الصورة المعلن عنها وما يصل إلى المستهلك، يختلف عندما نتحدث عن الثياب. إذ تواجه من يرغب في شراء الثياب عبر شبكة الانترنت مشكلتان أساسيتان: الأولى تكمن في اختلاف المقاسات العالمية بين منطقة وأخرى أو بلد وآخر، والثانية في أن صورة المنتج الثنائية الأبعاد التي تظهر على الموقع الالكتروني قد لا تعطي فكرة واضحة عن نوعية القماش الذي يتكون منه. وبحسب شركة ''يانكي غروب'' الاستشارية فإن المستهلكين الذين يشترون الثياب النسائية عن طريق الإنترنت يعيدون ما يقارب 40من مشترياتهم لأن اللون أو المقاس أو النوعية لا تتوافق مع توقعاتهم. وهو أمر قد ينعكس سلباً على البائع لجهة الكلفة الإضافية التي يتكبدها كما على المشتري الذي قد يقرر بعد تجربة سيئة أن يبتعد عن أي عملية شراء ملابس على الانترنت في المستقبل. دفع ذلك العديد من مراكز الأبحاث حول العالم إلى محاولة تطوير تكنولوجيات تساعد المشترين على الشبكة أكان من خلال مواقع إلكترونية أم من خلال أجهزة مسح للجسم تشكل ما يشبه المستشار للباحث عن ثوب أو بنطلون بمقاسات وموديلات محددة. وقد دخل فريق من دائرة علوم الكمبيوتر في كلية الآداب والعلوم في الجامعة الأميركية في السباق لتطوير تكنولوجيا لقياس الملابس افتراضياً في مشروع مشترك مع مختبر قفجءزةح التابع لجامعة جنيف ومتحف المهدية في تونس. وجاءت هذه الشراكة في إطار مشروع فرانكوفوني للحفاظ على الأزياء التراثية، ولا سيما تلك الموجودة في متحف المهدية. وبحسب هذا المشروع يصبح من الممكن تكوين شخص افتراضي ومتحرك على الكمبيوتر تكون مقاييسه مماثلة لمقاييس الشخص الحقيقي الذي يرغب بتجربة الملابس التراثية القديمة الموجودة في المتحف أو أي ملابس جديدة فتطبيقات المشروع وإن بدأت من منطلق التعرف على التراث إلا أنها غير محدودة به. يقول البروفسور أحمد نصري، رئيس قسم علوم الكومبيوتر ومدير الفريق اللبناني المشارك في المشروع ''إن أهمية هذا المشروع تكمن في ثلاث كلمات: الوقت والمسافة والجهد. ففي حين يمكنك أن تشتري كومبيوتر محمولاً مثلاً باستخدام الانترنت فإن شراء الثياب بهذه الطريقة ما زال صعباً. وتستدعي أي مناسبة خاصة أو حفلة ما يوم عمل كامل على الأقل للبحث عن الثياب المناسبة. وإذا أردت أن تتسوق في باريس، بافتراض أنك قادر على دفع ثمن المنتج، فإنك لا تستطيع أن تدفع مصاريف السفر... وبالتالي فإن شراء الثياب على الانترنت يختصر الوقت والمسافة والجهد''. ويهدف المشروع بحسب مديرته الرئيسية في فريق مختبرات ميرالاب. البروفسورة ناديا ماغنينات ثالمان ''إلى محاكاة الملابس بصورة افتراضية ثلاثية الأبعاد ورؤيتها تتحرك''. وتضيف ماغنينات ثالمان :'' ''أن أهمية المشروع تكمن في أننا لو كنا نتعامل مع ملابس قديمة فإن أحداً لا يمكنه أن يرتديها، وبالتالي لا نراها إلا وهي معلقة على تعليقة الثياب. ومع نظام المحاكاة الثلاثي الأبعاد الذي ننوي تطويره يمكننا أن نرى هذه الملابس على أجسام أشخاص افتراضيين وملاحظة كيفية تفاعلها مع الحركة. ويمكننا حينها أن نعيد تشكيل الديكور للحقبة التاريخية والأشخاص ورؤيتهم يرتدون الملابس كما كانوا يفعلون في الماضي، ليس بشكل جامد كما هي حال اللوحات، وإنما بشكل متحرك''. وجاء اختيار الدكتور نصري كمدير مساعد في المشروع بسبب خبرته الطويلة في التمثيل الهندسي للمسطحات على الكومبيوتر والذي يعود للعام 1982 حيث أصبح أحد الأسماء المهمة في هذا المجال. ويعمل الفريق في مختبر ''ميرالاب'' بالتعاون مع البروفسور نصري على برنامج لقياس الجسم من أجل تأمين هذه الوسيلة لأي مستخدم محتمل. عندها يقوم المستخدم بإعطاء مقاييسه واختيار ثوب ثلاثي الأبعاد فيرى نفسه مرتدياً إياه ويعرف ما إذا كان يناسبه أم لا. ويتلخص دور دائرة علوم الكمبيوتر في هذا المشروع بحسب الدكتور نصري ''في تطوير وحدة رقمية ستدمج في برنامج قياس الملابس افتراضياً؟ بوصفها المحرك الأساسي له. ومن المتوقع ان توفر الوحدة السبل للتحكم في مستوى التفاصيل في الملابس الجاهزة، وبالتالي تحسين كمية المعلومات الثلاثية الابعاد التي يمكن نقلها بين العميل ومقدم الخدمة. وبعبارة أخرى، فإن المستخدم يقوم بتحميل أقل عدد ممكن من المعلومات الثلاثية الأبعاد حول نموذج الثوب ونوع القماش فيه. ويكون دور الوحدة الرقمية الغرافيكية الذي سيطورها الفريق هو إدخال المزيد من البيانات في مواقعها الصحيحة من أجل تحسين جودة الصورة وإعطاء نظرة أكثر واقعية ونعومة للثوب''. وتصاحب هذا النوع من التطبيقات العديد من التحديات التقنية. تقول البروفسورة ناديا ماغنينات ثالمان ''التحدي الأساسي الذي يواجه الفريق هو في تحويل الثياب أوتوماتيكياً من صورة عادية ثنائية الأبعاد إلى صورة ثلاثية الأبعاد. وتضيف ''حتى الآن نحتاج في مختبر ''ميرالاب'' إلى 30 دقيقة على الأقل من العمل اليدوي من أجل القيام بهذه العملية. وهو وقت طويل جداً ما يجعل التقنية الموجودة غير ذات فائدة. والهدف من المشروع الآن هو التمكن من الوصول إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في جعل الكومبيوتر قادراً على القيام بهذا التحويل بشكل أوتوماتيكي وسريع. وهو ما لم يتوصل إليه أحد بعد''. غير أن أهم التحديات بحسب البروفسور نصري ''يفرضها واقع أن الناس لا يتقبلون أو يتعاملون مع فكرة جديدة بالسرعة الكافية ما يهدد بفشلها... وهناك مشاكل لا بد أن نتصدى لها قبل أن نطلب من المستخدمين تقبل مثل هذه الفكرة الثورية. تتمثل المشكلة الاولى في موثوقيتها. فهل يمكننا دائماً الاعتماد على موقع على شبكة الانترنت لنكون على دراية بأحدث الصيحات الموجودة في المخازن؟ هناك أفكار عديدة لمعالجة ذلك: تبسيط عملية إدخال البيانات الخاصة بالثياب من أجل تشجيع البائعين على استكمال قواعد بياناتهم أو أن تتم إضافة عملية تصميم الأزياء والخياطة بكاملها الى نظام تخزين افتراضي''. أما المشكلة الثانية بحسب نصري فهي ''في نوعية الصور الثلاثية الأبعاد وقدرة المستخدم عمليا على استخدام هذه الخدمة. إذ لا تريد أن يبقى المستخدم ينتظر لساعات تحميل نماذج الثياب وإن كانت صورها عالية الجودة''. يمكن أن يكون لهذه التكنولوجيا تأثير كبير على عمليات الشراء عبر الانترنت في المستقبل بحسب ماغنينات ثالمان ''فلهذا النوع من المشاريع أهمية كبرى بسبب الدور الذي يؤديه في عملية تجربة الملابس على الانترنت. فبعد أن تحاكي الملابس بالنسبة لأي شخص وجعله يجربها بشكل افتراضي من خلال إعطاء مقاساته على الشبكة سيرى نفسه مرتديا الثياب التي اختارها من دون أن يكون بحاجة لتجربة هذه الثياب في الواقع''. ماذا عن حقوق فريق الجامعة الأميركية في هذا المشروع عند الانتهاء منه. يقول البروفسور نصري إن هذا المشروع مشترك بين الجامعة الأميركية و''ميرالاب'' وقضايا الحقوق ستتم مناقشتها لاحقا. لكن هل لهذا المشروع أي فائدة على المستوى المحلي العربي لاسيما وأن التجارة الإلكترونية ما تزال في مراحل بدائية بالنسبة لنا. يقول نصري ''فيما يتعلق بعدد مستخدمى الانترنت المحليين لا يسعنا الا ان نأمل ان تطبق السياسات مشجعة من أجل زيادة الاستفادة من شبكة الانترنت. بشكل عام فإن أى تحرك نحو عولمة خدمة ما يفتح بابا مزدوجا: بالنسبة للمستهلكين هو يجعل الاشياء الجديدة في متناول اليد، أما بالنسبة للمنتجين، فهو يعطي فرصة لطرح أفكارهم وإبداعاتهم للعالم بأسره لمعاينتها وتجربتها. إذ لا يهم أين تكون فقط أظهر لنا ما لديك''.