للمرة الثالثة .. يعتلى أحمد أويحيى قمة الحكومة الجزائرية رغم الجدل الذى أثارته قرارته السابقة فى أوساط الرأى العام الجزائرى ،وعلى رأسها تنفيذ برامج الخصخصة التى تهدد بارتفاع نسبة البطالة والتحفظ فى رفع الأجوروتحسين مستوى المعيشة وغيرها من سياسات خفضت شعبيته الى حد ما ، ومع ذلك يعد "أويحيى" من القادة السياسيين الذين جمعوا بين فنون الدبلوماسية وسرعة الحسم عند مواجهة الازمات الواقعية . شخصية .. دبلوماسية : اشتهر بخبرته الدبلوماسية الطويلة وعرف بمهاراته الادارية حيث سافر الى الخارج عدة مرات في السنوات الاخيرة بصفته ممثلا شخصيا للرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة. وقد برز دوره على الساحة الدبلوماسية منذ بداية هذا العام في القمة الهندية الإفريقية التي انعقدت في ابريل /نيسان 2008 بالعاصمة الهندية "نيودلهي"، وأيضا في قمة النيباد بالعاصمة الغانية اكرا، وسبق أن تولى على مدى عدة سنوات متابعة الملفات الدبلوماسية المتعلقة بالقارة الإفريقية عندما شغل أوائل التسعينيات منصب وزير منتدب للشؤون الإفريقية، بل قام بدور رئيسى فى تسوية النزاع الإثيوبي الاريتري بتوقيع طرفي النزاع لاتفاق سلام بالجزائر عام 1999 عندما كان ممثلا شخصيا للرئيس "بوتفليقة "والذي وصفه في عدة مناسبات بالدبلوماسي المحنك. ويرى المراقبون أن هذه المهام الرسمية ،قد تعكس انطباعا عن مقدرة أويحيى على تمثيل الجزائر بمستوى تمثيلها من قبل الرئيس "بوتفليقة" ، وبالتالى قد يتخلص أويحيى تدريجيا من الظلال السلبية التى أحاطت بصورته ، نتيجة كثرة قراراته غير الشعبية. صاحب المهام الصعبة : وصف أيضا بصاحب المهمات الصعبة تقديرا من جانب –خبراء ومراقبين سياسيين- لسياسته الحازمة في ادارة وتسيير شئون الحكومة لا سيما أنه عاصر سنوات "العشرية الحمراء" التى أطلقت على فترة موجة العنف المسلح التى اندلعت بداية التسعينيات واستمرت 10 سنوات ،راح ضحيتها أكثرمن 150 ألف شخص ،وأدت الى ظروف اقتصادية متدهورة ، دفعته لاتخاذ قرارات متأنية تجنبا لحدوث أزمات اقتصادية ولعل ذلك ما جعله يتحفظ على الزيادة في الأجورمتعللا بنقص معدل الإنتاج. كما يشهد له بقدرته على تسيير الأزمات المفاجئة مثلما حدث أثناء زلزال 21 مايو 2003، حيث حرص على احتواء الأزمة من خلال إصدار توجيهات للتكفل بالعائلات المتضررة في زمن قياسي ،وقام خلالها بتأسيس خلية أزمة لمتابعة الملف ثم تشكيل لجنة تحقيق للوقوف على أسباب وحجم الكارثة في ظل غياب معايير البناء و إحالة المتهمين الى العدالة ،مما يشير الى واقعيته فى تفادى العقبات وانتهاجه سياسة تعتمد على بعد النظر في طريقة التعامل مع المشكلات الطارئة . محطات .. فى حياة "أويحيى ": شهدت مدينة بوعدنان في منطقة القبائل الصغرى بالجزائر ميلاد أحمد أويحيى فى 2 يوليو 1952 م ، وبعد تخرجه من المدرسة الوطنية للإدارة عام 1975 و حصوله على دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية بالجزائرِ، عمل في السلك الدبلوماسي حيث برزت موهبته الإدارية الدبلوماسية في أوساط الأممالمتحدة حينما شارك في معالجة ملف الصحراء الغربية من خلال المفاوضات السلمية. وأثناء توليه منصب سفير الجزائر في مالي ،ساهم في توقيع اتفاق السلام بين حركة الطوارق المتمردة والسلطات الحكومية المالية، ثم عين وزيرا مكلفا بالتعاون والشئون المغاربية عام 1993 ثم مدير ديوان الرئيس الجزائرى الأسبق الأمين زروال، الذي عينه رئيسا للحكومة بين عامى 1995 و1998 ، وكان أويحيى وقتها أصغر رئيس للوزراء في الجزائر نظراً لأن عمره لم يتجاوز 43 عاما . وفي عام 1999 انضم إلى التحالف المساند للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأصبح أويحيى وزير العدل بدءا من 1999 حتى 2002. وتولى منذ عام 2003 الأمانة العامة للتجمع الوطني الديموقراطي (الليبرالي) العضو في التحالف الرئاسي الذي يتمتع بالغالبية المطلقة في البرلمان الجزائري. ثم عين رئيسا للوزراء مرة ثانية في مايو/ أيار عام 2003 في أعقاب أزمة سياسية بين الرئيس بوتفليقة ورئيس الحكومة انذاك علي بن فليس أدت الى اقالة " بن فليس".وقدم أويحيى استقالته في اواخر مايو/ايار 2006 إثر انتقادات شديدة من جبهة التحرير الوطنية والحركة الاجتماعية من أجل السلام المتحالفين مع حزب التحالف الوطني من أجل الديمقراطية ،و جاءت استقالته بعد سلسلة من المظاهرات ذات الطابع الاجتماعي، اندلعت بسبب مخاوف الشعب من أن تؤدي سياسة الخصخصة التي انتهجها إلى ارتفاع نسبة البطالة . وأخيراًً عاد احمد أويحيى إلى قصر "الدكتور سعدان" الذي غادره نهاية مايو 2006 لتولي شئون الحكومة خلفا لعبد العزيز بلخادم فى 23 يونيه / حزيران 2008 للفترة الثالثة. سياساته ومواقفه : و خلال فترتى رئاسته السابقتين للحكومة لم ينسحب من المشاركة فى الحياة السياسية رغم مواجهته اضرابات متكررة نظمتها بعض الفئات مثل المدرسين والاطباء والبيطريين والعمال بسببب عدم شعور كثيرمن الجزائريين بالرضا عن ظروف المعيشة ، وتعبيرا عن رفضهم لاستمرار برامج الخصخصة التي كان مصراً على تنفيذها بحجة أنها تهدد استقرارهم الوظيفى بينما قاوم "أويحيى" دعوات عدد من رجال السياسة ووسائل الاعلام والنقابات العمالية لرفع الأجور مبررا موقفه بأن المناخ الاقتصادي لم يتهيأ بعد لذلك..فقد تحدى اويحيى ، المعروف بآرائه الليبرالية في المجال الاقتصادي والمؤيد لاقتصاد السوق، الرأي العام الجزائري عندما خفض نسب الدعم وامر باقتطاع مبالغ من رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام المنتج لتسوية الرواتب غير المدفوعة لموظفي المؤسسات العامة التي تعاني عجزا مزمنا. وقد اقتطعت هذه المبالغ التي قللت شعبيته بينما كانت الجزائر تواجه أزمة اقتصادية ومالية ثم أعيدت في وقت لاحق. كما واجه اويحيى الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي كان يرفض سياسة الخصخصة التي يطبقها. واضطر الى الاستقالة في 1998 بضغط من المعارضة ثم اعاده الرئيس بوتفليقة رئيسا للحكومة في 2003،واعد وقتئذ برنامجا واسعا لانعاش الاقتصاد بلغت تكلفته نحو 150 مليار دولار مستثمراً ارتفاع اسعار النفط الذي اتاح للجزائر استعادة استقرارها المالي بعدما شهدت حالة شبه افلاس في منتصف التسعينيات.وطبق أويحيى أيضا سياسة السداد التام للدين الخارجي للجزائر الذي انخفض من 16 مليار دولار في 2006 الى 600 مليون في 2008. ويتبين من استقراء الخطاب السياسي لأويحيى حسب رأى محللين انتقاده للأحزاب ذات التوجه الإسلامي باعتبارها من وجهة نظره خطرا يهدد استقرار البلاد ، وعلى جانب اخر يتخذ أويحيى مواقف صريحة تطالب بإعادة النظر في الأسس التي تقوم عليها المنظومة التربوية وتبني مناهج تعليمية أكثر تطورا ، مع التمسك بالقيم الليبرالية في العملية التنموية. اراء المحللين : يرى بعض المحللين أن قيام الرئيس الجزائرى بتعيين "أويحيى "رئيسا للحكومة خلفا لعبد العزيز بلخادم يستهدف مسايرة مرحلة جديدة تمر بها البلاد، على المستويين السياسي و الاقتصادي، إذ تسعى الجزائرلتحقيق إصلاح اقتصادى وقامت بخطوات لخصخصة البنوك وشركات اخرى لكن الروتين الحكومي والبيروقراطية والفساد لا تزال تشكل عقبات رئيسية امام جذب المستثمرين الأجانب. ويفسربعض الخبراء وأساتذة العلوم السياسية تعيين "أويحيى" لقيادة فريق العمل الحكومى بأنه مؤشرعلى أن "بوتفليقة "يسعى لتقوية جانبه قبل اتمام خطوات سياسية مثل تعديل الدستور واجراء انتخابات الرئاسة حيث سبق لاويحيى بصفته أمينا عاما لحزب التجمع الديمقراطي أن أكد دعمه لتعديل الدستور وترشيح رئيس الجمهورية لفترة ثالثة لمواصلة برنامج الإصلاح الاقتصادي واستتباب الأمن من خلال دعم سياسة المصالحة الوطنية ومكافحة الإرهاب . ويرون أن التعديل الوزاري يمكن أن يتيح الفرصة للرئيس "بوتفليقة" لاعادة انتخابه لمنصب الرئاسة اذا عدل الدستوربحيث يسمح له بفترة ولاية ثالثة فى نيسان/ابريل 2009 ، خاصة أن بوتفليقة يعتقد أن الدستور الجزائري لا يناسب احتياجات مجتمع يحاول تجاوز تداعيات موجة عنف مسلح استمرت أكثر من عشر سنوات منذ الغاء الانتخابات المحلية والبرلمانية التي فازت بها الجبهة الاسلامية للانقاذ في بداية التسعينيات . ومن جهة اخرى ،يمكن أن يساعد اعتلاء أويحيى للحكومة في التعجيل ببرامج الخصخصة المؤجلة خاصة أنه أعلن اعتزامه تطبيق برنامج الرئيس بوتفليقة والسيرعلى نهجه بحثاً عن الاستقرار من خلال إطلاق عملية الإنعاش الاقتصادي و دفع التنمية الوطنية الاجتماعية.