في ميدان الفروس حيث قلبت دبابة أمريكية تمثالا لصدام حسين أمام كاميرات العالم يوم 9 أبريل من عام 2003، يقف الآن تمثال جديد. إنه نصب غريب الشكل من الجبس الأخضر وغير واضح المعالم، وهو إهداء للحرية حيث يرمز إلى الأمل ونهري دجلة والفرات والحضارتين السومرية والإسلامية. لكن المحصلة كانت مسخا يرمز أكثر للفوضى التي يغرق فيها العراق منذ تحريره. إن المناخ هذا العام في بغداد أقل توترا من ربيع 2007. فبعد عام من قرار جورج بوش إرسال قوات إضافية، تم القضاء بشكل كبير على الحرب الطائفية التي اندلعت بين كتائب الموت الشيعة والقاتلين السنة. وقد نجح إرسال قوات إضافية في تخفيض مستوى العنف في المدينة. لا زالت نقاط التفتيش المنتشرة تعوق حركة المرور، والجدران الأسمنتية تنتصب أمام مخافر الشرطة والفنادق لحمايتها من السيارات المفخخة، إلا أن رجال الشرطة أصبحوا يسيرون في الشوارع مكشوفي الوجه بعد أن كانوا في السابق ملثمين. المتاجر مفتوحة في العديد من أحياء بغداد وحركة الأسواق نشطة، و بعض السيدات يجرؤن على الخروج مكشوفات الرأس، ومناخ عام من الارتياح يسود الأجواء. مع كل هذه التحسنات، الحياة أبعد من أن تكون قد عادت إلى طبيعتها، فالمواطن العراقي يتجنب الخروج بمفرده، ويحرص على ألا يبعد عن منطقته السكنية، ولا يثق المرء إلا في ذويه.ما يبعث الآن على القلق هو عودة حصيلة العنف للزيادة منذ شهرين في بغداد. لكن المعارك لم تعد بين الأمريكان والمتمردين السنة ولا بين القاتلين السنة والشيعة، فلسخرية القدر، بات القتال يمزق أوصال الشيعة الذين انقسموا إلى فصائل متناحرة، مع أنهم أكثر المستفيدين من سقوط صدام حسين. المواجهات بينهم تدور بصفة أساسية في أطراف بغداد، وأصبحت منافذ الدخول إلى مدينة الصدر مسدودة، وهي المدينة التوأم لبغداد التي تختنق شوارعها بأكوام القمامة و يسكنها بين اثنين وثلاثة ملايين شيعي. الزعيم الشيعي مقتدى الصدر هو الذي يقود آخر قوة منظمة ضد القوات الأمريكية. وقد وافق على تأجيل المظاهرات التي كان سينظمها بمناسبة مرور خمسة أعوام على سقوط بغداد، لكنه هدد في تصريح له على الانترنت بإلغاء تعليماته التي أصدرها لقواته بتجميد المعارك. إن مقتدى الصدر قادر على إشعال العراق، حيث يتمتع بتأييد شريحة عريضة من الشيعة.