بعد ما يقرب من سبعة شهور عجاف ، قبع خلالها رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية رهين السجن الكبير قطاع غزة المحكم الإغلاق من قبل إسرائيل ، وجد هنية نفسه بإزاء حرية مباغتة هبت نسائمها عليه من جهة الشرق وبالتحديد من الجانب المصري من الحدود مع هذا القطاع المحاصر. فمنذ فجر الأربعاء قبل الماضي ، حين تدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين علي مصر، مغتنمين فرصة سماح القيادة المصرية لسكان قطاع غزة المحاصرين بالدخول إلي مدن سيناء للتزود باحتياجاتهم الضرورية ، نعم هنية بأيام من الحرية ربما لم ينعم بها من قبل. وعلي الرغم من أن هنية لم يكن من بين أعضاء وفد قيادات حماس الداخل الذي وصل القاهرة الأربعاء الماضي لإجراء محادثات بشأن الوضع علي الحدود خلال الفترة المقبلة ، إلا أن ذلك لا يقلل علي الإطلاق من أهميته كأحد قيادات ما يمكن أن يسمي بجناح الحمائم في تلك الحركة التي تسيطر علي قطاع غزة. وبعد غياب غالبية وجوه الحرس القديم ، جرت مياه كثيرة في نهر حماس ، حيث باتت الحركة أكثر ميلا للمشاركة في العملية السياسية في الأراضي الفلسطينية . وحين قررت حماس المشاركة في أول انتخابات تشريعية تجري في الأراضي الفلسطينية بعد رحيل الزعيم التاريخي ياسرعرفات أواخر 2004 ، لم يجد قادتها في الداخل والخارج وجها مقبولا في جعبتهم خير من هنية، لقيادة قائمة التغيير والإصلاح التابعة للحركة ، والتي حققت من خلالها نصرها الساحق والمفاجئ في آن واحد في انتخابات يناير 2005. وهكذا أصبح إسماعيل عبد السلام أحمد عياش هنية أول رئيس حمساوي للحكومة الفلسطينية ، تلك الحكومة التي لم تضم في تشكيلتها الأولي سوي وزراء من حماس ومن المستقلين المقربين للحركة ، قبل أن يعاد تشكيلها في فبراير من العام الماضي إثر توصل حركتي فتح وحماس إلي اتفاق مكة للمصالحة الوطنية ، بما سمح بتوزيع الحقائب الوزارية بين الحركتين إلي جانب فصائل فلسطينية أقل وزنا. غير أن الاتفاق لم يلبث أن تحطم علي صخرة الاقتتال الدامي الذي شهدته الشهور التالية ، والذي بلغ ذروته في يونيو 2007 حين سيطرت حماس عسكريا علي قطاع غزة بالكامل بعد أن ألحقت الهزيمة بقوات الأمن الموالية لفتح ، في تحرك اعتبرته السلطة الفلسطينية إنقلابا علي الشرعية . وبعيدا عن التجاذبات الداخلية التي لا تنتهي بين فتح وحماس ، يبقي هنية ، ذلك الرجل الذي عاش خلال الأيام القليلة الماضية في جنة حرية ولو وقتية بين جحيم حصارين ، نموذجا فريدا من نوعه لسياسي يبدو تصالحيا ، أراد أن يكون رمزا للوحدة الوطنية الفلسطينية ، ولكنه أصبح أحد أبرز وجوه الانقسام ، الأكبر والأفدح من نوعه ، في التاريخ الفلسطيني المنكوب والمخضب بالدماء.