تحديات العرق.. فى انتظار السفير إعداد: د. هند بدارى قبل 9 أسابيع من موعد بدء انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية، وصل السفير الأمريكي الجديد في العراق "كريستوفر هيل" إلى بغداد في 24 أبريل/ نيسان 2009 ليتولى مهام منصبه، بعد أن صادق مجلس الشيوخ الأمريكي في 21 أبريل/ نيسان 2009 على تعيينه بأغلبية 73 ضد 23 صوتا - في المجلس المؤلف من 100 عضو - إثر مناقشة حادة انتقد خلالها بأنه أساء إدارة المحادثات النووية المتعددة الأطراف مع كوريا الشمالية. "مفاوض بارع ودبلوماسى محنك ومغامر عبقرى " أم " قليل الخبرة ومثير للجدل ولايتحدث العربية "بين هذه الأوصاف المتناقضة التى أثارت موجة صاخبة من الجدل فى مجلس الشيوخ الامريكى، أحاطت هالة من الغموض بملامح شخصية ومهارات كريستوفر هيل الذى اختاره الرئيس باراك أوباما سفيراً جديداً للولايات المتحدةالامريكية فى بغداد، وفجر ترشيح "هيل" لهذا المنصب مفاجأة فى محيط الرأى العام، خاصة بين المنتمين للحزب الجمهوري، لأن سنوات خبرته الدبلوماسية الطويلة كانت في أوروبا وآسيا ولم يسبق له العمل بالشرق الأوسط، وبالتالى يعتبر "هيل" وجهاً جديداً على المنطقة، وليس مختصا بشئونها ونزاعاتها بل إنه لايتحدث اللغة العربية بخلاف سلفه "ريان كروكر" المشهور بخبرته في شئون الشرق الأوسط وبلاغته في اللغة العربية. ردود أفعال .. متناقضة ووسط ردود أفعال متباينة بين تأييد الديمقراطيين ومعارضة الجمهوريين، دافع البيت الأبيض عن تعيين كريستوفر هيل مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون شرقي آسيا والمحيط الهادئ سفيراً للولايات المتحدة بالعراق حيث أكد روبرت جيبس المتحدث باسم البيت الأبيض أنه دبلوماسي خبير وصاحب تاريخ في حسم القضايا المعقدة ومواجهة التحديات الخطيرة ، التى تجلت في إدارته المفاوضات بملف كوريا الشمالية النووي مشيراً الى تفرده فى العمل داخل بيئات سياسية صعبة. "المفاوض القوي الكفؤ والفاعل" بهذه الجملة وصف هارى ريد رئيس الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ "هيل"، مما يشير الى قدرته على التوصل الى حل سياسى ودبلوماسى طويل الامد بدلاً من الحل العسكري بالعراق ، سعيا لإنهاء بعض النزاعات السياسية التى تؤرق السنة والشيعة والأكراد. وفى السياق نفسه ،أعلنت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية والمرشحة الديمقراطية السابقة للرئاسة أن الانتقادات الجمهورية له "عارية عن الاساس" لأن "هيل" اضطلع بواجباته في كوريا الشمالية "باندفاع ونجاح كبيرين رغم بعض التحديات الصعبة"، وعاد "هيل" من بيونج يانج في اكتوبر/تشرين الأول 2008 م بعد حصوله على التزامات شفهية بخطة للكشف عن الاسلحة النووية ، غير أنها تخلفت بعدها عن التوقيع على التزاماتها خطيا تجاوبا مع مطالب دولية بهذا الصدد. وأشارت "كلينتون " إلى ان الدبلوماسي المخضرم جون نيجروبونتي أيضا كان سفيراً بالعراق في ادارة الرئيس السابق "بوش" رغم أنه لم يكن يتقن شئون الشرق الاوسط ولا اللغة العربية ،وبالتالى يمكن أن يستعين "هيل " بمستشارين يملكون الخبرة التي يفتقر إليها، مثلما يفعل جميع السفراء. كذلك أيد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جون كيري إختيار كريستوفر هيل سفيراً للولايات المتحدة فى العراق ، معلنا ثقته أنه سيكون الشخص المناسب ، ورغم هذا التأييد لايزال "كيرى" لديه علامات إستفهام حول "هيل" بعد لقائهما الثلاثاء الموافق 17 مارس /اذار 2009 م . جون ماكين يعترض فى حين اعترض ثلاثة من كبارالأعضاء الجمهوريين بمجلس الشيوخ هم : ( جون ماكين ، لينزى جراهام وسام براونباك ) ،مطالبين بإعادة النظر فى قرارتعيينه بحجة أنه يفتقد الخبرة اللازمة بالمنطقة ولم يعمل عن قرب مع الجيش الأمريكى فى مكافحة التمرد أوالإرهاب . بل إنتقد العضوان الجمهوريان (جون مكين وليندسي جراهام ) ترشيح هيل لهذا المنصب، لأنه ترك إرثاً "مثيراً للجدل" في المفاوضات الرامية إلى وقف البرنامج النووي لكوريا الشمالية خلال الفترة الأخيرة من إدارة الرئيس السابق "بوش" ، وأنه لم يكن صارما بما يكفي مع "بيونج يانج" ، رغم استبعاد "واشنطن" لها فى 2008 م من القائمة السوداء للإرهاب. وكان السناتور الجمهوري عن "كانساس" سام براونباك قد عبر عن شكوكه بشأن تعيين "هيل" واصفا إياه بالخيار الضعيف لانه يفتقر الى الخبرة الواسعة بشئون العالم العربي . تحديات العراق .. فى انتظار السفير ويأتي تعيين "هيل " سفيراً أمريكيا في بغداد قبيل الذكرى السادسة للغزو الأمريكى للعراق فى 21 مارس/اذار 2003 م ،واستعداد "واشنطن " لنقل مزيد من المسئوليات الى العراقيين في أعقاب الانتخابات المحلية الاخيرة ،وانخفاض العنف بالعراق. ولعل ما يزيد من صعوبة فوز "هيل" بهذا المنصب أنه يحتاج ستين صوتاً من أعضاء مجلس الشيوخ لإقرار ترشيحه في وقت لا يسيطر فيه الديمقراطيون المؤيدون إلا على 58 صوتاً من اجمالى مائة عضو بالمجلس ،ومن ثم ، فإن إعتراض الجمهوريين كفيل بتعطيل فوزه . وإذا أجاز مجلس الشيوخ تعيينه كأعلى دبلوماسي أمريكي في العراق، سيواجه عدة تحديات من أبرزها : الاشراف على ترتيبات بدء إنسحاب القوات الامريكية من العراق في أغسطس/ اب عام 2010م حتى نهاية عام 2011م تنفيذا للاتفاقية الامنية الموقعة بين العراق والولاياتالمتحدة أواخر 2008 م ، وتطبيق السياسة الامريكيةالجديدة في العراق خلال مرحلة مابعد الاحتلال والمشاركة في عمليات اعمار العراق وتحويل العلاقات بين البلدين من عسكرية الى سياسية واقتصادية وعلمية وثقافية. البوسنة على الخريطة ورغم نقص خبرة "كريستوفر هيل" بقضايا الملف العراقي إلا أن هناك مراقبين يتوقعون النجاح لهذا الدبلوماسي المتميز ، المشهور بالذكاء والبراعة والقدرة على التوصل الى إتفاقات في أصعب الازمات، إستناداً الى تجاربه وخبراته السابقة بمناطق مشابهة .. فقد أمضى "هيل" سنوات خدمته منذ تعيينه في السلك الدبلوماسي عام 1977 م خارج المنطقة العربية ، لكنه تعامل مع ملفات دول أوروبية شرقية ذات غالبية إسلامية مثل البوسنة والهرسك فضلا عن خبرته الواسعة في الشأن الأوروبي الشرقي، والآسيوي الشرقي، مما يعوض نقص الخبرة بالعالم العربى ودول الشرق الأوسط . وفيما يتعلق بموقف "هيل" من الطموحات النووية لايران ، جارة العراق ،التي تثير هواجس الولاياتالمتحدة ، فعلق قائلاً :" اختصاصي ينتهي عند الهيمالايا" .. مشيراً إلى أن ايران وكوريا الشمالية اللتين تشتبه الولاياتالمتحدة في سعيهما لامتلاك أسلحة نووية يشكلان تحديين مختلفين تماما، وأكد أن المحادثات السداسية- نجحت على الاقل -في منع كوريا الشمالية من انتاج مزيد من البلوتونيوم منذ إنطلاق المحادثات. رجل الدبلوماسية المباشرة وترتكز نظريته الدبلوماسية في التصدي للأزمات على إنتهاج طريق الدبلوماسية المباشرة من خلال الوضوح فى التعبير عن وجهات النظر حتى مع الخصوم ، فهو يرى أن الدبلوماسية هى فن الحوار مع أناس لا تعرفهم . وينتمى كريستوفر هيل ، الذى ولد عام 1952م ، إلى أسرة غرست فيه منذ نشأته مبادىء ومهارات الدبلوماسية ، فأثناء عمل والده في السلك الدبلوماسي الأمريكي، أتاح له فرصة زيارة عدة عواصم عالمية ، حتى استقرت العائلة في بلدة "ليتيل كومبتون"، بولاية رود آيلاند على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، بعد طرد الدبلوماسيين الأمريكيين، ومنهم والده، من "هاييتي" حينما كان "هيل " فى الثانية عشرة من عمره . وقد حصل على بكالوريوس فى علم الاقتصاد 1974 م ،ثم نال الماجستير من كلية الحرب البحرية عام 1994م وقد تطوع " هيل " فى شبابه ( 22عاما ) بفيالق السلام في الكاميرون، من 1974حتى 1976م ، وأثناء هذه المهمة الأفريقية تلقى أول دروس الدبلوماسية التى أهلته لإجتياز اختبار التعيين في السلك الدبلوماسي لوزارة الخارجية عام 1977م ، وكانت أولى بعثاته العمل ملحقاً اقتصادياً في السفارة الأمريكية في "سيول" عاصمة كوريا الجنوبية، بين عامي 1983 و1985م . ثم ترقى إلى مرتبة سفير أمريكي لدى مقدونيا بين عامي 1996 و1999م ، فمبعوث خاص إلى "كوسوفو" من 1998حتى 1999م حيث شارك في الفريق الأمريكي المفاوض برئاسة "ريتشارد هولبروك" ، لتوقيع إتفاق "سلام دايتون" ، لإسدال الستار على الصراع في البوسنة. وفي كتابه عن مفاوضات دايتون، وصفه "هولبروك" بأنه "عبقري لا يهاب، ومجادل رفيع المستوى". وصار بعدها سفيراً لدى بولندا من 2000 حتى 2004م ، وهى السنة التى عاد فيها إلى "سيول" برتبة سفير أيضاً، قبل أن يصبح مساعداً لوزير الخارجية لشئون شرقي آسيا والمحيط الهادئ فى 2005 م . كريستوفر يصافح شون يونج مفاوض كوريا الشمالية وفي 14 فبراير /شباط 2005م ، ترأّس "هيل" وفد بلاده إلى المحادثات السداسية بالصين ، لحل أزمة كوريا الشمالية النووية ، والتى أظهرت حنكته الدبلوماسية على مدى أكثر من ثلاثة أعوام من أجل نزع القدرات النووية لكوريا الشمالية، مقابل توطيد الغرب لعلاقاته الدبلوماسية مع هذه الدولة التي دخلت مؤخرا نادي الدول ذات القدرات العسكرية النووية ،علاوة على نجاحه فى تدعيم العلاقات الثنائية الأمريكية الصينية ، و خلال إنتقاله بين هذه البلاد أتقن عدة لغات مثل : البولندية والصربية والكرواتية والمقدونية. ويعد "هيل" مثالاً للدبلوماسي المتزن الذى يتمتع بحس الدعابة والإستعداد للمغامرة، وتقديراً لتاريخه وانتصاراته الدبلوماسية ، حصد عدة جوائز منها : جائزة الخدمة المتميزة التى منحتها له وزارة الخارجية الأمريكية لإسهاماته كعضو في الفريق المفاوض الامريكي الذى توصل الى تسوية سلمية في البوسنة والهرسك . كما نال جائزة روبرت فريزر لمفاوضات السلام عن جهوده في حل أزمة كوسوفو. وفى 2008 م ، نال جائزة "بناء الجسور" من معهد المحيط الهادىء من خلال تعزيز العلاقات الأمريكية الاسيوية لبناء جسور مستقبل افضل . وكان الرئيس الأمريكى "أوباما" قد أعلن تعيين "هيل" بمنصب السفير الامريكي لدىالعراق في 27 فبراير/شباط 2009 م.