مع قرب موعد انتهاء تفويض الأممالمتحدة الذي يجيز بقاء قوات التحالف التي تقودها الولاياتالمتحدة في العراق - والمقرر انتهاؤه في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2008 - تعلن الولاياتالمتحدة والحكومة العراقية الانتهاء من وضع الصيغة النهائية لاتفاقية أمنية تنظم وجود القوات الأمريكية بعد هذا الموعد. يذكر أن عدد القوات الأجنبية العاملة في العراق حاليا يبلغ 152 ألفا، بينهم 144 ألفا من الأمريكيين. الاتفاقية تلقى اعتراضا من بعض التيارات في كلا الجانبين العراقي والأمريكي. ففي بغداد، ورغم تسويق الحكومة العراقية للاتفاقية على اعتبارها خطوة لإنهاء الوجود الأمريكي في العراق، قالت هيئة علماء المسلمين – السنية - إن أي اتفاق أمني بين واشنطن وبغداد سيكون باطلا وغير مشروع. كما خرج عشرات الآلاف من أنصار التيار الصدري - الشيعي - في مظاهرة ضمت أيضا مسيحيين وسنة احتجاجا على هذا الاتفاق. ومن مقر إقامته في إيران أصدر الصدر بيانا شكك خلاله في الحجة التي ساقتها الحكومة العراقية، واصفاالاتفاق الأمني بأنه "سيكون وصمة عار في جبين العراق". وقال الصدر - في كلمة ألقاها نيابة عنه هادي المحمداوي أمام المتظاهرين في بغداد – إن الحكومة العراقية تهربت من مسئوليتها عندما قررت إرسال الاتفاقية إلى البرلمان العراقي للتصويت عليها. مظاهرات في بغداد احتجاجا على الاتفاقية الأمنية أما في الولاياتالمتحدة فإن الاعتراض يكمن في مصير الجنود الأمريكيين في العراق واحتمال تضمينالاتفاقية الأمنية بنودا قد تسمح بمحاكمتهم في بعض الحالات. وكان علي الدباغ المتحدث باسم الحكومة العراقية قال إن بغداد قد تحاكم جنودا أمريكيين إذا اقترفوا جرائم خارج العمل وخارج القواعد الأمريكية وإذا وافقت لجنة أمريكية عراقية مشتركة على ذلك. الأمر الذي دعا كل من وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس، ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي، إلى شن حملة تسعى لإقناع المشرعين الأميركيين المشككين بجدوى الاتفاقية الأمنية، ومن ثم إطلاع أعضاء الكونجرس عليها، رغم أن موافقة الكونجرس غير ملزمة قانونيا. وبالرغم من عدم نشر تفاصيل الاتفاق، يقول مسئولون أمريكيون إن الاتفاقية تنص على سحب القوات المقاتلة من المدن العراقية بحلول منتصف 2009، وسحبها كليا من البلاد قبل نهاية 2011، ما لم تطالبها حكومة العراق بالبقاء. إلا أن متحدثا باسم وزارة الدفاع الأمريكية قال إن القوات لن تنسحب من العراق "ما لم تتوفر الظروف المناسبة على الأرض لذلك." وتعد مسألة الحصانة التي ضمنتها سلطة التحالف المؤقتة - التي حكمت العراق قبل إعادة السيادة للعراقيين في شهر يونيو/حزيران 2004 - للجنود والمقاولين الأمنيين الأمريكيين من الملاحقة القانونية أمام القضاء العراقي هي المعرقل الرئيسي الذي طالت بسببه المفاوضات بين الطرفين. فبينما سعت الحكومة العراقية لمنحها صلاحية اعتقال ومحاكمة أي أمريكي يتهم في جرائم غير متصلةبالعمليات العسكرية الرسمية، إلى جانب تفويضها سلطات قانونية لملاحقة الجنود والمتعهدين الأمنيين ممنيرتكبون أخطاء فادحة أثناء أداء الواجب، تمسكت الولاياتالمتحدة بحق حصانة جنودها والمتعهدين الأمنيين، من القانون العراقي. لكن الاتفاقية حاولت تخطي هذا الخلاف عن طريق منح السلطات القضائية العراقية صلاحية محدودة لمقاضاة العسكريين والمتعهدين الأمنيين الأمريكيين الذين يرتكبون جرائم كبرى خارج قواعدهم وخارج أوقات دوامهم الرسمي، شريطة أن تمارس هذه الصلاحية بموافقة لجنة عراقية - أمريكية مشتركة.وفي حال مصادقة المجلس السياسي للأمن القومي العراقي - الذي يضم كبار الزعماء السياسيين وزعماء الكتل النيابية – على الاتفاقية الأمنية، فمن المتوقع أنها ستحظى بمصادقة مجلس النواب (البرلمان العراقي) ومجلس الوزراء عليها. أما في حال إخفاق الطرفين (الأمريكي والعراقي) في التوصل إلى اتفاق نهائي ينظم الوجود العسكري الأمريكي في العراق، سيتعين عليهما اللجوء إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ويطلبان منه تمديد التفويض المقرر انتهاؤه نهاية 2008.