في صبيحة يوم الاحد الماضي2008/2/17 اعلن برلمان اقليم كوسوفا من طرف واحد قراره بإعلان دولة كوسوفا المستقلة عن الصرب, وعلي الفور أعلن العديد من دول الغرب والولاياتالمتحدةالامريكية ترحيبها بهذا القرار ودعمها لاقامة دولة كوسوفا التي يشكل المسلمون من أصل الباني ما نسبته93% من عدد السكان البالغ عددهم نحو مليونين ونصف المليون نسمة. وكان إقليم كوسوفا يعرف في الحقبة العثمانية باسم قوصوه وكان جزءا من البانيا قبل أن يلحق بصربيا ودولة يوجوسلافيا وكان رئيسها جوزيف بروزتيتو, صديق مصر الكبير, قد منح اقليم كوسوفا ميزة الحكم الذاتي في اطار دولة يوجوسلافيا. ولكن ما أن بدأ تفكيك يوجوسلافيا حتي بادر الزعيم الصربي ميلوسيفتش بالغاء الحكم الذاتي لكوسوفا عام1989, فردت الاغلبية المسلمة في كوسوفا بتنظيم استفتاء عام في1991 اسفر عن تأييد99% من المشاركين فيه لاستقلال كوسوفا, وبرزت في هذه المرحلة زعامة ابراهيم روجوفا الذي دعا شعبه لتحقيق حلمهم بالاستقلال بالطرق السلمية والدبلوماسية. ومع ذلك خاضت بعض المجموعات المسلمة تحت اسم جيش تحرير كوسوفا تجربة محدودة في عام1999/98 لشن حرب عصابات ضد الجيش الصربي, ونظرا للتفاوت الواسع جدا في موازين القوي تعرضت كوسوفا لحملات إبادة وتطهير عرقي شديدة القسوة والوحشية, ممادفع حلف الناتو أخيرا للتدخل عسكريا هناك واستصدار القرار رقم1244 من مجلس الأمن في يونيو1999, الذي أقام ادارة مدينة تابعة للامم المتحدة ومهمتها المحددة هي تهيئة اقليم كوسوفا للدخول في مفاوضات حول الوضع النهائي لهذا الاقليم الذي لاتزيد مساحته علي11 ألف كيلو متر مربع ولا توجد له اي منافذ بحرية. ووفقا لهذا النوع الخاص من نظام التدويل الوصاية قرر مجلس الامن تكوين سلطة كوسوفية محلية محدودة الصلاحيات يكون من مهامها بناء المؤسسات الديمقراطية بمشاركة الاقليات المسيحية الصربية في الاقليم, وحددت الاممالمتحدة ثمانية معايير دولية يجب تطبيقها قبل بدء المفاوضات حول الوضع النهائي للاقليم التي كان مقررا لها أن تبدأ في الثلث الأخير من2005, في موعد مشابه تقريبا لما كان مقررا بالنسبة لمفاوضات الوضع النهائي في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي طبقا لخريطة الطريق. ولكن وبتأخير لم يتجاوز السنوات الثلاث أمكن أخيرا إعلان قيام دولة كوسوفا المستقلة بعد أن ضمن الكوسوفيون دعم وتأييد الولاياتالمتحدة والقسم الاكبر من دول الغرب وأوروبا, وأيا كانت النتائج التي ستسفر عنها معارضة الصرب وروسيا لاعلان قيام دولة كوسوفا المستقلة, فقد نكون نحن أكثر المعنيين بدراسة هذه التجربة في ظل الاقرار بخصوصية الوضعين الفلسطيني والاسرائيلي. اذا بعد أقل من ثلاثة أشهر, سوف تحتفل اسرائيل في2008/5/14 بمرور60 عاما علي اعلان اقامة هذه الدولة. التي اقيمت بالاساس استنادا الي الدعم الدولي لها سواء من بريطانيا في مرحلة الانتداب من1920 حتي بداية عام1947, أو من كل من الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي والدول الاخري الدائرة في فلكيهما والتي صوتت في1947/11/19 لصالح القرار181 الداعي الي تقسيم فلسطين واقامة دولتين, يهودية وعربية يربطهما اتحاد اقتصادي. لم يكن هذا الدعم الدولي هو وحده الاساس في اقامة دولة اسرائيل قبل60 عاما, كان هناك الي جانبه عاملان آخران علي قدر كبير من الاهمية وهما : إدراك قيادة الحركة الصهيونية لأهمية التدويل والعامل الدولي, واختيارها للحلفاء الدوليين في كل مرحلة. بينما تمثل العامل الثاني في سعي الحركة الصهيونية لبناء الحد الأدني اللازم من الأسس والمؤسسات المؤهلة للدولة وبهذا فقط اكتملت شروط اغتصاب القسم الأكبر من فلسطين واعلن عن اقامة دولة اسرائيل فيما يتعطل حتي الآن استحقاق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ان ما يطرحه علينا اليوم إعلان اقامة دولة كوسوفا المستقلة هو أن نجرب, ولو مرة واحدة, كسر الدوران في الحلقة المفرغة للخيارات التي جري اعتمادها ولم تسفر حتي الآن عما نرجوه ونستحقه من نتائج رغم توافر عدد غير قليل من الشروط الموضوعية لانجاز هذه المهمة التاريخية المتمثلة في اقامة أول دولة فلسطينية مستقلة. ففي ظل الأزمة التي تمسك بخناق كل من خيار المفاوضات علي طريقة أبو مازن وخيار المقاومة علي طريقة حماس فقد يكون من الضروري عدم التحرج من بحث الخيارات الاستراتيجية الأخري التي طال السكوت عنها أو إهمالها. لأنه ليس من السياسة في شيء أن ننعي للشعب الفلسطيني كل صباح خيار المفاوضات ومشروع الدولتين من دون أن نفتح له الأفق أمام الخيارات الأخري البديلة سواء خيار الدولة الديمقراطية الواحدة للشعبين, أو خيار الدولة الفيدرالية ثنائية القومية. مع ضرورة شرح وتوضيح الشروط الواجبة لكل منهما. كما أنه ليس من العدل أو الانصاف الاصرار علي دفع الفلسطينيين لخيار النحر أو الانتحار بدعوي التمسك بخيار المقاومة المسلحة في ظل الشروط المأزومة لهذا الخيار, والتي أسفرت عن تراجع وتدهور مضطرد في كمية ونوعية عمليات هذه المقاومة ومحدودية خسائر الجانب الاسرائيلي التي وصلت إلي أدني مستوي لها العام الماضي مقارنة بالسنوات السبع الماضية. إن أحدا لا يدعو هنا إلي إلغاء أي من خيار المقاومة أو المفاوضات, لكن ذلك يدعونا بالضرورة للتفكير بموضوعية سياسية في خيار التدويل والمبادرة لتوفير كل ما يلزم من مقومات لإنجاح هذا الخيار. إذ يبدو اننا لانزال نتعامل حتي الآن مع خيار التدويل بعقلية لا تقربوا الصلاة. كان مجلس الجامعة العربية اتخذ قرارا في2006/7/15 بإعادة القضية الفلسطينية برمتها لمجلس الأمن الدولي, ثم جري اختزال هذا القرار في بيان يتيم القاه ممثل قطر في مجلس الأمن باسم الجامعة. وكان الرئيس الراحل أبو عمار هو من اعلن لمرة واحدة في عام1988 عن تأييده لخيار التدويل كما حصل في نموذج ناميبيا, لكن تراجع عن ذلك باعتماده خيارات أخري التبست فيها المقاومة مع المفاوضات. وفي عام1989 أعلن عرفات في المجلس الوطني عن اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة, وبعد الاعلان, وليس قبله, بدأ في البحث عن اعتراف وتأييد دولي لهذا الاعلان ولهذا بقي الاعلان ولم تقم الدولة المستقلة. وكان خلفه أبومازن قد رحب علنا باعلان الرئيس الفرنسي ساركوزي الداعي الي تشكيل قوة دولية, ولكن من دون أن يضع مهمات هذه القوة في اطار مشروع سياسي متكامل. ومن المؤشرات الأخري المهمة الاعلان الذي كان أصدره وزراء خارجية11 دولة أوروبية بالاستعداد لتشكيل قوة دولية تعمل في اطار مشروع سياسي لتسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي اذا وافق الطرفان علي ذلك. وكان رئيس الحكومة الاسرائيلية أولمرت قال في2007/11/29 دولتان أو ابرتهايد أو لا تكون إسرائيل, لكنه تفلت بعد ذلك من السقف الزمني المحدد بنهاية2008 لإعلان اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة, ولا يوجد, ربما سوي أبومازن وأبو علاء, من يأمل في التوصل إلي اتفاق مع اسرائيل بنهاية هذه المهلة الزمنية المحددة, كان رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض قد أعلن في تكساس قبل أسبوعين عن عدم امتناعه بامكانية التوصل إلي اتفاق بنهاية2008. ان هذا المشهد المعقد يؤكد من جديد الحاجة إلي الارتقاء لمستوي المأساة المتواصلة للشعب الفلسطيني, وضرورة البحث عن خيارات استراتيجية بديلة لتجاوز الخيارات الحالية المأزومة ولنبدأ هذه المهمة من دراسة ما تطرحه علينا التجربة الأخيرة لاعلان استقلال كوسوفا بعد أقل من عشر سنوات علي اعتماد خيار التدويل في مقابل استمرار تعطيل واعاقة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة علي الأقل منذ ستين عاما وحتي الآن.