المصرى اليوم 5/9/2008 الأمريكيون مغرمون بإلقاء الأسماء علي الأعاصير المتتالية التي تصيب الساحل الشرقي للبلاد، وآخرها إعصار «هنا» ومن قبله «جوستاف». ويلاحظ أيضا أن أغلب هذه الأسماء نسائية وأشهرها بالطبع إعصار «كاترينا» الذي أغرق مدينة نيو أورليانز منذ ثلاث سنوات، بما يعني أن الرجال هم الذين أطلقوا هذه الأسماء. إلا أن الإعصار السياسي الحقيقي هذه الأيام هو إعصار «بالين» التي اختارها المرشح الجمهوري للرئاسة جون ماكين لتشاركه بطاقته الانتخابية كمرشحة لمنصب نائب الرئيس. وهو ما يعني أن انتخابات هذا العام ستكون تاريخية أيا كانت نتيجتها. فإما يفوز باراك أوباما ويصبح أول أسود يصل إلي المكتب البيضاوي، أو يفوز ماكين، لتكون سارة بالين أول سيدة تشغل منصب نائب الرئيس. المدهش أن ماكين نفسه لم يكن يعرف بالين جيدا عندما اختارها، ولم يكن قد رآها سوي مرتين قبل إعلان ترشيحها، وهو ما يؤكد أن الاختيار جاء لحسابات سياسية خالصة. فما أراده المرشح الجمهوري هو إثارة حماس مؤيديه، خاصة بين القاعدة المحافظة التي لا تثق كثيراً في توجهاته، فابتعد عن شخصيات قوية مثل توم ريدج أو جوزيف ليبرمان، لأن آراءهم الاجتماعية تميل للاعتدال، وجاءهم بسيدة في الرابعة والأربعين من عمرها ولديها خمسة أطفال، ورفضت أن تجهض طفلها الأخير رغم علمها بأنه سيكون غير مكتمل النمو عقليا، وهذا يكفي لإشعال حماس المحافظين الذين كانوا العامل الحاسم في فوز جورج بوش بفترتين. وقد حاولت بالين منذ اللحظة الأولي أن تجذب مؤيدي هيلاري كلينتون الذين لم يتغلبوا بعد علي مشاعر الإحباط لديهم بسبب هزيمتها في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، أو لأن باراك أوباما تجاهلها تماما في عملية اختيار مرشح نائب الرئيس واستقر علي جوزيف بايدن. إلا أن السياسات المحافظة لدرجة التطرف لسارة بالين بشأن إنكار حق المرأة في الإجهاض، أو حق حمل الأسلحة النارية، ربما تحول في النهاية دون حصولها علي أصواتهم. وبهذا يتعين علي ماكين أن يتعامل مع الجوانب السلبية لمرشحته الجديدة وهي كثيرة. فقد عمدت حملة ماكين إلي التركيز علي نقص خبرة باراك أوباما، خاصة في الشؤون الخارجية وقضايا الأمن القومي، فإذا به يأتي بمرشحة تحكم ولاية ألاسكا منذ أقل من عامين، وعملت قبلها كعمدة لمدينة لا يتجاوز عدد سكانها تسعة آلاف نسمة. وإذا أخذنا في الاعتبار أن ماكين في الثانية والسبعين من عمره، وأصيب بالسرطان أربع مرات من قبل، فإن احتمال أن تصبح بالين رئيسا للبلاد يظل قائما لو حدث شيء لماكين، وهو ما وضع حملته في موقف حرج وأضعف كثيرا من حجته بشأن نقص خبرة أوباما. ومن المثير للدهشة أن تري سياسياً جمهورياً مخضرماً يدافع عن خبرة بالين الخارجية بأن ولاية ألاسكا التي تحكمها هي أقرب الولاياتالأمريكية جغرافيا لروسيا، وهو ما يشبه القول إن محافظي الساحل الشمالي في مصر هم الأكثر خبرة بالشؤون الأوروبية بحكم أنهم الأقرب لها من باقي أقاليم مصر. وعندما يصل الاستخفاف بالعقول إلي هذه الدرجة، فإنه يمكن تبين أن الجمهوريين في ورطة للدفاع عن مرشحتهم. كما أنها، لكونها جديدة علي الساحة السياسية القومية، معرضة للتأثر بأي مشكلة تطرأ في سجلها أو حياتها الخاصة، نظراً لأن الناخبين لا يعرفون عنها الكثير. لذلك ركزت وسائل الإعلام علي التحقيقات التي تتم في ألاسكا حول محاولتها استغلال منصبها لفصل زوج أختها السابق من عمله كضابط شرطة. أما القضية التي ربما تكون أكثر أهمية، فهي ما تكشف مؤخرا من أن ابنتها الكبري حامل بدون زواج، وهي في السابعة عشرة من عمرها. وهذه المشكلة ربما لا تمثل الكثير للديمقراطيين، لكن لها أهمية أكبر لدي المحافظين من مؤيديها المتمسكين بالأفكار والقيم التقليدية. هذه القضايا تمثل قنابل موقوتة، فاختيار بالين بقدر ما أثار من حماس كان مفقوداً في حملة ماكين، بقدر ما يثير لديهم من مخاوف بشأن ما قد تأتي به الأيام القادمة، كما أنه يطرح التساؤلات حول أسلوب ماكين في اتخاذ هذا القرار الذي وصفه البعض بأنه أكبر مقامرة سياسية في تاريخ الانتخابات الأمريكية. فهو اعتمد علي حدسه الخاص وحساباته السياسية في أمر يفترض أنه يمس مصير البلاد. فقد أكد ماكين أكثر من مرة أن اختياره سيكون للشخص الذي يمكنه أن يحل مكانه كرئيس في أي لحظة، في فترة يراها حاسمة لمواجهة التهديدات الخارجية الهائلة. فهل سارة بالين هي الشخصية المؤهلة لمواجهة هذه التحديات؟ إن الإجابة بالنفي عن هذا السؤال لا تدع أمامنا سوي العودة لما كان ماكين يقوله ساخراً منذ سنوات عن وظيفة نائب الرئيس. فهي في تقديره مقصورة علي السؤال يومياً عن صحة الرئيس. إلا أن بالين في النهاية ذات شخصية قوية وضحت من أول لحظة، وهي، حتي لو انعدمت خبرتها السياسية، فإنها لن تقبل حتما بدور الممرضة!!