ستخاطب في المرحلة المقبلة وزير العدل كون منصبه يدمج القضاء بالسياسة: «فهو المسؤول عن الجسم القضائي وهو العضو في حكومة سياسية في آن». من منصبه، يمكنه ربط القضائي بالسياسي، ليصبح الحاكم بالعدل مساهماً في صناعة القانون. ولدوا في «خالدي» ودرسوا في «الكرمل» القرار الصادر، أمس الأول، يحتاج إلى توضيح وتتمة، ليفهم الناس إذا كان بوسعهم البناء على تلك السابقة، أو يتوجب عليهم التروي، والمزيد من التروي. السيدة وفاء جارودي هي واحدة من أصحاب المطلب، أم لشابين وصبية. زوجها توفى منذ حوالى 26 عاماً، وكان من التابعية السورية على الأوراق الرسمية، لكنه عاش حياته كلها في لبنان، «ودرس في مدرسة شارل سعد، وكانت أعمار أولادي سنتين وثلاث سنوات يوم توفى». تكمل السيدة وفا: «لم يقيموا يوماً في الشام، ولدوا هنا في مستشفى خالدي، ودرسوا هنا، في كرمل القديس يوسف، ودخلوا جامعات لبنان، «اليسوعية» و«العربية»، ولا يحق لهم العمل، فلا يعملون». الوالدة تعمل، وتؤمن الحياة، لنفسها ولأولادها الذين بدأوا يفكّرون جدياً في السفر: «فتصبح الأم وحدها، بلا أولادها، هون». جواز سفر ابنها حالياً في مبنى الأمن العام، منذ شهر ونصف الشهر. لماذا؟ لا لشيء، الإجراءات العادية لاستخراج بطاقة إقامة، يجددها سنوياً بكلفة ثلاثمئة ألف ليرة، ولا يُلحظ فيها كون والدته لبنانية. كأن الأم تفصيل في حياة الإبن والدولة. السيدة وفا جارودي هادئة، تتكلم إلى «السفير» بلا حماسة ولا يأس، تنتظر يوم الإثنين، أي بعد اكتمال المعلومات حول قضية جبل لبنان لدى منسّقي «حملة جنسيتي»، ليكون موعداً لفهم مستجدات اليوم، وتطوراتها الممكنة. فهي رفعت دعوى، إثر وفاة زوجها، ثم عادت وتراجعت عنها، نظراً لصدور مرسوم التجنيس في العام 1994. تقدّمت بطلب تجنيس لأولادها ضمن المرسوم، ولم يحظَ الطلب بالموافقة، فكان عليها انتظار ملحق المرسوم. ملف أولادها حالياً ينام في أدراج وزارة الداخلية، إلى جانب ملفات كثيرة تنتظر قراراً ينصفها، ويسمح للناس بالمضي في حيواتهم. تجربة السيدة سميرة في محكمة الجديدة أعادت فتح الملفات كلها. ولو ألغي القرار في محكمة الاستئناف، فإن العمل من أجل إنصاف ذوي الحقوق في ملف التجنيس مستمر.. وغير قابل للإلغاء.