مراقبة الانتخابات اللبنانية إعداد: إيمان التوني سعي فرنسي حثيث بالمنطقة، يحاول من خلاله الرئيس "نيكولا ساركوزي" تفعيل دور بلاده واستعدادة شبابها في الشرق الأوسط، من خلال جولة هي الأولى من نوعها بالمنطقة لرئيس دولة كبرى منذ بدء الهجوم الإسرائيلي العسكري على قطاع غزة في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2008. الجولة التي لم يثنيه عن القيام بها رفض إسرائيل طلب فرنسا – المنتهية رئاستها للاتحاد الأوروبي - ب"هدنة إنسانية" خلال الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الإسرائيلية "تسيبي ليفني" إلى باريس في الأول من يناير/ كانون الثاني 2009. وكانت مصر هي محطة البداية والنهاية في جولة "ساركوزي"، التي زار خلالها الضفة الغربية وإسرائيل وسوريا، حاملا معه مهمة السلام في الشرق الأوسط من خلال مبادرة مصرية فرنسية مشتركة تتضمن 3 نقاط: وقف فوري ومتبادل لإطلاق النار، وتوفير آلية دولية لضمان ومراقبة وقفه من خلال مراقبين دوليين، وفتح معابر قطاع غزة مع إسرائيل. وحرصا من فرنسا على تعزيز نفوذها في العالم العربي، وتفعيل دور أوروبا بمنطقة الشرق الأوسط، أقنع وزير الخارجية "برنار كوشنير" نظراءه بالاتحاد الأوروبي بحضور اجتماع طارئ في باريس في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2008 لبحث الأوضاع في غزة. الإليزيه يزاحم بروكسل ويعتمد "ساركوزي" على كون فرنسا صديقا للجانبين الإسرائيلي والعربي، إلا أن هذا الاعتبار لم يفلح – حتى الآن - في إيقاف العدوان الإسرائيلي وحقن الدماء المسالة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي يعيده المراقبون السياسيون إلى رغبة فرنسا في الزعامة والاستمرار في لعب ذات الدور الذي كانت تلعبه إبان رئاستها لدورة الاتحاد الأوروبي، وقيام الإليزيه ب"مزاحمة" الرئاسة التشيكية للاتحاد- الذي توجد مؤسساته في بروكسل - في أدوارها الدبلوماسية ما يضعف الأوروبيين، ويجعلهم مفاوضين غير مؤثرين أو جذابين – وفقا لما نشرته بعض الصحف الألمانية عن عدد من المحللين – ويزور الشرق الأوسط حاليا وفد أوروبي مكون من الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" ووزير خارجيته "برنار كوشنير"، ووزير خارجية التشيك "كارل شوارزينبرج" – الذي تترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي -، ووزير خارجية السويد "كارل بيلد"، بالإضافة إلى المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي "خافيير سولانا"، ومفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد "بينيتا فيريرو"، فضلا عن الجهود التي يقوم بها مبعوث اللجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط "توني بلير". ولم يتوقف الدور الفرنسي بالمنطقة عند النزاع الفلسطيني الإسرائيلي فقط، بل لعبت فرنسا ولا تزال دورا بارزا على الصعيدين السوري واللبناني. وقد اعتمد "ساركوزي" في زيارته الأخيرة لدمشق على أن تقوم بإقناع حركة "حماس" للاستجابة إلى الحوار ووقف إطلاق صواريخها على إسرائيل، نظرا لعدم وجود اتصال مباشر بين باريس و"حماس"، التي تعتبرها فرنسا والاتحاد الأوروبي "منظمة إرهابية". كما لم تنف فرنسا طموحها في أن تلعب دورا أكبر في المنطقة، ولاسيما فيما يتعلق بالمفاوضات السورية الإسرائيلية، حيث سعى "ساركوزي" من قبل إلى نقل المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل - والتي ترعاها تركيا - إلى باريس، الأمر غير المستبعد في المرحلة المقبلة، خاصة مع القبول العربي للتدخل الفرنسي. وكان الرئيس الفرنسي قد لعب دورا كبيرا لإخراج سوريا من عزلتها الدولية، عندما استقبل الرئيس السوري "بشار الأسد" في قمة تأسيس "الاتحاد من أجل المتوسط" التي عقدت في باريس في 13 يوليو/ تموز 2008، رغم المعارضة الأمريكية الشديدة، الموقف الذي بناء عليه أطلق على "ساركوزي" مهندس فك العزلة الدولية عن دمشق. مراقبة الانتخابات اللبنانية وعلى الصعيد اللبناني، وافقت فرنسا على إرسال مراقبين للانتخابات التشريعية المقبلة في لبنان - استجابة لطلب رئيس كتلة المستقبل النيابية "سعد الحريري"- والمقرر إجراؤها في 7 من يونيو/حزيران 2009. وستكون هذه المرة الأولى منذ الحرب الأهلية - من 1975 إلى 1990 - التي يجري فيها لبنان الانتخابات البرلمانية في يوم واحد. وفي تصريحات صحفية، أكد "نيكولا ساركوزي" أهمية إجراء الانتخابات النيابية بأكبر شفافية ممكنة وفي جو ديمقراطي بعيدا عن أي عنف. ووصف هذه المرحلة بأنها ستكون "الحاسمة" في عملية المصالحة اللبنانية، معربا عن استعداد بلاده لتقديم المساعدة في تلك الانتخابات. وقال إن "فرنسا مستعدة كما فعلت العام 2005، وفي حال أرادت السلطات اللبنانية ذلك أن تقدم مساهمتها لضمان حسن إجراء الانتخابات إلى جانب شركائها في الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي". كما رحب الرئيس الفرنسي بما وصفه "التقدم" بين سوريا ولبنان، معتبرا أن هذه الخطوة تشكل "مرحلة تاريخية لا رجعة فيها في عملية التطبيع" بين البلدين، مشيرا إلى متابعته تحقيق الالتزامات التي تعهد بها الرئيسان اللبناني "ميشال سليمان" والسوري "بشار الأسد" خلال القمة التي جمعتهما، خاصة مسألة ترسيم الحدود وتسوية مسألة المفقودين. يذكر أن لفرنسا جنودا منتشرين في جنوب لبنان في إطار قرار الأممالمتحدة رقم "1701" وفي إطار قوة "اليونيفيل". كما قدمت باريس دعما ماديا ولوجيستيا للجيش اللبناني منذ حرب يوليو/ تموز، ومن المقرر أن تسلمه أسلحة وزورقا فرنسيا للبحرية خلال النصف الأول من عام 2009. وفي النهاية يبقى هذا السعي الفرنسي رهنا بما ستحققه باريس على أرض الواقع من تقدم ملموس تجاه أي من قضايا الشرق الأوسط.