في شهر أبريل من كل عام تتوجه أنظار كل المصريين الي بقعة غالية من أرض مصر هي سيناء احتفالا بذكري استعادة السيادة المصرية علي كامل أراضيها. وتأتي احتفالات هذا العام مواكبة لذكري مرور30 سنة علي صدور إتفاقية مكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة والتي كانت مصر من أولي الدول التي وقعت عليها, لذا كان من الضروري التعرف علي أوضاع المرأة هناك.. وكانت الزيارة لمحافظة جنوبسيناء, وكشف اللقاء المباشر مع البدويات أن المرأة السيناوية تحترم خصوصية مجتمعها وعاداته وتقاليده ولايوجد في المجتمع البدوي قضايا طلاق ولاخلع واذا ضرب الزوج زوجته فهو مضطر لترضيتها بمبلغ من المال وفقا لحكم المجلس العرفي, والبنت تخرج للتعلم, والخدمات الصحية متوافرة.. ولكن!! ولأن كلمة لكن تفتح الباب للتراجع عن الاشادة ببعض الايجابيات وجب توضيح الجانب الآخر من الصورة الذي عكسته كلمات الفتيات والأمهات وأيضا الرجال وبعض المسئولين. فالفتيات في جنوبسيناء يذهبن الي المدارس وتصل نسبة تعليم البنات الي60% في التعليم الاساسي بسبب عدم انتظام الذكور في الدراسة لفترات طويلة لخروجهم مع الآباء في رحلات الصيد والسفاري التي تستمر أياما مع السائحين وزوار المدينة والتي تعد جزءا مهما من مصدر دخل الأسر هناك ومع هذا لاتستمر البنت في التعليم بعد حصولها علي الشهادة الاعدادية لأن الرجال يعتبرون خروجها من المنزل في هذه السن عيبا. وتقول الفتيات ان الأب أحيانا يقبل استمرار ابنته في التعليم ولكنه يتراجع عن ذلك نزولا علي رغبة شقيقها او ابن عمها فالشاب يرفض ان تمر شقيقته أمام رفاقه والا عيروه. ليت الأمر يقف عند هذا الحد كما تقول احداهن فلابد للفتاة من الزواج من أحد أبناء قبيلتها, ولكن للحق كما تقول أصبح للفتاة رأي في الزواج وهي غالبا تقبل لأن حياتها تظل معطلة طالما أنها غير متزوجة. فالفتاة قبل الزواج ليس من حقها الخروج من المنزل أو ممارسة أي دور في الحياة سوي رعاية شئون البيت والاسرة, كما أنها عرضة للضرب من والدها وشقيقها لأتفه الاسباب, أما بعد الزواج فليس من حق الزوج ضربها واذا ضربها واشتكت فعليه ترضيتها بمبلغ من المال بناء علي حكم المجلس العرفي, والمرأة البدوية المتزوجة يسمح لها بعد موافقة الزوج بالخروج لتسويق منتجاتها من المشغولات السيناوية من الخرز والصوف وهي المهمة التي تحيطها بعض المصاعب مثل رفض الاماكن السياحية دخولهن اليها بدعوي الاجراءات الأمنية التي تستلزم وجود أوراق رسمية تثبت هويتهن.. فهل هذه الأوراق متوفرة لدي البدويات؟ أجابت السيدات بأن لدي معظمهن بطاقات رقم قومي وبطاقات انتخابية فقد حدث تغير في المجتمع وأصبح هناك توثيق للزواج حتي للزيجات القديمة وأيضا يتم استخراج شهادات ميلاد للمواليد وبمساعدة فضية سالم- أول من التحقت بالجامعة بالمحافظة وحصلت علي ليسانس الحقوق- تم استخراج بطاقات الرقم القومي وبطاقات انتخابية للسيدات. واسم فضية لم تردده السيدات فقط بل هي النموذج والحلم لكل فتاة في المحافظة بل والرجل أيضا فهم يشيدون بدورها في المجتمع ويلجأون اليها لحل مشاكلهم لعملها بالمحاماة ولما لها من نشاط بالمجلس المحلي ورئاستها لجمعية تنمية المرأة والطفل في نويبع الاومع ذلك يرفض معظم الرجال استمرار بناتهم في التعليم ليصبحن مثل فضية وزميلتيها زينب وهيام اللتين تشاركان في العمل الأهلي, وأن كانت هي الأشهر والأقدر علي التواصل مع المسئولين, لأنها الأسبق في هذا المجال ولما لها من حضور وقدرة علي التفاوض. ولكن الي متي يظل نموذج فضية مجرد حلم صعب المنال لبنات البدو؟ ورمز لايجب تكراره من وجهة نظر الرجال؟ الاجابة علي لسان الرجال أن البداية هي استمرار البنات في التعليم بعد المرحلة الاعدادية وهو أمر يرفضه معظمهم رغم وجود مدارس ثانوية لأنهم يعتبرون خروج البنت بعد هذه السن عيبا, كما أن خروج البنت للتعلم لن يعود علي أهلها بنفع فكما يقولون: البنت خيرها لزوجها وشرها لأهلها!!. أما أغرب الآراء فكان علي لسان أحد الرجال الذي كان ينوي استمرار ابنته في التعليم لولا علمه بأن مادة التربية الجنسية سوف تدرس بالمدارس الثانوية دون ان يدرك أهمية تلك المادة في الحفاظ علي صحة ابنته وابنائها في المستقبل. وقد فتح الحديث عن الصحة المجال للتعرف علي الخدمات الصحية المقدمة للنساء, فهناك مستشفي عام في نويبع وهو علي أرقي مستوي سعته40 سريرا وبه30 طبيبا و8 ممرضات وبه غرفتا عمليات ووحدة للأطفال المبتسرين إلا أن تردد السيدات عليه محدود لأنه لاتوجد طبيبة أمراض نساء ولا حتي طبيبة واحدة بالمستشفي. وبعد التعرف علي ماسبق وغيره من مشاكل المرأة البدوية تم طرحها أمام العميد العربي الحسيني رئيس مدينة نويبع فأوضح انه بالنسبة للتعليم تغلبنا علي مشكلة بعد المدارس بتخصيص سيارة لنقل التلميذات بتكلفة جنيهين يوميا تتحملها المحافظة نظير الانتظام في الدراسة واعترف بغياب التعليم الفني وقال إن المحافظة بصدد فتح مدارس فنية, أما عن المستشفي فقال انه تم تعيين ممرضة من البدو حتي تكون أقرب لبنات مجتمعها وانه كانت هناك طبيبة مكلفة حتي فترة قريبة ونبحث تعيين بديلة لها وبالنسبة لتوثيق الاوراق الرسمية قال انه منذ عامين بدأت المحافظة مشروعا لتوثيق عقود الزواج السابقة ونحن بصدد تخصيص مأذون لمناطق نويبع ودهب وشرم الشيخ لتوثيق عقود الزواج الحديثة. من جهة أخري قال ان المجتمع السيناوي له خصوصيته بما فيها من سلبيات يتطلب علاجها مثل تعدد الزوجات وكثرة الانجاب وعدم الوعي بأهمية التعليم خاصة للبنات, وخصوصية المجتمع البدوي لابد من احترامها لأن بها الكثير من الايجابيات, أما السلبيات فنعمل علي تغييرها فهناك8 جمعيات أهلية مازال دورها محدودا إلا أن الأمل معقود علي سيدات المجتمع مثل فضية وعلي بعض مشروعات التنمية مثل مشروع تشغيل الفتيات الذي يهدف إلي تعزيز قدرات شباب البدو من أجل التنمية والتوظيف التابع لاكاديمية التنمية الدولية بجنوبسيناء بتمويل من الاتحاد الاوروبي ويقول محمد كامل حسين مدير المشروع في جنوبسيناء أن نصف المشاركين فيه من النساء, وترجع أهميته الي أن معظم أبناء المحافظة لم يحصلوا سوي علي تعليم متوسط وهو في الغالب الثانوية الازهرية وهذا لايكفي للدخول الي سوق العمل وأن الفتيات قبل الزواج ليس لهن أي دور لنقص التعليم والخبرة والعادات والتقاليد لذا يهدف المشروع الي تدريبهن علي مهارات العمل الاداري وكيفية اقامة مشروع صغير وتسويق المنتجات والتعامل مع السائحين والسعي لتوفير فرص عمل للشباب من الجنسين. ومن واقع مشاركتها في المشروع تقول نادية حسن التي تدرس الحقوق بالجامعة المفتوحة بعد حصولها علي الثانوية الازهرية وتعمل منسقة توظيف انها تذهب الي أماكن العمل وتتفاوض علي توفير فرص عمل للشباب من الجنسين. وتضيف موضحة: البنات كلهن يردن أن يتعلمن لكن الأهل عائق كبير. وتري سعيدة ابراهيم منسقة التدريب بالمشروع ان البحث عن وظائف للفتيات تحيطه الصعوبة لأنهن يحتجن الي مشغل لتطوير الحرف البدوية ومصنع للألبان لتوفير فرص عمل داخل المجتمع وأيضا الي تغيير نظرة الرجال الي خروج الفتيات للتعليم والعمل ليصبحن مثل فضية سالم.. وكانت الملاحظة أن اسم فضية يتكرر في كل لقاء حتي مع المسئولين فكان لابد من لقائها والتحدث معها فقالت ان احلامها كبيرة وتتمني خروج بنات مجتمعها للتعلم والعمل وأن يحصلن علي حقهن في الميراث وأن يتمتعن بخدمات صحية وأن يمارسن حقوقهن السياسية وغيرها من الحقوق التي تحرم منها المرأة البدوية والتي تعمل جاهدة علي تحقيقها ولكن بجهودها الذاتية دون أن يلتفت اليها أحد من خارج سيناء. كلمات فضية كانت محاطة بالمرارة لعدم ضمها للمجلس القومي للمرأة حتي تتمكن من تقديم المزيد وهو ماتعتبره تجاهلا يصيبها بالاحباط الذي تقول انه لن يثنيها عن الاستمرار في عطائها.