يقع أحد مقاهي بيروت قرب إحدى الجامعات في منطقة الطيّونة، وقلما يدخل بابه ضيوفٌ طارئون، فالغالبية من طلاب الجامعة القريبة أو من أصدقائهم. هناك، يلتقط البصر بسهولة عدداً من الفتيات المحجبات اللواتي يجاهرن برفقتهن للحبيب ومعانقته. لكنهن لا يقبلن الحديث إن فتح حول هذا الموضوع. قليلات لم يكنَّ بصحبة الحبيب، يتكلمن. استأذنت الحديث مع فاتن. انسحبت بصعوبة من جلسة تضم زمرة من الأصدقاء والصديقات. بعد أخذ ورد، صارحتني بعلاقة حب تربطها بشاب منذ سنتين وهو »رقم 2« في حياتها العاطفية. لم تنفِ أن هاتين العلاقتين تخللتهما الملامسات والقبلات. في علاقتها الأولى، لم تكن تمتنع عن الحب أمام الناس، »كنت في الخامسة عشرة من عمري، لم يكن لدي وعي بتقاليدنا، كما لم يكن بإمكاننا الاختلاء في مكان وحدنا«. أما الآن ففاتن تتحاشى »الحب« أمام الناس: »ليس لأنني محجبة، بل لأن المجتمع لا يتقبل ذلك من المحجبة ومن غيرها«. هل تختليان سوية؟ تجيب: »نحن متل كل اتنين بيحبو بعض، منحب نختلي مع بعضنا«. وعن التوفيق بين ارتدائها الحجاب وسماحها بالملامسات، تجيب: »الحب شي، والحلال والحرام شي تاني«. كيف؟ »الحب إحساس داخلي لا نستطيع أن نتجاهله، وهذه مشاعر لا يمكن أن نضبطها لفترة طويلة، كما أن الاتصال الجسدي مع الحبيب يزيد من الحب، حتى لو مسكة إيد، اللمسات تقربنا من بعضنا أكثر«. وتتابع: »كل ما أفكر فيه هو أني أحبه ومبسوطة معه والآن لا نستطيع الزواج، وأنه بعد فترة سيصبح زوجي وأنا مقتنعة بأن هذا الشاب حلالي«. وتضيف: »كما أني لا أريده أن يلجأ إلى فتاة غيري ليلبي حاجته«. خصوصية الجسد فاتن فتاة في العشرين من عمرها اليوم. ترتدي الحجاب »المموّض«، ولا تعقّد الأمور كثيراً، بحسب قولها. ها هي تجلس في مقهى وسط أصدقائها وصديقاتها، ولا تعتبر أن الحجاب يُلزمها بكافة تعاليم الدين، بل هي التزمت بجزء منها، الجزء الذي اقتنعت به. وتشدد فاتن على أن: »علاقتي بحبيبي لا تنفي عفّتي، ولا تتعارض مع حجابي، فهناك شيء عام وشيء خاص: لا أكشف جسدي للعموم، لكن حبيبي هو لي، فهو خاص، يحفظ خصوصية جسدي... هو ليس كالجميع«. في ارتدائها الحجاب، تجمع فاتن بين التدين والموضة، في مقابل سارة التي ترتدي ما يسمى بالثوب الشرعي، والتي تبدو أكثر دقةً والتزاماً، ومع ذلك، تعتبر أيضاً أن الحجاب لا يعني الالتزام بتعاليم الدين كافة. اللمسات من فوق القماش استأذنت الحديث مع سارة، مقاطعة إياها عن لعب الورق مع زمرة من الأصدقاء والصديقات المجتمعين حول طاولة مستديرة في المقهى. ولسارة سيرة عاطفية مشوقة، فهي خَبِرَتْ ثلاث علاقات، تصنفها: »علاقتا حب وعلاقة زواج«. وتتابع: »في علاقتي الأولى كنت لا أزال في الثالثة عشرة من عمري واستمرت لأربع سنوات، وكنت محجبة من دون تعمق في أسس الدين، لذلك كانت الملامسات والقبلات كثيرة من دون أن أهتم لكوني محجبة، ولم أكن أخجل القيام بذلك أمام الناس«. سارة فتاة جميلة، ترتدي لباساً شرعياً لكنه زهري اللون، ما يدل على التزامها الديني من دون الانتماء إلى حزب ديني يفرض عليها ألواناً محددة وتصرفات معينة أمام الناس للحفاظ على صورة واحدة لجميع الأعضاء المنتسبات إليه. إلا أن الثوب الشرعي بحد ذاته يدل على نية الالتزام الكامل بالدين وبحدود الاحتشام: »علاقتي الثانية بدأت عندما بلغت الثامنة عشرة، وكنت قد تعمقت في الدين أكثر والتزمت بالرداء الشرعي، فأصبح التعبير الجسدي في الحب يقتصر على بعض الملامسات البريئة، شرط أن تكون من فوق ردائي، كأن يضمني إليه لبعض الوقت، أو يقبلني في كتفي«، معللة ذلك بأن: »لمس اللحم هو عامل إثارة، لذلك لا أسمح له بأن يمسك حتى بيدي، بينما اللمس فوق القماش هو مانع للإثارة، بل هو دليل احترام وإجلال«. أنهت سارة علاقتها بالشاب »رقم 2« منذ أشهر قليلة، إثر تقدّم عريس لخطبتها، وهي تصر على ألا يحصل بينها وبين الثالث أي ملامسات قبل عقد القران. باب العقد المؤقت تشير زينب إلى مشكلة يخلقها مظهر الفتاة المحجبة المنفلتة من القيود المجتمعية، قائلة: »التصرّفات السريعة غير المسؤولة، تفتح باب الجرأة لدى الشباب كي يتحرّشوا بالبنات المحجبات. وباتت فكرة أن الفتاة المحجبة تقبل سريعاً بالعقد المؤقت شائعة، كونها تملك ثقافة حوله وترتضيه كحل مشرّع إسلامياً. فقد ظن البعض أن المحجبة صيدٌ سهلٌ للشباب«. واستفاضت في الشرح عن الحيلة التي يستخدمها الشاب في سبيل الحصول على الفتاة: »في البداية، يقترح على الفتاة التي يتودد إليها العقد المؤقت فقط ليمسك يدها، ثم يقنعها بأن تفعل أشياء أخرى ما دام الأمر حلالاً«. لم تقر أي من الفتيات اللواتي حاورتهن »السفير« بوجود علاقة جنسية، بل اكتفين بالحديث عن بعض الملامسات والقبلات، من دون أن ينفين أن بعض الفتيات يقمن علاقة كاملة، ومن دون الوقوف عند فواصل اجتماعية ودينية. وتتفق الفتيات على أن للشاب دوراً هاماً في استدراج الفتاة إلى الخلوة والوصول بالعلاقة الجسدية إلى مراحل متقدمة، فتقول فرح (21 سنة): »يلعب على وتر مشاعر الحبيبة، يقنعها بالكلام والوعد بالزواج، والحب. كما أن الصديقات أحياناً يؤثرن في بعضهن، ويَغَرن من بعضهن. كما أن بعض المحجبات يغرن من غير المحجبات اللواتي لا يتوانين عن تقبيل وضم الحبيب أمام الناس، خصوصاً داخل الجامعات«. نفت الفتيات اللواتي أدلين بآرائهن أنهن يقدمن على العقد المؤقت، وإن كن يعتبرنه حلالاً، لكنهن يتحسبن منه حتى لا يجرهن إلى علاقة أعمق من الملامسات والقبلات... التي يعتبرنها »بسيطة«.