في عام 1945 ، بعد التدمير الذري للمدينتين اليابانيتين ، نجازاكى و هيروشيما، حذر روبرت اوبنهايمر ( ابو القنبلة الذرية الامريكية ) من خطر انتشار الاسلحة النووية ، و اشار فى كلمة امام زملائه على مشروع مانهاتن في لوس ألاموس في نيو مكسيكو " بان هذا ليكون صعبا .. و سيكون الانتشار عالميا إذا كان الناس يرغبون في جعل القنابل الذرية عالمية." اذا كان هذا الشعور قد ولد حيث ولدت القنبلة الذرية الامريكية ، فانه فى الحقيقة جزء من نظرية " حتمية التكنولوجيا " التى تقوم على ان اسس الفيزياء و قوانينها عالمية .. و انها مسائلة وقت قبل اى شىء اخر ، لتجد عقول اخرى مستنيرة و امم تنضم الى النادى النووى .. و يصبح من الصعب وقف انتشار هذه الاسلحة . و منذ تحذير اوبنهايمر قبل نحو سته عقود ، اصبح النادى النووى يضم تسعة اعضاء فقط .. ما الذى يفسر بطء نموه و هل هناك فرصة لفرض مزيد من القيود ، و هل يمكن ان يكون المستقبل الذرى اكثر اشراقا مما توقعه اوبنهايمر؟ هذه الاسئلة و الاجابة عنها كانت محور كتابين صدرا حديثا بالولاياتالمتحدة لثلاثة من الكتاب كان من المطلعين على الاسرار الذرية و يحدهوهم الامل ازاء المستقبل النووى .. الكتاب الثلاث كشفوا مزيد من الاسرار الخفيفة و وحددوا سبل التقليل من الخطر و التهيد النووى . و الغريب ان اى من الكتابين الصادرين لم يؤيد وجهه نظر ابونهايمر .. فهما يرون صعوبة الحصول على الاسلحة النووية و يرونه امرا صعبا و ان عولوا كثيرا على قدرة الجواسيس و رغبه السياسيين فى الكشف عن الاسرار الكتاب الاول و ياتى تحت عنوان " “The Nuclear Express: A Political History of the Bomb and its Proliferation” القطار النووى : التاريخ السياسى للقنبلة و انتشارها ، لكلا من Thomas C. Reed "توماس ريد" احد الخبراء فى مختبر ليفرمور للاسلحة في كاليفورنيا والأمين السابق للقوات الجوية ، Danny B. Stillman و "دانى ستيل مان" المدير السابق للمخابرات في لوس ألاموس و يعرض الكتاب لتاريخ القنبلة الذرية منذ اكتشافها عام 1938 الى الان ، فيقول الكاتبان انه منذ بداية العصر النووى ، لا توجد امة انتجت سلاح نووى بنفسها – على الرغم من الادعاءات بذلك – و يضربون مثلا على ذلك بان المساعدات الخفية من فرنسا و الصين ساهمت فى انضمام دول اخرى الى النادى النووى . . بل ان الكثير من العلماء بصرف النظر عن انتمائهم او جنسيتهم ساهموا ايضا فى ذلك .. ضاربين المثل بالعالم Isidor I. Rabi " ايزادور رابى " الحائز على جائزة نوبل و كان يعمل ضمن طاقم مشروع مانهاتن الذرى فى الولاياتالمتحدة ابان الحرب العالمية الثانية ، سنجده فى وقت لاحق ضمن مجلس المحافظين لمعهد " وايزمان " الاسرائيلى للعلوم ، مسقط راس القنبلة الذرية لدى اسرائيل . و يكشف ايضا الكتاب .. بان العاون بين الدول النووية و الدول الطامحة لذلك وصل الى اماكن اجراء التجارب النووية مثل الصين التى فتحت صحرائها الى باكستان لاجراء اول تجاربها النووية فى في 26 ايار / مايو ، 1990. و يقول الكاتبان ان الكشف عن هذا الامر ، من شانه اعادة كتابة التاريخ النووى لباككتاب الشكر للستان و يكشف عن فترة حكم بناظير بوتو و كيف ان باكستان كانت قادرة على الاستجابة بسرعة في أيار / مايو 1998 عندما أجرت الهند خمس تجارب نووية " فلم يستغرق الامر من الباكستانيين سوى أسبوعين فقط وثلاثة أيام لتجهيز و اطلاق قنبلة نووية خاصة بهم ،" و يتضح من الكتاب و محتواه ان الكاتبين عرضا مادتهم بناء على خبرة بالمجال النووى و لصلاتهم بعالم المخابرات حيث وجهه الكاتبان فى مقدمة القيادات الامريكية ابان الحرب الباردة و كذلك لاثنين من رؤساء المخابرات المركزية الامريكية على الدعم و المعلومات التى امدا بها الكتاب . المؤرخ الذرى Robert S. Norris" روبرت نوريس " صاحب كتاب “Racing for the Bomb,” " التسابق من اجل القنبلة " اثنى على الكتاب مؤكدا اهميته فى الكشف عن اسرار تقاسم الاسرار و المعرفة النووية سواء مع الاصدقاء او الاعداء .. فجميع الطرق تفترق من الولاياتالمتحدة سواء بطريق مباشر او غير مباشر .. و البداية كانت فى روسيا حيث نجح Klaus Fuchs كلاوس فوتش احد الجواسيس السوفيت فى اختراق مشروع فكانت أول قنبلة ذرية روسية نسخة طبق الأصل للقنبلة الذرية الامريكية التى أسقطت على ناجازاكي. و موسكو بطيب خاطر تقاسمت المعرفة مع صديقها Mao Zedong ماو زى دونج زعيم الصين ، و يذكر الكتاب ان فوتش " الجاسوس السوفيتى " الذى القى القبض عليه و سجن ، عنما تحرر عام 1959 نقل للصينين اسرار مانهاتن و خلال خمس سنوات فاجئت الصين العالم بانضمامها للنادى النووى . و يشرح الكتاب ان الصين بدورها عام 1982 وضعت سياسة تقضى بمد دول العالم الثالث بالمعرفة النووية وكان اول من وقع عليهم الاختيار " الجزائر – باكستان – كوريا الشمالية " ، و ان الصين انتجت قنبله ذات تصميم يسمح بتصديرها “export design” و تتميز بسهولة انتاجها ، و سرعان ما انتقل التصميم الى ليبيا ثم ايران التى انكرت ذلك فيما بعد . و يؤكد الكتاب ان الصحراء الجزائرية تضم الان مفاعلا نوويا من بناء الصين اصبح الان قادرا على انتاج كميات من البلوتونيوم كافية لانتاج القنبلة و يقم على حراسنه صواريخ مضادة للطائرات . . و قد كانت المساعدات الصينية لباكستان وراء ظهور عالم مثل عبد القدير خان الذى تحول الى تاجر يتاجر بالمعدات النووية الباكستانية فى السوق السوداء . و يتسائل الكاتبان عن غرض الصين من تقديم التكنولوجيا و المعرفة النووية طوعا و مجانا .. يرون انها تشخذ القوة ضد اعدائها مثلمافى حالة " الهند و باكستان " كما يريا ان الصين قد تعمل على نشر الحروب و الارهاب فى اراض اجنبية بعيدة عنها و تنتظر الى ان يتحقق لها مرادها و تصبح " اخر القوة الباقية " و ينتقل الكاتبان من الصين الى فرنسا و دورها فى نقل المعرفة النووية .. فيقولا " ان فرنسا بنت قنبلتها الذرية على اساس مشروع مانهاتن ثم نقلت تلك المعرفة الى اسرائيل التى كانت تربطها بها علاقات تجارية وثيقة ، و بحلول عام 1959 كان هناك عشرات العلماء و الخبراء الاسرائيليين يتدربون و يراقبون البرنامج الفرنسى النووى ، و فى عام 1960 حين فجرت فرنسا اول قنبلة ذرية و ذلك بالصحراء الجزائرية اصبحت فرنسا و اسرائيل دولتين نوويتين " و يشرح الكاتبان كيف ان الولاياتالمتحدة غضت الطرف عن اسرائيل و برنامجها النووى .. مشيرين انه فى خريف عام 1966 اجرت اسرائيل اول تجاربها غير النووية تحت عمق 2600 قدم بصحراء النقب، فى العام التالى اصبح لديها القنبلة النووية دون الاعلان رسميا عن ذلك " اما اسرائيل فبدورها ، تقاسمت المعرفة مع جنوب افريقيا ، و تبادلت الخبرات بين البلدين ، ويكشف الكتاب ان البلدين تبادلا بعض المكونات الأساسية لصنع قنابل ذرية : التريتيوم الى جنوب افريقيا ، اليورانيوم لاسرائيل. و فى عام 1979 قامت اسرائيل وجنوب افريقيا بالاشتراك فى تفجير قنبلة نووية جنوبى المحيط الأطلسي بالقرب من جزيرة الأمير إدوارد ، وأكثر من ألف كلم الى الجنوب من كيب تاون. حيث كانت اسرائيل في حاجة الى موقع اختبار لتطوير قنبلة نيوترونية. و يشير الكاتبان ان جنوب افريقيا قد وضعت خططها لاستهاف " لواندا " -عاصمة جارتها " انجولا" - نوويا فى حالة فشل مباحثات السلام معها ، و فى 1990 قامت جنوب افريقيا بتفكيك برنامجها النووى ( ستة اسلحة نووية ) الا انها ابقت على الخبرات لديها ، ويرى الكاتبان ان المرتزقة التقينين فى جنوب افريقيا قد يكونوا اعظم خطرا من علماء الذرة السوفيت العاطلين . الكتاب الثانى هو “The Bomb: A New History,” القنبلة ، تاريخ حديث " المقرر ان يصدر يناير المقبل من المجلس الأوروبي لمنظمات المجندين ، للكاتب Stephen M. Younger ستيفن يونجر ، الرئيس الاسبق لمعهد الأسلحة النووية في لوس ألاموس والمدير السابق لوكالة الدفاع لخفض التهديد في وزارة الدفاع الامريكية . و يتناول فيه تاريخ القنبلة و الاسلحة النووية و كيف انتشرت و ضرورة وضع مزيد من القيود للحد من انتشارها اكثر . و فيه يستسخف بما يسميه الخرافات التى تشير إلى أن "جميع أسرار الأسلحة النووية وتصميماتها متاحة على شبكة الإنترنت." و يضرب مثال على فرنسا ، على الرغم من المساعدات السرية التى قدمتها للاخرين ، فانها تكافح من اجل سرية هذه المعلومات وانه يطالب بالشك فى التأكيدات الخاصة بان المعلومات اللازمة لصنع سلاح نووي هي متاحة بحرية". و من تصفح الكتابين يؤكد مضمونهما على ان السياسية و ليس الجواسيس او الطموح العسكرى هما السبب فى نشر البرامج النووية ، و ان السياسيين الذين اعتمدوا هذا الاجراء وجدوا مصلحة جغرافية او سياسية ستتحق بذلك و يؤكد كلا من ريد و ستيلزمان ان الصين مازالت هى الخطر الاكبر فى هذا المجال ، فهى تشكل تهديدا كبيرا و يعولون على الاجيال الجديدة فى الصين و تغير نظرتهم "يجب علينا مواصلة تقديم الدعم لحقوق الإنسان داخل المجتمع الصيني ، ليس فقط باعتبارها من الصادرات الأمريكية ، ولكن لأنه هو حلم اعادة ولادة ميدان السلام السماوي." و يشير الكاتبان الى أهمية سياسية والعصي والجزر لوقف وربما عكس مسار انتشار الأسلحة النووية كما فى حالة ايران ، و اذا نظرنا الى "السويد ، سويسرا ، البرازيل والأرجنتين ، نجدها تعاملت مع جميع البرامج النووية ، وقررت التخلي عن كل منهم ،" ويلاحظ. "إن الانتشار النووي ليس أحادي الاتجاه -- في ضوء الظروف الملائمة والحوافز ، فمن الممكن لأمة على التخلي عن طموحاتها النووية."و على الجميع الانتباه و اخذ الحذر و الحيطة حتى لا يشهد العالم " انقلاب عربات القطار النووى " و الذى سيكون الاعنف فى التاريخ البشرى .