وسط حقول من الألغام ، يعمل مئات الاعلاميين بمناطق التوتر من أجل تغطية اخبارية حية من قلب الميدان وفى لحظة يسعون فيها لتحقيق سبق اعلامى يتساقطون الواحد تلو الاخر ضحايا لاجواءالعنف،ويتجلى هذا المشهد المتكرر بالعراق حيث تتداعى للذاكرة تضحيات فرسان الاعلام بالعراق مع أعلان مسئول بقناة تلفزيون الفرات الأربعاء 30 يناير عن واقعة عنف جديدة راح ضحيتها طاقم من القناة مكون من مراسلة تلفزيونية ومصور ومساعده وسائقهما اثرانفجارعبوة ناسفة أثناء توجههم الى مدينة سامراء (شمالي بغداد) لتغطية أخبار حملة إعادة إعمار المرقدين العسكريين.. واصاب الانفجار السيارة التي كانت تقلهم مما أسفر عن مقتل كل من المصور علاء عبد الكريم، متزوج ولديه طفلان ،والسائق علاوة على إصابة كل من المراسلة فاطمة الحسني بجروح شديدة وحيدر جواد مساعد مصور. كما تصنف المنظمات الدولية المعنية بشئون الاعلاميين العراق كأخطر بلد على مراسلى المؤسسات الاعلامية،ورغم تضارب الاحصائيات الخاصة بعدد الضحايا من الاعلاميين الذين يتعرضون للقتل والاختطاف والابتزاز حتى يتراجعوا عن كشف الحقيقة للرأى العام إلا أنها تتفق فى مواجهة عددكبير من الاعلاميين لتهديدات تستهدف اجبارهم على التراجع عن أداء واجبهم المهنى . ويدلل على ذلك ما كشفته احصائية حديثة عن مرصد الحريات الصحفية من أن العدد الاجمالى للصحفيين الذين قتلوا منذ عام 2003 حتى الأن يصل (227) صحفيا عراقيا و اجنبيا من العاملين في المجال الإعلامي ، منهم (124) صحفياً قتلوا بسبب عملهم الصحفي وكذلك (50) فنيا و مساعدا اعلاميا ، كما تم اختطاف (62 ) صحفياً ومساعداً اعلامياً ،قتل اغلبهم ومازال (14) منهم في عداد المفقودين.وأشارت الاحصائية الى مقتل نحو(36) صحفيا و(11) مساعداً اعلاميا ً خلال العام الماضي (2007 )، بينما تم اختطاف (15) صحفياً ،قتل (6) منهم واطلق سراح (5) ولايزال (4) منهم مفقودين منذ بداية 2007حتى الأن. فى حين أعلنت منظمة حماية الصحفيين العالمية التي تتخذ من نيويورك مقراً لها أن عددالصحفيين الذين قتلوا منذ الغزو الامريكي في عام 2003 بلغ مائة وخمسة وعشرين صحفيا ،أكثرهم عراقيون حيث يصل عددهم مائة وثلاثة صحفى عراقى .أما عددالذين قتلوا في العراق العام الماضي بسبب العنف المتصاعد في البلاد ،فبلغ اثنين وثلاثين قتيلا وهي حصيلة مقاربة لنظيرتها عام 2006 . وبناءً على نتائج عملية حصرشاملة لضحايا العنف تعد الثانية من نوعها خلال أقل من عام، أعلنت جماعة "مراسلون بلا حدود" أن عدد الاعلاميين الذين قتلوا في العراق منذ غزوالقوات الانجلوأمريكية في مارس 2003 يفوق عدد الذين قتلوا على مدى عشرين عاماً من ضحايا حرب فيتنام بين عامي 1955 1975 م مما يبين أن حرب العراق هى الأكثر خطورة على حياة الصحفيين منذ الحرب العالمية الثانية عام 1945م. ومايثير القلق سواء على حياة الاعلاميين أو على امكانية مواصلة دورهم المحفوف بالمخاطر من أجل خدمة اعلامية متميزة أن معظم حوادث القتل والاختطاف لم تخضع لتحقيقات معمقة ، رغم المطالبات المتكررة لمرصد الحريات الصحفية , بأن تعمل الحكومة العراقية على اجراء التحقيقات اللازمة للكشف عن الجرائم التي ترتكب بحق الصحفيين .. أشهر الضحايا : وكلما فقد الاعلاميون ضحية جديدة ، تتداعى للذاكرة أسماء زملائهم الراحلين ومن أبرزهم الاعلامى طارق أيوب مراسل قناة الجزيرة الذى قتل فى هجوم صاورخي امريكي على مكتب الجزيرة في بغداد في الثامن من أبريل 2003،الأمر الذى شكل كارثة لأسرته حيث ترك أرملة وطفله يتيمة عمرها سنتان. وفى العام نفسه ،اغتيل صحفى آخر أوكراني يعمل مع وكالة رويترز وثالث يعمل مصورا مع قناة تيلي ثينكو الإسبانية ،يدعي خوسي كوسو،وذلك في قصف استهدف مواقعهم بالعاصمة العراقية . ويعد المصور الصحفي الاسترالي بول موران الذي يعمل بتلفزيون "إيه. بي. سي" من أوائل الاعلاميين الاجانب الذين قتلوا في العراق، حيث لقى مصرعه بانفجار سيارة في مارس 2003 تلاه عشرة صحفيين ومساعدين اعلاميين قتلوا في العام نفسه. وخلال عام 2005 قتل 28 إعلامياً في العراق مقابل نحو 32 خلال عام 2006 . ومن أشهر الاعلاميات اللواتى ضحين بحياتهن فى سبيل تغطية اخبارية حية لأضطرابات العراق، الاعلامية أطوار بهجت مراسلة قناة العربية التي تم اغتيالها يوم 22 فبراير عام 2006 . من يحمى الصحفيين بالعراق؟ توجد عدة اتفاقيات دولية بهذا الشأن،ولكن هل تنفذ على أرض الواقع ..فوفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949،فالقوات الأمريكية ملزمة بحماية أرواح الأبرياء ومن ضمنهم الصحفيون، وكذلك تؤكد المادة 19 من الإعلان العالمي للحقوق الإنسان على حرية الصحافة, وحتى الدستور العراقي يؤكد على حرية الصحافة, كما تم توقيع اتفاق بين لجنة حماية الصحفيين الدولية ووزارة الدفاع الامريكية ( البنتاجون ) ، نصت على تعهد الجيش الأمريكي بتعجيل النظر بقضايا الصحفيين المحتجزين واطلاق سراحهم خلال (36) ساعة فقط . وفى هذا الاطار،أعلن مؤخراً السيد إبراهيم السراج رئيس الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين في العراق أن الصحفيين الآن في مهب الريح.. مشيرا الى وجود اجراءات وآلية مناسبة لحماية الصحفيين باعتبار الصحافة سلطة رابعة إلى جانب السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ،ومن ثم يجب أن تتوفر للصحفي الحصانة والحماية التى يحظى بها النواب والوزراء,ومن أبرزها اجراء تحقيق مكثف حول هذه الجرائم لمعرفة تفاصيل الجرائم ومن الجهة المسئولة عنها ؟.. لكن هذا لم يحدث سوى فى 6حالات فقط مشيرا الى وجود صندوق للشهيد لتعويض ضحايا أعمال العنف . وتتنوع الاعتداءات التى يتعرض لها الاعلاميون بالعراق مابين قتل واغتيال ، واختطاف ،واعتقال، واعتداء على مؤسسات اعلامية ومن النماذج البارزة لها: قتل واغتيالات - قتل عبد شاكر الدليمي مصور صحفي حر يعمل مع وكالة رويترز على ايدي مسلحين مجهولين في مدينة البصرة في 3 مايو 2006.ورغم أن علي جعفر صحفي رياضي لدي قناة العراقية الا أنه قتل على ايدى مسلحين مجهولين في بغدادفي31مايو2006. وكذلك تم اختطاف أسامة قادر المصورالصحفيً لقناة ( فوكس نيوز ) الامريكية من قبل مسلحين مجهولين قتلوه بعد أن إختطفوه من شمال العاصمة بغداد في يونيه 2006 .كما واجه حسين الزبيدي محرر صحيفة الاهالي الاسبوعية العراقية المصير نفسه بعد اختطافه في بغداد في 28 فبراير 2007 . عمليات اختطاف فى اكتوبر 2006، تم اختطاف محمد عبد الرحمن مذيع الاخبار في راديو دجلة من غرب بغداد. وفى يناير2007،تعرض احمد هادي(28عاماً) مراسل ومصور وكالة الاسوشيتد برس ( مكتب بغداد ) لعملية اختطاف من مكان قرب منزله في منطقة الدورة جنوب بغداد ، ثم عثرعلى جثته بعد مرور اسبوعين. وفى الشهر نفسه ،اقتحم مسلحون مجهولون منزل الصحفي كريم صبري شرار الربيعي ،وتم اقتياده تحت تهديد السلاح الى جهة مجهوله ..أيضا اختطف مخرج بتلفزيون " النهرين " بعد خروجه من مقر التلفزيون حيث انقطع الاتصال به ،وعثرعلى جثته بعد يومين من اختطافه . اعتداءات و اعتقالات وفى عام 2006،تم اعتقال كلشان البياتي مراسلة صحيفة" الحياة" اللندنية في مدينة تكريت بعد أن داهمت قوة عراقية امريكية مشتركة منزلهافي منطقة الزهور وسط مدينة تكريت وصادرت اجهزة الحاسوب التي تمتلكها اضافة الى مصادرة اوراق لمواضيع صحفية خاصة بعملها . ثم اعتقلت مرة ثانية من قبل قوات الجيش العراقي ،بعد ان ذهبت لاستلام اجهزة الحاسوب الخاصة بها والتي تمت مصادرتها عند اعتقالها في المرة الاولى . كما أعلن ممثل مرصد الحريات الصحفية أن الشرطة في مدينة سامراء ،اعتدت بالضرب فى مايو 2007 على عدد من مراسلي الصحف والفضائيات واعتقلتهم بسبب اتهامهم بالتورط فى عملية انفجار سيارة مفخخة موضحا أن وجود المراسلين في موقع الأنفجار كان مصادفة لإعداد تقارير إخبارية عن اسباب حظر التجوال في المدينة قبل ان يتم اعتقالهم ويطلق سراحهم بعد 4 ساعات إثرقيام ضابط في الشرطة الامريكية بفحص أشرطة المراسلين وتحققه من انها قديمة ولاعلاقة لها بالانفجار . وفى محاولة لمواجهة هذه الانتهاكات التي أصبح جميع الصحفيين بدون استثناء ضحية لها ،يوصى مرصد الحريات الصحفية بعدة مطالب ، من أبرزها : 1-اعادة النظر في المواد المانحة للحريات في الدستور العراقي وتضمينها عبارات صريحة وواضحة عن حرية التعبيرعبر وسائل الاعلام والاتصال بكل اشكالها واتجاهاتها ورعاية الاعلام المستقل وحماية الصحفيين من الانتهاكات بكل انواعها , والتأكيد بنص صريح أنه لايجوز للبرلمان أو اية سلطة اخرى تشريع أي قانون ينتقص من حرية الرأي والفكر ويقيد حرية وسائل الاعلام تحت مختلف الظروف طبقا للاتفاقيات العالمية لحقوق الانسان. 2- يتحمل مجلس النواب العراقي والحكومة العراقية والجهات القضائية المسئولية القانونية والاخلاقية لحماية الاعلاميين وتوفير الظروف الامنة لممارسة عملهم بحرية كاملة وملاحقة الارهابيين الذين تورطوا في قتل الاعلاميين وتقديمهم للعدالة مع الغاء تلك العبارة غير المسئولة والتي تنسب اليها المئات من حالات الاختطاف والقتل وهي " جهات مجهولة" مع ضرورة ضمان حياة كريمة لأسر الضحايا . 3-تتحمل المنظمات الدولية وعلى رأسها الاممالمتحدة والمنظمات المعنية بالصحافة توفير الحماية والتدريب المهني للصحفيين العراقيين في اطار الدعم الدولي لوسائل الاعلام بالعراق وممارسة الضغط على الجهات الحكومية والكيانات السياسية والقوات متعددة الجنسيات ، لحمايتهم من الانتهاكات المختلفة التي يتعرضون اليها . 4-أهمية اشراك الاعلاميين في وضع المواد الاساسية للقوانيين والتشريعات الاعلامية الضامنة لحريتهم وحقوقهم و ذلك بالمشاركة مع اللجان المعنية في مجلس النواب. 5-قيام المنظمات الدولية بتخصيص جوائز قيمة للاعلاميين العراقيين وخاصة الذين تميزوا بتضحياتهم ومواقفهم أو تفردوا بعمل اعلامي يتميزبالكفاءة والابداع لدعم حرية الصحافة وتقديرالمناضلين من أجل الحقيقة .