ربط نوعية التعليم باحتياجات سوق العمل علي الجاهز انقطاع حبل الاتصال معايير مختلفة إذا كنا جادين وحش مفترس الغريب انه عندما اعلنت احدي الوزارات منذ عامين عن احتياجها لشغل 50 وظيفة شاغرة بها تقدم اليها اكثر من 8 الاف شاب وعندما اعلنت بعض المصانع بالمدن الجديدة في وقت متزامن مع اعلان الوزارة عن حاجتها ل 12 الف عامل فني فلم يتقدم نصف العدد المطلوب.. ولعل مصانع مدينة برج العرب من اكثر المصانع التي تشكو من نقص العمالة الي الدرجة التي تهدد بايقاف بعض مصانعها او علي الاقل ايقاف بعض خطوط انتاج هذه المصانع، وبعض المصانع اصبحت تجري وراء عمال مصانع اخري وتقدم لهم اغراءات ومزايا لاقناعهم بالعمل لديها ووصل العجز في العمالة في مصانع المدينة الصناعية الشهيرة الي اكثر من 20 الف عامل في حين تؤكد الاحصاءات المستقبلية ان هذه المصانع ستصبح في حاجة الي 150 الف عامل في الفترة القادمة والا ستتوقف عن الانتاج. المدهش ان معظم الشباب العاطل من خريجي الجامعات ونسبة كبيرة منهم من خريجي كليات التجارة فقط مع العلم باننا لدينا 15 كلية تجارة في مصريتخرج منها حوالي 90 الف خريج سنويا.. ومع ذلك فلا يريدون ان يصدقوا ان احتياج سوق العمل لليد المدربة اصبح يفوق كثيرا احتياجه من الشهادات الجامعية. وفي محاولة لتفسير هذه الظاهرة وكيفية مواجهتها استطلعت الاخبار اراء عدد من اساتذة الطب النفسي والاجتماع والاقتصاد. يتحدث اولا الدكتور يحيي الرخاوي استاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة القاهرة فيقول: هذا الواقع الذي يشير اليه السؤال هو حقيقة مرة في بلد يعلن انها يمارس نوعا من الاقتصاد الحر ونوعا من التعليم الهادف ولابد ان تكون البداية من واقع الجاري من حيث تحديد المشروعات الحالية والمستقبلية بشكل دقيق وموضوعي وبالذات لما يسمي بالقطاع الخاص فهذا القطاع بالذات غير مستعد ان يعطي قرشا واحدا لاي عامل او موظف الا اذا انتج هذا العامل اضعاف ما يأخذ.. وبعد تحديد احتياجات الانتاج خاصة وعامة زراعية وصناعية وسياحية وخدميةلابد من توجيه التعليم والتدريب بشكل عملي قبل ان نتكلم عن مرض الكسل والعزوف عن العمل والتدريب هو شيء يختلف عن الحصول علي شهادة يبلها صاحبها ويشرب ماءها بعد مهرجان من النواح علي صعوبة الامتحان والجزع علي نتائجه.. كل هذا اهدار للطاقة البشرية واهدار للفرص في نفس الوقت.. والدولة مسئولة عن تخريج المهارات وليس عن اعطاء الشهادات بما يسد حاجة الانتاج العام والخاص بكل انواعه. ويضيف الدكتورالرخاوي: هناك امر اخر هو ان قيمة العمل كمنظومة وجودية اخلاقية ايمانية هي غير موجودة عندنا بعد، اعني عند عموم الشعب المصري وخاصة صغار السن فيه، في حين ان العمل مقدس كالصلاة عند شعوب جنوب شرق اسيا بوجه خاص حتي لو اخذ العامل المستورد ضعف ما يأخذه الشاب المصري فلابد انه سينتج ثلاثة اضعاف فضلا عن انه سيكون سعيدا بعمله. ربط نوعية التعليم باحتياجات سوق العمل اما الدكتورة عزة كريم استاذ علم الاجتماع بمركز البحوث الجنائية فترجع تلك المشكلة لعدة اسباب منها عدم ربط نوعية التعليم في مصر باحتياجات سوق العمل.. فما معني ان يتخرج من كليات التجارة علي سبيل المثال مائة الف خريج سنويا لا يستوعبهم اطلاقا سوق العمل ولنا ان نقيس علي ذلك خريجي كليات اخري كالاداب وغيرها والذين يقدر عددهم بعشرات الالوف كل عام.. ثم نطلب منهم بعد ذلك ان يعملوا نقاشين او مبيضي محارة.. أليس هذا اهدارا لميزانية التعليم في الدولة.. والمدهش بعد ذلك ان تتكبد الدولة اموالا اخري في انشاء ما يعرف بمراكز التدريب او التأهيل.. 'طيب ليه من الاول ما تتغيرش مناهج التعليم ويبقي التدريب العملي ضمن التعليم فيتخرج الطالب من الجامعة او من التعليم الفني وهو صالح للالتحاق بسوق العمل فورا'. النقطة الثانية التي تؤكد عليها الدكتورة عزة كريم هي ضرورة وجود تشريع يحمي عمال وموظفي القطاع الخاص من الطرد في اي وقت حسبما يري صاحب العمل وعدم وجود هذا التشريع حتي الان هو السبب الرئيسي في عزوف عدد كبير من الشباب عن الالتحاق بوظائف القطاع الخاص حيث انه عمل غير مستقر وبلا ضمانات وبالتالي يفضل الشباب الجلوس في انتظار الوظائف الميري.. والتي تتمتع بحماية كاملة في القانون بينما اغمض القانون عينه عن حماية موظفي القطاع الخاص وحتي مشروع القانون الجديد سار علي نفس النهج، فلماذا لا تتماشي قوانين الدولة مع تغير النظام الاقتصادي؟ انقطاع حبل الاتصال وتكمل الدكتورة عزة: وباستثناء عدد محدود جدا من الشباب المدلل ابناء الطبقة القادرة الذي يختار هو نوعية العمل ولا يقبل اي عمل متاح.. والذين لايقاس عليهم، فهناك ملايين الشباب من الطبقات المتوسطة ودون المتوسطة والمستعدين للعمل في غير تخصصهم والراغبين اشد الرغبة في تحقيق طموحاتهم وتغطية احتياجاتهم ولكن لا يعرفون كيفية الاهتداء الي الفرص المتاحة، فالحبل بين الجانبين مقطوع لان عددا كبيرا جدا من الشباب لا يهتدي لاعلانات الوظائف الشاغرة التي يعلن عنها كل فترة في الجرائد وايضا عدد كبير جدا لا يعرف شيئا عن نشرة التوظيف التي تصدرها وزارة القوي العاملة شهريا ولا يعرف اين تباع.. والحل في رأيي ان تقوم الحكومة ممثلة في وزارة القوي العاملة بتحديد موقع الكتروني تابع لها يتم الاعلان عنه في التليفزيون مرارا وتكرارا.. علي ان يخاطب هذا الموقع كل اصحاب الاعمال الذين يحتاجون لعمالة وايضا كل راغبي العمل في ظل وضوح كامل في بيانات الطرفين،وبذلك يوصل الحبل المقطوع ولن تتكلف الحكومة ازاسه شيئا الا ان تكون الوسيط المطلوب بينهما. علي الجاهز ومن منظور مختلف نسبيا يتحدث الدكتور ناصر المغربي استشاري الطب النفسي وزميل الكلية الملكية البريطانية للاطباء النفسيين فيقول محللا ظاهرة وجود شباب بلا عمل وفرص عمل متاحة لا تجد من يشغلها، ان كثيرا من الشباب قد اعتاد منذ مولده علي ان يقدم له علي الجاهز كل ما يحتاجه.. وهناك الكثير ايضا من الاباء والامهات الذين يعتقدون ان ادوارهم في الحياة لاتكتمل الا اذا قدموا لابنائهم كل شيء.. وهذا لا يقتصر علي الاسر الغنية فقط.. بل امتد الي الاسر المتوسطة ايضا وفوق المتوسطة.. فمنذ نعومة الاظفار وحتي تقريبا الوصول لسن الزواج يكون الاعتماد كليا وجزئيا علي الاسرة.. ولا يبدأ الانفصال بين الطرفين الا بعد الزواج بمدة.. وغالبا ما يكون الابناء في هذه الحالة صورا باهتة غير ناضجة النضج الكافي لمواجهة اعباء الحياة.. بخلاف الامر في الخارج.. فابتداء من سن تحت العشرين يبدأ الابن اوالبنت في الاعتماد علي النفس تمامافي كل شئون الحياة باستثناء معونة المشورة بين الابناء والاباء.. وهذا يجعلنا نطالب بتغيير اسلوب التربية الخاطيء الذي تتبعه ملايين الاسر في مصر لان هذا التدليل يفسد الابناء ويرسخ لديهم مفهوما خاطئا عن عدم اهمية العمل في حد ذاته كقيمة.. اذا ما قيمته لدي ابناء تعودوا ان يأتيهم اباؤهم بكل مايريدونه علي الجاهز.. فلا قيمة ولا قضية ولا انتماء ولا قدوة.. وهذا الامرحتي اذا كان عجيبا بعض الشيء الا انه هو النتيجة المنطقية المتوقعة. معايير مختلفة وعن معايير العمل المطلوب والتي اختلفت في السنوات الاخيرة عما كانت من قبل تتحدث الدكتورة نهي صبري استاذ مساعد الطب النفسي بقصر العيني، فتقول: زمان كان المضمون اهم من الشكل اما الان فالشكل اصبح عند ملايين الشباب اهم من المضمون.. فلا نجد خريجي جامعات يرضون بالعمل عمالا في المصانع الموجودة بالمدن الجديدة الا عدد محدودا جدا.. لان خريج الجامعة يريد وظيفة يجلس فيها علي المكتب بيه من البهوات.. والغريب ان هذا الخريج الجامعي يفضل الجلوس في بيته عاطلا عن العمل وعالة علي اهله علي العمل لدي اي مصنع. وللاسف فان هذه الثقافة الغريبة التي تهتم بالشكل اكثر من المضمون في اغلب الحالات يتوارثها الابناء من اباء وامهات هذه الايام.. فهم الذين يحرضونهم علي ذلك.. حيث يعز علي اي اب دفع من ماله وعمره في تربية وتعليم ابنائه.. ثم يراهم بعد ذلك عمالا في المصانع.. ولكن علي هؤلاء الاباء ان يغيروا مفاهيمهم ونظرتهم للعمل في حد ذاته.. فالعمل الشريف قيمة كبري وان تغير شكل العمل من مكتبي الي يدوي.. حيث ان متطلبات الحياة لا ترحم احدا وحيث ان السماء كما يقولون لا تمطر ذهبا ولا فضة. وتكمل الدكتورة نهي: طبعا توجد استثناءات لهذه القاعدة.. فلا يخلو الامرمن بعض الشباب الناضج الذي يقبل العمل اليدوي ولا يجلس في بيته في انتظار الوظيفة الحكومية.. وصرف النظر مؤقتا عن مؤهله الجامعي واتجه بكل قدراته لتنمية مواهبه وامكانياته.. لانه استوعب تماما ان سوق العمل يحتاج الي الايدي الماهرة اكثر بكثير من احتياجه للمؤهلات والشهادات الجامعية. إذا كنا جادين ومثلما نطالب الشباب بأن يكونوا ايجابيين ويتخلوا عن احلام الوظيفة الميري التي قد تأتي وقد لا تأتي فنحن نطالب ايضا الحكومة بالاهتمام بمشروعات التنمية. هكذا يبدأ الدكتور عادل ابراهيم مدرس المحاسبة بجامعة القاهرة حديثه مؤكدا علي ان هذه المشروعات يمكن ان تستوعب اعدادا كبيرة من الخريجين سنويا والاتطول فترةالعمل بالتعاقد المؤقت حيث ان هذا الاسلوب يدفع اصحابه لترك العمل قبل ان يتركهم هو لان العامل يريد الاستقرار اولا لكي يمكن ان ينتج.. هذا اذاكنا جادين فعلا لخفض معدل البطالة الي 5.5 % كما اعلنت السيدة عائشة عبدالهادي وزيرة القوي العاملة في شهرفبرايرالماضي عندما علقت علي تقرير المدير العام لمنظمة العمل العربية حول البطالة والتشغيل في البلدان العربية. فقد اكدت الوزيرة ان الفترة من 2008 الي 2012 ستشهد نتائج ايجابية وملموسة في خفض وتراجع معدلات البطالة من خلال الخطة القومية لتشغيل الشباب.ويجب ايضا علي الحكومة الارتقاء بمستوي التعليم كله سواء نظريا او عمليا وذلك للارتقاء بمستوي خريجي الجامعة حيث ان هناك الكثير من الوظائف والاعمال التي تجد كثير من الشركات صعوبة في العثور علي من يشغلها من بين الخريجين لانها تحتاج الي مهارات ذات تقنية عالية نسبيا ومواصفات خاصة غير متوافرة غالبا في الخريجين العاديين.. فتضطر اما لاستقدام عمالة من الخارج او الانتظار فترات قد تطول وتعوق الانتاج لحين الانتهاء من تدريب الخريجين. وحش مفترس ويؤكد د.عادل ان البطالة وحش يفترس الشباب وهي قنبلة موقوتة جاهزة للتدمير ويجب الا تقتصر مواجهة البطالة علي الكلام وانما يجب ان تمتد الي جانب كل ما ذكرناه الي مجال اخر وهو تفعيل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر واتاحة القروض الميسرة لتمويل الانشطة الانتاجية الصغيرة والتوسع في التدريب بمختلف مستوياته.