ذكر علماء ألمان أن هناك حيوانا في الغابة شبيه بالقوارض وبالغ الصغر يعيش على نظام غذائي يعتمد تماما على جعة يبلغ محتواها الكحولي نسبة 3.8 % (وهي من أعلى النسب للكحول في أي غذاء طبيعي) ولا يسكر أبدا، وهذا الحيوان قد يكون المفتاح إلى معرفة العلاج النهائي لمتاعب الإفراط في تناول الكحوليات عند البشر. ويقول علماء جامعة بايروت في ألمانيا أن حيوان الزبابة الماليزي ريشي الذيل يشرب الرحيق المختمر لزهور نباتات نخيل "البيرتام" بكميات كبيرة يوقع ما يعادلها الإنسان في حالة من الذهول واللاوعي. ويقول فرانك فاينس و آنيت تسيتسمان من قسم فسيولوجيا الحيوان في جامعة بايروت إن رحيق نباتات نخيل البيرتام من القوة بحيث تفوح الغابة المطيرة كلها في محمية غابات سيجاري ميلينجتانج في غرب ماليزيا برائحة الكحول كأنها معمل لتقطيره. وثبت الدكتور فاينس وزملاؤه الباحثون كاميرات لتصوير المخلوقات الليلية التي تتردد على نباتات نخيل البيرتام . وتبين لهم أنه في كل ليلة تشرب حيوانات الزبابة الغابية ذوات الذيول الريشية بشراهة من الرحيق القوي لهذه النباتات. والحقيقة أن حيوان زبابة الأشجار يظل عاكفا على الشراب بشراهة لمدة ساعتين ونصف الساعة في المتوسط كل ليلة. والمدهش ما قاله العلماء الألمان أنه لا توجد دلائل تقريبا على أن حيوانات الزبابة الشجرية تعيش على أي شيء آخر عدا هذا الرحيق القوي. ولم تظهر عليها أي علامات للسكر أو متاعب ما بعد الإفراط في شرب الكحوليات رغم ما غرقت فيه ليلا. ويعيش هذا المخلوق البالغ الصغر على هذا الغذاء الذي لا يخرج عن كونه جعة منذ 55 مليون سنة أي قبل زمن طويل من اكتشاف الإنسان صناعة الجعة والمشروبات الكحولية وهو الأمر الذي لم يحدث إلا منذ نحو تسعة آلاف سنة. وكتب العلماء في بحث نشر في العدد الحالي من المجلة العلمية "بروسيدنجز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينسز (بي إن إيه إس) "على الرغم من ذلك لم يأخذ السكر أبدا زبابة الأشجار الماليزي، وهذا يشير إلى ظاهرة مفيدة ويلقي بضوء جديد تماما على تطور صناعة الكحوليات عند البشر". واستنادا إلى ما وصفه علماء بايروت بأنه "أول حالة تعاطي للكحوليات في البرية" يقول هؤلاء العلماء إن كيمياء جسم الزبابة الذي يزن 47 جراما ويبلغ حجمه حجم فأر صغير ربما تنطوي على مفاتيح مفيدة للعلاج الطبي لدى البشر لإيجاد علاج لمتاعب الإفراط في شرب الكحوليات على سبيل المثال. ومن الممكن أيضا أن يكون تطور مصانع الجعة والكحوليات قد جاء امتدادا لعادة شرب بدائية بدأت حينما كان أسلافنا لا يزالون يتسلقون الأشجار. وأضاف العلماء "تعد زبابة الأشجار ريشي الذيل نموذجا حيا للثدييات المنقرضة التي تمثل المخزون الذي انتشرت منه جميع زبابات الأشجار الحية والمنقرضة وكذا الحيوانات الرئيسة.. وعلى ذلك نفترض أن التناول المعتدل والمفرط للكحوليات وجد في وقت مبكر من تاريخ تطور هذه السلالات المتقاربة". ونتائج البحث قوية وتشير أن الشرب الصاخب غريزة أفادت أهداف التطور في فترة ما. ويرى العلماء أن المسئولية في "التعاطي السليم والسيء للكحول لم تعد تلقى.. على مخترعي صناعة الجعة منذ نحو تسعة آلاف سنة. وحتى الآن مازالت النظريات الخاصة بنزعة تعاطي الكحوليات تقرر أن البشر وأسلافهم إما أنهم لم يعتادوا تناول الكحول بالمرة وإما إنهم كانوا يتناولونه بجرعات قليلة من خلال الفواكه قبل ظهور صناعة الجعة". وكتب العلماء "ولأن صناعة الجعة أمر حديث جدا في تاريخ التطور فإننا لم نتمكن من تقديم أدلة دفاع قوية ضد الآثار السيئة للكحول والإدمان الذي يكون وراثيا في جانب منه، إن البشرية تعاني من عادة مترسبة من بقايا تاريخ التطور". ويرى العلماء أن "زبابات الأشجار المستهلكة للكحول ليست زبابات حقيقية، فالحقيقة أنها تنتمي إلى ما هو حي من أقرب أقرباء الحيوانات الرئيسية ويمكن مقارنتها بيئيا وسلوكيا بأسلافها المنقرضة التي كانت موجودة قبل أكثر من 55 مليون سنة". وتمثل دراسة هذه المخلوقات الفاتنة " فرصة ذهبية غير متوقعة للتعرف على أسباب ونتائج الشرب في حياتنا الواقعية". وتنتشر نباتات نخيل بيرتام في منطقة بيرتام في ماليزيا وهي نباتات شائكة وغير مغرية بالمرة وبراعمها الدنيا التي يخرج منها الكحول حادة جدا ومن السهل أن تلحق الأذى بالإنسان. (د ب ا)