بعد أن فشل “مشروع البتلو” الذي أقامته وزارة الزراعة، في تحقيق أحلام البسطاء في الحصول على كيلو لحم، بسعر مناسب، جاء مشروع آخر مواز له، بعد أن تفاوضت وزارة الزراعة مع الحكومة الأمريكية على تخصيص منحة قدرها 58 مليون جنيه لإحياء مشروع التربية وتسمين العجول بفوائد ميسرة، بإدارة ذاتية من بنوك التعاون الدولي وممثلي القطاع الخاص والمربين ووزارة الزراعة، ليداعب عقول المصريين حلم الاكتفاء الذاتي. يؤكد د. توفيق شلبي رئيس قطاع تنمية الإنتاج الحيواني بوزارة الزراعة أن هناك مشكلات حالت دون استكمال المشروع القومي للبتلو، أولها ارتباط خطة عمل المشروع بالعديد من الجهات والمؤسسات الرسمية داخل العديد من الوزارات، ما أدى إلى تضارب الإجراءات والقرارات، كذا اعتماد المشروع على صرف حصص من الأعلاف المدعمة للسوق السوداء والحصول على مقابل مجز دون النظر لأهداف المشروع وهو تسمين العجول الصغيرة وعدم ذبحها، قبل أن يبلغ وزنها 450 كيلوجراما، كما أن أغلب التعاقدات كانت تتم من خلال ربط القروض بالحيازة الزراعية، ما أدى إلى استبعاد عدد كبير من صغار المربين من الانضمام إلى المشروع ويبلغ عددهم أكثر من 80%. ويضيف أن وزارة الزراعة نجحت في التفاوض مع الجانب الأمريكي على تخصيص منحة قدرها 58 مليون جنيه بهدف احياء مشروع لتربية وتسمين عجول الجاموس في صورة مطورة، ويكون بديلا عن المشروع القومي للبتلو القديم، ولكن على أسس جديدة، تتفق مع المتغيرات الاقتصادية، بفائدة ميسرة، وقد تم اختيار البنك التجاري الدولي كبنك وكيل لإدارة المنحة بالاشتراك مع بنك التنمية والائتمان الزراعي والبنوك الأخرى كبنوك مشاركة من خلال قرض دوار. وحول آليات عمل المشروع الجديد لتطوير الإنتاج الحيواني يوضح د. شلبي أنه يتم على مرحلتين الأولى: يشارك فيها المربون وشباب الخريجين لتربية العجول الرضيعة من وزن 60 كيلوجراما والوصول بها إلى 200 كيلوجرام، وذلك بمنح قرض ألف جنيه للرأس بفائدة ميسرة قيمتها 7%. أما المرحلة الثانية فيشارك فيها المربون وكبار وصغار الجمعيات والشركات والهيئات لتسمين العجول من أوزان 200 إلى 450 كيلوجراماً، ويتم منح قرض بواقع ألفي جنيه للرأس بنفس الفائدة، وهو ما أدى إلى تضاعف كمية اللحم البتلو المطروحة بالأسواق حاليا، وزيادة كمية اللحوم الحمراء المشفاة حوالي 10 آلاف طن سنويا. د. عمر يسري أستاذ الإنتاج الحيواني بجامعة عين شمس يلفت إلى أن مشروع البتلو القديم كان مركزيا، ويبدو أنه سيظل مركزيا في ظل اقتصارالقاهرة على اتخاذ القرارات من خلال وزارة الزراعة، لذلك لا بديل عن لا مركزية الإدارة إذا أردنا إنجاح هذا المشروع بحيث نوفر للمحافظات والقرى حرية اتخاذ القرارات، لأن مديريات الزراعة وحدها تستطيع التعامل مع المربين الذين يمتلكون عددا قليلا من رؤوس المواشي والأغنام، والذين يمتلكون حيازات زراعية صغيرة، وهم نسبة قد تصل إلى 80%، وقوة لا يمكن الاستغناء عنها، في حين أن المشروع القديم للبتلو تجاهل تماما تلك الفئة. ويرى د. أسامة الحسيني رئيس قسم الإنتاج الحيواني بجامعة القاهرة أن مشكلة عدم القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم قائمة في مصر منذ أكثر من نصف قرن، ومعظم المشاريع التي قامت بها الحكومات المتعاقبة لمواجهة هذا المشكلة تحولت إلى مجرد مسكنات، والسبب يعود إلى عدم اتباع الأساليب العلمية التي تقوم عليها صناعة التسمين وتتلخص في عدم ذبح البتلو، قبل وصوله إلى وزن 200 كيلوجرام، والمحافظة على الولادات الصغيرة التي يتم ذبحها في المهد، ولا نجني منها سوى بضعة كيلوجرامات من اللحوم، والأمر يتطلب تشريعات حاسمة من جانب الدولة، لوقف هذا الإهدار في الثروة الحيوانية. ويقول د. الحسيني: منذ فترة قمت بدراسة لبحث الحلول الكفيلة بالقضاء على مشكلة اللحوم، وكشفت النتائج أن أفضل مراحل التسمين الملائمة لمصر تتطلب وصول عجل البتلو إلى وزن 450 كيلوجراما، وإذا وصلنا إلى هذه المرحلة فإنه من الممكن أن يتحقق حلم الاكتفاء الذاتي والتصدير. ويحذر من قفزات هائلة في أسعار اللحوم خلال الفترة المقبلة، وذلك في ظل الزيادة الرهيبة في أسعار الأعلاف عالميا، وبصورة لم يسبق لها مثيل، وكذلك في ظل سعي الولاياتالمتحدةالأمريكية لاحتكار محاصيل فول الصويا، وغيرها من المحاصيل التي تستخدم في إنتاج الطاقة الحيوية، وكل هذه المؤشرات تفرض على المسؤولين في الحكومة ضرورة التحرك السريع لإيجاد حلول لأزمة اللحوم.