الأهرام: 24/02/08 في كل يوم يظهر دليل علي قوة تأثير اللوبي اليهودي في أوروبا, ودليل جديد علي أن العالم العربي والإسلامي لن يغير أسلوبه في المواجهة بالمظاهرات وتقديم الاحتجاجات والتباري في الإدانة والشجب, دون أن يتعامل مع المسألة بأسلوب يتناسب مع العصر. منذ أيام قرر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تدريس أحداث المحرقة النازية لليهود بتعمق في المدارس الفرنسية, وقال إن هدف القرار القضاء علي المشاعر المعادية للسامية في المجتمع الفرنسي ابتداء من الطفولة, وكان تعليق بعض المحللين الفرنسيين أنه أراد بهذا القرار استرضاء اللوبي اليهودي في فرنسا قبل الانتخابات النيابية التي ستجري بعد أيام, والقانون الفرنسي يعتبر العداء للسامية جريمة جنائية عقوبتها السجن ولم ينج من المحاكمة وفقا لهذا القانون مفكر عالمي كبير بحجم الفيلسوف الفرنسي جارودي لمجرد أنه شكك في أن ضحايا المحرقة ستة ملايين يهودي, دون أن يشكك في المحرقة ذاتها, ومع ذلك تعرض جارودي لإهانات وحكم بالسجن ولم تنقذه إلا المحكمة الأوروبية. والرئيس ساركوزي يحاول أن يظهر بسياسة متوازنة بين العرب وإسرائيل, كما كان يفعل الرؤساء السابقون, ولكنه لا يستطيع أن يتخلص من أصوله اليهودية فيما يبدو, أو من وعوده التي اعطاها للوبي اليهودي في أثناء حملته الانتخابية, كما أن سياسته الجديدة بالتقارب مع سياسة الولاياتالمتحدة وإنهاء مرحلة استقلال القرار الفرنسي, تدفعه الي الاقتراب أكثر من المواقف الأمريكية في قضايا الشرق الأوسط وقد تجلي ذلك في أثناء زيارته لإسرائيل. ويبدو أن اللوبي اليهودي وجد في وصول ساركوزي الي الحكم فرصة لدفع فرنسا الي التخلي عن مواقفها التقليدية بالتعاطف مع الحقوق العربية, وفي هذا الإطار تبدو التصريحات التي أدلي بها ساركوزي في إسرائيل واعتباره بأنها معجزة القرن العشرين, وقراره بإدخال موضوع المحرقة بالتفصيل في مناهج الدراسة مما يستحق الانتباه من الجانب العربي, ولدي العرب أوراق منها رصيد الصداقة العربية الفرنسية من ناحية, ووجود جالية عربية كبيرة في فرنسا, ومنها شبكة المصالح الاقتصادية الفرنسية العربية, ووجود معهد العالم العربي في فرنسا الذي يقوم بدور مؤثر بفضل عناصر عربية ذات كفاءة وثقافة عالية تعيش في فرنسا ولها مكانتها في المجتمع الفرنسي, والمشكلة أن الجهود العربية في عمومها ينقصها التنسيق ولا تعمل بشكل منظم وفقا لاستراتيجية محددة, وهذا هو الفرق الكبير بينها وبين الوجود اليهودي الذي أصبح ممثلا في مراكز قوي وجماعات ضغط تشارك بصورة أو بأخري في السلطة ولها تأثيرها علي أجهزة صنع القرار, بالاضافة الي تغلغلها في التنظيمات الماسونية التي تلعب دورا مهما في الحياة السياسية والاجتماعية وهذه تحتاج الي وقفة خاصة لأهميتها وتأثيرها علي المواقف الأوروبية عموما من قضايا الشرق الأوسط, والمفروض أن يكون للعرب وجود دائم ومؤثر في أوروبا وهي مرشحة لأن تلعب دورا مهما في السياسة الدولية وفي أزمة الصراع العربي الإسرائيلي, وفرنسا في القلب من أوروبا, وهي قوة اقتصادية وسياسية وحضارية يحتاج العرب إلي توثيق علاقتهم بها أكثر وأكثر لأنها الأقرب إلي العرب جغرافيا وثقافيا. ويري البعض الفصل بين اللوبي اليهودي واللوبي الإسرائيلي في فرنسا, ويستشهدون علي ذلك بأن كبار رجال الأعمال والصناعة الفرنسيين من اليهود يتعاملون مع العالم العربي بمليارات الدولارات من منطلق المصلحة الاقتصادية وحدها, أما اللوبي الإسرائيلي فهو موجود في مواقف شخصيات سياسية وحزبية مؤثرة وفي الصحافة والحكومة وهذا ما يجعل هؤلاء يفسرون كيف ينشط الدور الفرنسي في عملية السلام في الشرق الأوسط في فترة من الفترات ومطالبتها بتطوير علاقة الاتحاد الأوروبي بالشرق الأوسط والقيام بدور أكثر فاعلية وحيادية في عملية السلام, وتراجع هذا الدور في أحيان أخري, ومع ذلك فإن فرنسا لاتزال الدولة الأوروبية الصديقة للعرب ولاتزال مبادئها حية في الضمير العام وفي السياسة والثقافة, وتستطيع أن تدافع عن عدالة الحق العربي المفقود حتي في ظل قيادة ساركوزي إذا ما أحسن العرب التعامل معها ومع أوروبا كلها كجبهة واحدة وصوت واحد ومصلحة واحدة وقضية واحدة.. وحين يحدث ذلك سوف تتغير أمور كثيرة. المزيد فى أقلام وآراء