كرة القدم لعبة يعشقها الجميع الصغير والكبير العامة والمثقفون أغنياء وفقراء وقد وجد فيها الكثير من الزعماء والسياسيين طريقا للوصول إلى قلوب الجماهير وقد تكون كلمات العزاء التي قدمها رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون لقائد فريق تشيلسي جون تيري، الذي أهدر ركلة ترجيح أطاحت بآمال فريقه في الفوز بكأس امم أوروبا، تعبيرا عن اهتمامه باللعبة الشعبية وإظهار تقديره للنجوم الدوليين. ولم تكن كلمات رئيس الوزراء جوردن براون الى جون تيري هي اعلان عن تعاطفه مع فريق تشيلسي، بقدر الاخذ بيد قائد منتخب انجلترا الذي عاش اياما من الاحباط بعد نهائي اوروبا. ويدرك براون العاشق للعبة الرجبي، التي كان يمارسها في شبابه لدرجة اصابته بكسر في انفه خلال احدى المباريات، ان أي تصريح بالتعاطف مع تشيلسي قد يخلق له ازمة، لان الفريق الفائز باللقب الاوروبي هو مانشستر يونايتد صاحب الجماهيرية الكبيرة بالبلاد. ولم يكن جون تيري الوحيد الذي يثني عليه جوردن براون، فقبل ذلك وقف داعما للنجم الإنجليزي ديفيد بيكام ومساندا لبقائه في صفوف منتخب انجلترا، وقد خصص براون جلسة خاصة للقاء بيكام في مبنى رئاسة الوزراء البريطانية في داونينغ ستريت تبادل خلالها الحديث مع لاعب نادي لوس أنجيلس غالاكسي عن أكاديمية بيكام، التي اسسها في لندن لتجريب الناشئين، وكذلك عن حملة إنجلترا للمنافسة على استضافة بطولة كأس العالم لعام 2018. وكثيرا ما كان يتحدث براون عن كرة القدم وقدرتها على لعب دور مهم في حياة الشبان، وانه سيعمل على تشجيع الطلاب في كافة المدارس في إنجلترا على ممارستها. ورغم تحفظ السياسيين في بريطانيا عن اعلان هويتهم وانتماءاتهم للاندية المحلية، إلا أن رموز العائلة المالكة اشتهروا بعشقهم لنادي أرسنال، وتعتبر الملكة إليزابيث الثانية من المشجعات المتحمسات للفريق اللندني، كما كانت والدتها «الملكة الأم» من المؤيدات لآرسنال أيضاً. وقد كشفت الملكة عن حبها لارسنال خلال حفل الاستقبال الذي أقامته للفريق في قصر باكنجهام، قبل عامين، وأكد المعلومة اللاعب فابريجاس الذي قال بعد المقابلة: «لقد أخبرتنا الملكة أنها من مشجعات ارسنال، وقد بدا لنا أنها تتابع كرة القدم جيدا، وكانت مفاجأة بالنسبة إلي أنها تعرفت علي». وانفتاح الاندية الانجليزية على العالم جعل بعض السياسيين السابقين يأتون للاستثمار بها من جهة، ولتلميع صورتهم من جهة اخرى، كما هو الحال مع رئيس الوزراء التايلندي السابق تاكسين شيناوترا، الذي اشترى نادي مانشستر سيتي قبل عام، سعيا في تحسين شعبيته بعد ان وجهت اليه تهم فساد خلال فترة حكمه، قبل الاعلان عن براءته. وما من مناسبة كروية كبرى الا ويتحول حفل افتتاحها او ختامها الى قمم سياسة مصغرة، كما حدث في ختام مونديال المانيا 2006 عندما اجتمعت نخبة من زعماء العالم لمتابعة الحدث الشهير. وهناك قادة يعشقون هذه الرياضة بحق، ولهم بصمات واضحة عليها سواء بالتشجيع أو الدعم المادي، وربما يكون رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني هو الاشهر بين هؤلاء القادة، فهو لا يمكن ان تلهيه هموم السياسة عن كرة القدم، التي تمثل له جزءا مهما في حياته، انه رجل ميلان الاول، ليس فقط لأنه مالك النادي، بل لأنه ايضا صانع القرار في الفريق، ولديه رؤية فنية تحظى باحترام وتقدير الجهاز الفني واللاعبين الذين يكنون له الحب. ورغم اعلان برلسكوني عن أسفه لاضطراره لترك منصبه رئيس نادي ميلان ليبدأ فترة ولايته الثالثة في منصب رئيس وزراء إيطاليا، إلا انه لن يكون بعيدا عن النادي الذي حقق تحت رئاسته منذ 22 عاما الفوز بلقب الدوري الإيطالي سبع مرات، الى جانب حصد خمسة ألقاب أوروبية من بين سبعة ألقاب أحرزها الفريق في تاريخه. وكان الفوز بلقب بطولة دوري أبطال أوروبا وكأس العالم للأندية العام الماضي هو آخر الإنجازات التي حققها الفريق تحت رئاسته. ولكن لا يمكن تجاهل ان برلسكوني استفاد من كرة القدم ايضا، فلقد كان نجاح نادي ميلان وراء اتساع شعبيته ليؤسس بعد ذلك حزبه السياسي «فورزا ايطاليا»، الذي صعد به الى رئاسة الحكومة في بلد عاشق الى حد الجنون لكرة القدم. أما البرازيل التي لا يمكن فيها فصل السياسة عن كرة القدم، فلا يمكن اغفال الدور الذي تلعبه هذه الرياضة في رفع اسهم القادة او الاطاحة بهم. لذلك لا تمر مناسبة الا ويطلب رئيس البلاد الاجتماع بنجوم اللعبة الذين يفقونه شهره دوليا. وقد ظهر الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا مرتديا زي المنتخب خلال حملة بلاده للفوز بتنظيم مونديال 2014، كما ان كلماته للاعبين قبل مونديال 2006 اظهرت كم هو مهتم بكرة القدم، حيث قال: «سوف أجلس أمام التلفاز لمشاهدتكم وتشجيعكم مع كل افراد الشعب، وسوف تكون انتصاراتكم طريقنا للقضاء على الفقر والمرض بالبلاد». لكن دا سيلفا يدرك ايضا ان التعرض بالنقد للنجوم من الممكن ان يؤثر على شعبيته، كما حدث عندما انتقد رونالدو بان وزنه أصبح زائداً، الأمر الذي دفع النجم الشهير إلى الرد عليه بالتوقف عن التصريحات السخيفة، وجاء هذا الرد القوي من لاعب على رئيس دولة كتعبير عن مكانة كرة القدم في البرازيل. والامر لا يختلف في الارجنتين التي كان رئيسها السابق كارلوس منعم مغرما بكرة القدم، الى درجة انه يبحث كل صغيرة وكبيرة في شؤون المنتخب بنفسه، وعرف بصداقته للنجم الاسطوري دييغو مارادونا، حيث كان يقوم بدعوته إلى القصر الرئاسي في الكثير من المناسبات السياسية والاجتماعية، وحتى على المستوى الأسري، كما شوهد في اكثر من مناسبة يستعرض مهاراته مع اللاعب الشهير. واستفاد منعم كثيرا من دعم مارادونا حينما كان يواجه ازمات محلية، وعندما تخلى عنه النجم الشهير متحدثا عن المشاكل والأزمات في الأرجنتين خسر معركة الرئاسة. ولا يستطيع الفرنسيون اغفال دور الرئيس السابق جاك شيراك الداعم لكرة القدم والمشجع المتحمس لمنتخب بلاده، لقد كان يحرص دائما على حضور مباريات المنتخب متخليا عن كل القيود والبروتوكولات السياسية يصرح فرحا كما ظهر عندما توجت فرنسا بطلة للعالم عام 1998، والقبلة التي طبعها على صلعة الحارس الشهير فابيان بارتيز بعد حفل الختام، كما كان الرئيس الفرنسي السابق داعما لنجم بلاده الاسطورة زين الدين زيدان في قضيته عندما نطح الاخير المدافع الإيطالي ماركو ماتيراتزي خلال المباراة النهائية لمونديال ألمانيا 2006. وكان زيدان ايضا من اكبر الداعمين للرئيس شيراك خلال حملته الانتخابية عام 2002 في مواجهة الزعيم اليميني لوبان. حتى على مستوى القيادات النسائية استفادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من عشقها لكرة القدم عندما كانت تتجول في الملاعب مساندة لمنتخب بلادها في نهائيات كأس العالم الماضية، فكانت المحصلة زيادة شعبيتها، وهي تكرر الامر الان بالاعلان عن دعمها للفريق المتوجه الى امم اوروبا لخوض منافسات البطولة الاسبوع المقبل.