فى ظل تهاوى الدولار واستمرار تصاعد معدلات التضخم تسعى دول الخليج العربية المنتجة للنفط إلى حل خلافاتها بشأن مشروع الوحدة النقدية لتجنب تحركات منفردة لرفع قيم العملات. فقد أثارت سلسلة من التصريحات المتباينة تكهنات بأن الامارات العربية المتحدة وقطر قد تتحركان بشكل منفرد باتجاه اصلاح العملة كما فعلت الكويت عام 2007 حين قامت بفك ربط عملتها بالدولار في مايو/ ايار قائلة ان هبوط الدولار في الأسواق العالمية يؤدي إلى رفع معدل التضخم عن طريق زيادة كلفة الواردات. الامر الذى دفع حكام دول مجلس التعاون الخليجي الست الى تكثيف دعواتهم لاستكمال مشروع الوحدة النقدية في موعده النهائي المقرر في عام 2010 والذي تعثر بسبب عقبات، بالاضافة الى رغبتهم في إبطاء المضاربات على عملاتهم. وتسريع خطى انشاء سلطة نقدية اقليمية سيمهد الطريق أمام الدول التي تنتج خمس النفط العالمي لاصلاح سياسة ربط عملاتها بالدولار بشكل مشترك في الوقت الذي تشهد فيه اقتصادات الخليج ازدهارا ويقترب الاقتصاد الامريكي من حالة ركود. من جانبه قال مشتاق خان الخبيرالاقتصادى في "سيتي جروب" بعد ان اتفق محافظو البنوك المركزية الخليجية الاسبوع الثانى من ابريل 2008 على اعطاء دفعة جديدة للوحدة النقدية ان الحلول المنفردة لاصلاح العملات لم تعد مطروحة الآن. وأضاف ان التركيز على الموعد النهائي في 2010 هو اظهار للوحدة وان أحدا لن يشق الصف حتى اذا لم يسفر المشروع عن اصدار عملة موحدة بحلول الموعد النهائي. وكاد مشروع الوحدة النقدية يخرج عن مساره بعد ان فكت الكويت ربط عملتها بالدولار في مايو/ ايار 2007 بعد اشهر قليلة من قرار سلطنة عمان انها لن تنضم لخطة الوحدة النقدية. وبدأت المراهنات على رفع قيم العملات في التركيز على دلائل على ان دول الخليج التي اتفقت على الإبقاء على ربط عملاتها بالدولار لحين تحقيق الوحدة النقدية اختلفت في الرأي مع تراجع قيمة الدولار بنسبة نحو 20 % أمام اليورو في الستة عشر شهرا الاخيرة. وقال صناع قرار منهم محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي حمد السياري عام 2007 انه من الصعب الالتزام بالموعد النهائي مع تباين الآراء بشأن كيفية التعامل مع ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض الدولار. لكن محافظي البنوك المركزية الخليجية خرجوا من الاجتماع الذى عقد في العاصمة القطرية الدوحة فى الاسبوع الثانى من ابريل 2008 وهم على ثقة من ان الصعوبات الفنية الكبرى التي تواجه المشروع قد تم التغلب عليها. وتجدد الاهتمام بإعادة مشروع الوحدة النقدية الى مساره أمر حيوي لفهم تغير الموقف من اصلاح عملات الخليج، فأي عمل منفرد آخر من جانب دولة خليجية واحدة كفيل بالقضاء على المشروع برمته. لكن كلما تأخر اصدار العملة الموحدة زادت الضغوط على دولة مثل قطر لرفع قيمة عملتها بشكل منفرد، وتقول قطر ان نسبة 40 % من التضخم الذي اقترب من أعلى مستوياته على الاطلاق ليسجل 13.7 % يرجع الى ضعف قيمة العملة. ودفع واضطر ربط العملات بالدولار دول الخليج التي تزدهر اقتصاداتها بسبب ارتفاع سعر النفط الى خمسة أمثاله منذ عام 2002 الى اتباع تخفيضات أسعار الفائدة الامريكية منذ سبتمبر/ أيلول 2008 مما دفع التضخم للارتفاع. واشارت الكويت الى التضخم المستورد كمبرر لفك ربط عملتها بالدولار في مايو2007 ، وسمحت للعملة منذ ذلك الحين بالارتفاع بنسبة نحو 9 % امام العملة الامريكية، لكن الاصلاح في دول خليجية أخرى يواجه مصاعب سياسية. فالسعودية صاحبة العدد الاكبر من السكان شهدت عجزا في الميزانية في التسعينات من القرن الماضي وتخشى أن يؤدي رفع قيمة العملة الى خفض القيمة بالعملة المحلية لعائدات النفط المقومة بالدولار. ويشعر جيرانها الاصغر حجما والاكثر ثراء بالقلق بدرجة أكبر من الاضطرابات التي يثيرها تراجع الدولار بين قوة العمل التي يهيمن عليها المغتربون. وتقول كارولين جرادي الاقتصادية في "دويتشه بنك" والتي مازالت مقتنعة بأن الامارات وقطر سترفعان قيمة عملاتهما خلال عام 2008 "انهم يفضلون اتخاذ اجراء جماعي لكن مصالحهم مختلفة في نهاية الامر." لكن الامارات وقطر قد تحجمان عن شق الصف مع السعودية أكبر اقتصاد عربي وأقوى مؤيد لربط العملة بالدولار والتي ابقت على سعر صرفها دون تغيير منذ عام 1986. ووجه محافظ بنك الامارات المركزي سلطان ناصر السويدي دعوة منفردة لاصلاح العملة في نوفمبر 2007 مما أثار تكهنات بأن الامارات قد تغير سياستها بشكل منفرد، الامر الذى دفع سعر الدرهم الاماراتي الى أعلى مستوياته في خمس سنوات والريال السعودي الى أعلى مستوياته في 21 عاما. ومنذ ذلك الحين عاد السويدي للصف قائلا ان أي اصلاح للعملة سيكون خطوة خليجية مشتركة. وحتى أكبر مناصري الاصلاح في الخليج يقولون دائما انهم لا يفضلون العمل بشكل منفرد. من جهة اخرى قال رئيس وزراء قطر في فبراير 2007 ان اغنى دولة في الخليج من حيث نصيب الفرد من الدخل تدرس اصلاح العملة لكنه اوضح انه يفضل ان تسرع دول الخليج خطى الوحدة النقدية. وكان استمرار انخفاض الدولار وخفض الفائدة الامريكية قد رجح كفة الاصلاح الجماعي حتى قبل اصدار العملة الموحدة المستبعد طرحها قبل 2010. وحتى ذلك الحين تحاول حكومات الخليج الدفاع عن الربط بكل الطرق الممكنة من رفع متطلبات احتياطيات البنوك لامتصاص السيولة الى طرح مجموعات من اجراءات الرعاية الاجتماعية لاسترضاء السكان المحليين. وفي السعويدية حيث زاد التضخم الى مثلية تقريبا في ستة أشهر حتى فبراير ليبلغ 8.7 % أعلن عن علاوات غلاء معيشة ودعم للغذاء وخفض الرسوم الجمركية على الواردات للتعويض عن أثر التضخم على السكان البالغ عددهم 25 مليون نسمة. وفي حين تراجعت مراهنات المستثمرين الاسبوع الثانى من ابريل 2008 على اصلاح وشيك في العملات اشارت الأسعار الآجلة للريال القطري، والدرهم الاماراتي الى احتمال ارتفاع الاول بنسبة 7.5 % والثاني بنسبة 4.9 % خلال عامين. (رويترز)