إذا كان الجواب يقرأ من عنوانه فالكتاب يستشعر ويحس ويستشرف من غلافه.. لكن ذلك كله مرهون بحرفية ووعي الرسالة البصرية التي يبثها غلاف الكتاب.. فن صناعة أغلفة الكتب هو أحد روافد التصميم الجرافيكي وفن التصميم الجرافيكي وظيفته التعبير بصريا عبر وسائط متعددة. غلاف الكتاب ليس مجرد حافظة للكتاب وإن كان قد بدأ كذلك تاريخيا وهو أحد الفنون المستحدثة نسبيا لو جاز التعبير, وأخيرا وبمناسبة مرور عشر سنوات علي ميلاد دار نشر ميريت, وفي إطار الاحتفال, دار حدث أتصور أنه لابد أن يستوقف كل مهتم بصناعة الكتاب وبفنون هذه الصناعة,فقد نظم الفنان أحمد اللباد أول معرض معني بأغلفة الكتب.. اللافت كان ذلك التلقي الودود والمرحب من الناس أو الجمهور الذي سعي جزء منه ولأول مرة ربما الي اقتناء لوحة فنية هي في الأصل أحد تصاميم أغلفة الكتب.. علي المستوي الشخصي رأيت في هذا المعرض دلالة تجاوزت مسألة الفرح, الي حيز رصد خطوة أولي حقيقية في مجال احترافي نحن في أشد الحاجة اليه هو مجال صناعة الغلاف,وبسرعة استحضرت أحد جوانب معرض فرانكفورت الدولي للكتاب وأعني ذلك المعرض السنوي الذي يقام بانتظام في قلب معرض فرانكفورت والخاص بأجمل أغلفة الكتب في العالم.. كل مرة كنت أتردد فيها علي معرض فرانكفورت كان الجزء المعني بأجمل أغلفة الكتب في العالم يمثل بالنسبة الي واحدة وسفر.. واحة للركون الي تأمل الرسائل البصرية متعددة المستويات والزوايا والتي قد تكون بمثابة رحيل وسفر وتجوال ليس فقط بين فنون عدة ولكن لآفاق عدة أيضا.. قد تنصت لهمس غلاف وربما يرفعك آخر الي سابع سما أو يقذفك آخر الي منتهي الوحشة. تعلمت من هذا المعرض كيف أن الغلاف في حد ذاته يملك رسالة وحضورا وهو أمر يختلف عن السواد الأعظم الرائج عربيا. وفق معلوماتي المتواضعة يعد معرض الفنان أحمد اللباد الأول من نوعه علي مدي السنوات التي أعيها وإن كانت الذاكرة الفنية المصرية تحتفظ بداخلها بعلامات في فن صناعة الأغلفة.. علامات مثلت مبادرات فردية لكنها حملت وهجا ابتكاريا وأصالة وانتمي معظمها الي فترات الستينات التي شهدت بصمات الفنان الراحل الكبير حسن فؤاد في سلسلة الكتاب الذهبي والفنان الأصيل عبدالغني أبوالعينين ومازلنا والحمد لله نستنير بلمسات الفنان الكبير محيي اللباد الذي يحب أن يسمي نفسه صانع كتب, والفنان حلمي التوني ومن قبلهما كان الكبير بيكار.. كل هذه الاسماء كانت أصحاب مشاريع فردية صنعت فنا احترافيا لغلاف الكتاب لكن لم نشهد لها معارض, لذلك تأتي أهمية أول معرض لأغلفة الكتب في مصر للفنان أحمد اللباد بعدما يقرب من خمسمائة غلاف, صحيح أن المعرض قدم جزءا منها هو الخاص بمطبوعات دار ميريت, لكنه عكس سياقا أغراني بالولوج الي عالم صناعة الغلاف, بأبسط التساؤلات: هل الغلاف مجرد تقديم للكتاب أو اختزال لنصه التحرير؟ أو هل يختصر في رسالة فنية جمالية اضافة لدوره التسويقي؟. في الدول التي تحظي حقيقة بصناعة نشر وسوق نشر حقيقية تحظي كل جزئية في الكتاب بوظيفة معرفة ومعترف بها.. فالكتاب نص ولكل نوع من النصوص محرر وكذلك الأغلفة:- هناك من يضع رؤيا ومن ينفذ ومن يعد المفردات الفنية اللازمة, ومن تكون كل وظيفته كتابة ظهر الغلاف و.. و.. من الفنان أحمد اللباد عرفت أن صناعة الغلاف كما أشرت جزء من التصميم الجرافيكي الذي صار فنا ينمو ويتغير وتبلورت له مدارس في اليابان وأوروبا وأمريكا ولكل مدرسة ملامحها وان كانت كل المدارس تستفيد من رواج ونمو ليس فقط صناعة النشر ولكن مختلف الفنون البصرية التشكيلية بل والسمعية. كيف يعمل فنان الغلاف..؟ أوجه السؤال لأحمد اللباد ومتسللة الي كونه الصغير( أقرأ النص جيدا, أتركه يتخمر داخلي, فترة التخمر قد تطول أو تقصر( يعيش النص في دماغي), أبدأ في عمل اسكتشات ثم أضعه تحت الانتاج( أي أجرب عليه مثلا هل استخدم الرسم مع الفوتوغرافيا أو عدة رسوم معا.. وهكذا. هل يلعب مستوي النص التحرير صعوبة أو تعقيدا دورا في صعوبة الغلاف؟ يقول الفنان صاحب أول معرض لأغلفة الكتب الصعوبة مبعثها ليس نوع المكتوب( النص) ولكن أن أسأل أنا نفس السؤال الواجب طرحه أو أجد السؤال الذي يجيب عليه الغلاف..( عما يعبر وكيف).. أخاف دائما الزوايا المستهلكة وبحثي الدائم عن زاوية جديدة أدعو القاريء ليري من خلالها النص. هل يلعب التكوين الثقافي دورا لدي المصمم؟ تأتي الإجابة( التكوين مؤثر.. وكلمة التفاني هنا إشارة لمكونات تحريرية وبصرية وسمعية.. قد تحركني جملة موسيقية أو مشهد في فيلم.. سياق الفنان الجرافيكي( بوسع الدنيا) من قطوف أرقي الفنون إلي مكونات الحياة اليومية. في دنيا الغلاف أو بالأحري دنيا التصميم الجرافيكي( حساسية جديدة) تماما, كما أن للكلمة حساسيتها المتجددة.. شغف الفنان البصري بالكلمة المكتوبة.. إحساسه وحساسيته ازاءها, تريثه بإلمامه بموروثه وفضائه يخلق له نكهته الخاصة( وسوف نكتشف بسهولة أن هذه النكهة الخاصة سرعان ما سوف تستلب بالسرقة أو عفوا التقليد). حتي ثمانينيات القرن الماضي كان هناك تهافت مصري أمام الأغلفة المنتجة في أوروبا, وفي لبنان باستثناءات نادرة أشرنا إليها, والتي تعد تجربة أحمد اللباد تتويجا لهذه المبادرات الفردية, أو الاستثناءات التي كان أهم سماتها أنها حديثة ومعبرة وأنيقة دون افتعال لا في التكاليف ولا الإحساس.. والسنوات العشر التي عكف خلالها أحمد اللباد علي أغلفة الكتب أفرزت تراكما متنوعا في كل تجربة.. وفي كل تجربة كان له دور مركب: رسام ومصمم ومشرف فني يهتم بالتعبير عن نص كل كتاب ثم يعني بخلق روح متميزة لكل سلسلة وشخصية لمطبوعات كل دار نشر. هكذا تشهد تجاربه في ميريت التي أخذت تسع سنين من عمره وهي التجربة الأطول ثم تجربته مع كتب هيئة قصور الثقافة بسلاسلها المتعددة(10 سلاسل) وأخيرا تجربته في دار عين. هناك علامات يراها أحمد اللباد فارقة في إنتاجه.. غلافه لكتاب أحمد العايدي( أنت تكون عباس العبد), وكتاب طارق إمام هدوء القتلة, والطبعة الأولي من عمارة يعقوبيان, ولصوص متقاعدون لحمدي أبوجليل.. نجح أحمد اللباد في خلق هوية تخصه مع تعدد وتنوع لا يخطئ البصر روح أحمد اللباد التي استقطبت( عشاق الأغلفة التايواني.. يعني الذين استسهلوا النقل دون وعي.. ولا إدراك متصورين أن الغلاف( مجرد ترجمة أو اختزال للنص) متناسين أن رهان إيجاد المعادل البصري للنص التحريري عملية أكبر وأعمق تستمد جذورها من التكوين الأوسع. أحمد اللباد الحاصل علي بكالوريوس الفنون الجميلة منذ عشرين عاما بامتياز من قسم الجرافيك وبمشروع تخرج أيضا عن الكتاب( عشر لوحات حفر مطبوع يدوي لعشرة نصوص اختارها لأحمد عبدالمعطي حجازي). الكتاب كان رهانه حتي قبل تلك اللحظة.. رهان عمر, كل جزئية فيه تحمل رسالة( لعلم القارئ الغلاف يشمل وجه الغلاف وكعب الغلاف أي الجزء الواصل ما بين الوجه والخلف ثم ظهر الغلاف), وكل جزء من هذه الأجواء له دور ووظيفة في إيجاد علاقة بالنص التحريري, علاقة لا تزيد ولا تنقص, أو كما يعبر أحمد اللباد( علاقة دون لغو أو تزيد). غلاف يأتي بموجة البث المضبوطة مع النص التحريري.. تصغير الكلمة في العنوان أو تكبيرها.. اختيار لون دون آخر.. التركيز علي كلمة بالذات وعناصر عديدة كلها تخضع لرؤية المصمم وتكوينه, وهذه كلها أمور يمكن القول إنها مستحدثة في فن صناعة الغلاف, أو أمور لم يكن متعارفا عليها.. خمسمائة غلاف صنعها الفنان والمصمم الجرافيكي أحمد اللباد في12 سنة أهم ما أضافه لنا فيها هو( الشعور بأن للغلاف قيمة في حد ذاته وأن الغلاف ليس مجرد ترجمة ساذجة للنص أو للعنوان الذي( هو مخاتل ومراوغ). الغلاف عند أحمد اللباد خلق لعلاقة أو( قيمة بصرية) من مفردات غير متوقعة.. وفي عالم أغلفته يلتقط المفردات المحيطة( نبت فضائنا), وزماننا بعدما عشنا طويلا أسري( لإحساس مستورد بجملة ما نستورد) مس من الفرح أهداني إياه معرض أحمد اللباد. كل مصري يحقق شيئا أصيلا.. وحقيقيا يستحق الفرح لأنه كالقابض علي جمر في لحظة مصيرية يطفو فيها علي السطح: كل خفيف وزائف ومدع.. والفرح بأول معرض لأغلفة الكتب يتجاوز فكرة الفرح الصغير بأمر أقرب إلي التخصص إلي حيز الاستبشار: رغم كل ما يفوح ويحاصرنا, هناك بشر يعمل بجد وتملك ما يعطيه لهذا الوطن بجد أيضا, ويستحق علي الأقل أن نفرح به وهذا أضعف الإيمان.