إذا تطرقت في الحديث إلي أي شأن من شؤون الرئيس أو الملك فاعلم أنك مقبل علي موضوع محصن بكمية وفيرة من المحظورات والخطوط الحمراء انطلاقا من أن خصوصيات الرئيس أو الملك هي الوجه الآخر لأسرار الدولة، والكشف عنها يبوح بمدي الفساد والتربح واستغلال امتيازات الكرسي في أي دولة.. ومفتاح اللغز يكمن في «ثروة الكبير»!! ومن منطلق فلسفة «فوربس» حول هذه القضية الشائكة نشرت المجلة في 5 مايو الجاري تقريرا مفصلا تحت عنوان «ثروات الملوك والملكات والديكتاتوريين».. وصوبت المجلة سهامها هذه المرة إلي الرئيس الكوبي فيدل كاسترو عندما أثارت غضبه الشديد بعد إشارتها إلي أن العجوز الشيوعي يرقد فوق ثروة ضخمة تقدر ب 900 مليون دولار ليحتل المركز السابع بين أول 10 زعماء دوليين ذوي المراكز الواسعة والثروات الهائلة. وتحت شعار: «ممنوع الحديث عن ثروات الحكام العرب».. كشفت «فوربس» في 2007 عن مراكز الزعماء العرب في الترتيب العالمي للأثرياء وسط تعتيم كامل علي إعلان الأسماء والاكتفاء ببعض التلميحات والإشارات الضوئية يفهم منها المرء من المقصود.. وتصدر القائمة شيخ عربي قدرت ثروته ب 21 مليار دولار، وآخر من العرب ايضا تقدر ثروته بحوالي 19 مليار دولار، وفي المرتبة الثالثة حاكم عربي بلغت ثروته نحو 16 مليار دولار، ويتقاسم الثروة مع 2 من إخوته، بينما يمتلك زعيم مغاربي ما قيمته 2 مليار دولار. ومع النظر إلي هذا الملف المثير باعتباره مادة خصبة لصحفيي التحقيقات والتقارير الإخبارية فضلا عن كتاب الأعمدة في أي جريدة، نكتشف واقعة أخري بطلها الكاتب الأمريكي مايكل روبن الذي كتب تقريرًا نشرته صحيفة «هاولاتي» الكردية حول ثروة الزعيمين الكرديين جلال الطالباني ومسعود البارزاني، وكشف عن ثروة للأول تقدر ب 400 مليون دولار، بينما يمتلك الآخر نحو ملياري دولار. ويبدو أن خزانة الزعماء العرب بكل أسرارها وثرواتها المدفونة كانت محط أنظار واحدة من كبري صحف الولاياتالمتحدة في مطلع 2002، حيث ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية ان ثروة الرئيس العراقي السابق صدام حسين تجاوزت 7 مليارات دولار. كما تناولت تقارير أجنبية أخري قصة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع الأوراق الخضراء عندما أشارت إلي امتلاكه 5 مليارات دولار موزعة في بنوك زيوريخ وجنيف ونيويورك باسم عرفات شخصيا. وانضمت صحيفة «صنداي تليجراف» البريطانية إلي قائمة البحث والتنقيب عن ثروات العرب ليتبين أن الملك الراحل الحسين بن طلال يمتلك 17 مليار دولار، فيما ترك رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري لورثته ثروة قوامها 21 مليار دولار. كما كشف تقرير «جروس» الذي نشرته الصحيفة عن أن ثروة الرئيس الليبي معمر القذافي 82 مليار دولار، أما جاره التونسي زين العابدين بن علي فإن ثروته تجاوزت 5 مليارات دولار، ويفوقه بنسبة الضعف ملك المغرب محمد السادس الذي ورث عن أبيه 10 مليارات دولار. إن الأرقام الفلكية التي ينعم بها الزعماء والملوك العرب تفرض علي الذهن السؤال التقليدي: «من أين لك هذا؟».. وهو سؤال يسبب صداعا مزمنا لهؤلاء الحكام لأنه يطالبهم بكشف حساب عن ممتلكاتهم وهم متربعون علي عرش السلطة.. إلا أن المتابع لهذا الملف يلمس بوضوح شفافية مصدرها قوانين محددة وصارمة لا جدل حولها علي الشاطئ الآخر من البحر المتوسط.. وعبر الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك عن هذه الشفافية المفتقدة في عالمنا العربي عندما نشر في الجريدة الرسمية لائحة ممتلكاته التي يقدّر ثمنها ب 1.4 مليون يورو، فضلا عن منزلين... وسيارة من طراز بيجو 205 عمرها 23 عاما، بالإضافة إلي قصر في كوريز، يقدّر ثمنه بنحو 620 ألف دولار، ومنزل من 4 غرف في سانت فيريول في كريز ورثه شيراك عن والدته ويقدر ثمنه الآن بنحو 72 ألف دولار. وفي لندن حقق رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير منذ تنحيه عن زعامة حزب العمال الحاكم ورئاسة الحكومة ثروة جيدة من إلقاء المحاضرات وتولي عدة مناصب استشارية، بالإضافة إلي عقد وقعه مع دار للنشر، يحصل بمقتضاه علي 5 ملايين جنيه إسترليني ثمن كتابة مذكراته عن 10 سنوات قضاها في «10 داوننج ستريت» ولعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مثال يحتذي به في هذا المجال، فعلي الرغم من أنه حكم روسيا منذ عام 1999 الا انه كشف عن جميع ممتلكاته وأمواله مع قرب تنحيه عن السلطة وكانت عبارة عن شقة صغيرة وقطعة أرض وحساب من 80 ألف دولار وهو الأمر الذي شكل مفاجأة كبيرة للجميع باعتبار ان بوتين زعيم دولة عظمي! وماذا يقول المواطن العربي إذا علم أن الكونجرس الامريكي اضطر الي رفع راتب الرئيس جورج بوش الي 45 ألف دولار شهريا بعد ان كان 20 ألف دولار؟! وربما اكتشف الكونجرس متأخرا ان راتب رئيس أكبر دولة في العالم يكاد لا يسد احتياجاته!!