تعرف الساحة السياسية الكويتية حركية ونشاطا لا نظير لهما، بفضل التحركات العمودية والأفقية التي يقوم بها سواء النواب السابقون المرشحون للانتخابات البرلمانية المقبلة أو المرشحون الجدد على مستوى مختلف الدوائر الانتخابية الخمس، وذلك بعد قرابة أسبوعين من حل سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد لمجلس الأمة، على الرغم من عدم صدور مرسوم استدعاء الناخبين لحد الساعة، غير أن الملاحظ هو أن وتيرة السباق بين المرشحين والمرشحات اللواتي أبدين نيتهن في الترشح، متباينة تماما. فبينما سارع المرشحون إلى إقامة مقار انتخابية وحجز أماكن لنصب خيام للقاء الناخبين، وبينما اعتلت صور بعضهم صدر الصفحات الأولى للجرائد اليومية وعناوين النشرات الإخبارية في القنوات التلفزيونية الكويتية إيذانا ببدء حملاتهم الانتخابية المسبقة، فلا يزال حضور النساء المرشحات لانتخابات 17 مايو محتشما جدا، بعد أن فضلت دخول غمار المعركة الانتخابية مرشحة مستقلة، ذلك أن قوائم الليبراليين رفضت تواجد بعضهن إلى جانب المرشحين الرجال . أمام المرشحة الكويتية العديد من التحديات ولعل أبرزها مواجهة تحدي المال، فمن شأن المال السياسي أن يقلب كفة الموازين ومن شأنه أيضا أن يحد من طموح المرشحة، ذلك أن جولة في البلاد تكشف انحسار تواجد المرشحات وضعف إمكاناتهن مقارنة بالمرشحين، الذين تظل الأموال التي تغطي تكاليف حملاتهم الدعائية مثار العديد من التساؤلات. قررت هذه المرة أن اطرح سؤالا حول ما دور المال في اللعب بنتائج الانتخابات البرلمانية وان كانت المرشحات الكويتيات ضحية له أو لنقل ضحية لأقدارهن؟ لم يقتصر حديثي مع النساء هذه المرة، فالموضوع اكبر من أن يخص المرأة لوحدها وأوسع أيضا لأنه سيجعل مجلس الأمة المقبل حكرا على من يدفعون أكثر، لكن أكثر ما يثير استغرابي كل مرة وحتى هذه المرة التي تجولت فيها في الجمعية التعاونية «القرين» بالدائرة الانتخابية الخامسة، هو تحفظ من أتحدث إليهم عن ذكر أسمائهم، فكلما تعلق الأمر بمناقشة مسألة تعنى بالانتخابات البرلمانية، يفضل من أحدثهم أن يتكلموا من وراء ستار. المرشحات عاجزات يقول أبو فايز: ليس للمرشحات أي فرصة للفوز بالانتخابات البرلمانية المقبلة، فالصراع سيحتدم لا محالة بين اقدر المرشحين على مستوى كل دائرة انتخابية، وأضيفي إلى ذلك العديد من العناصر الأساسية التي ستتدخل في فرز من سيتمكنون من الظفر بمقعد نيابي، ولعل أهمها تأثير القبيلة والطائفة والمال الذي سيخصصه المرشح للتمكين لنفسه على مستوى مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية.ويرى ابوفايز أن المرشحات في الكويت لا يزلن عاجزات على مستوى هذه النقطة، فبالنسبة إليه من الصعب جدا أن تتم المراهنة على مقعد نيابي من دون توفير اللازم من المال . تخوف من سيطرة المال على البرلمان وأما أم اكثم فترى ان المال ضروري جدا لتسيير العملية الانتخابية، غير أنها تتخوف من أن يسيطر أصحاب المال على مجلس الأمة القادم، فيهتمون بتحقيق مشاريعهم الاقتصادية وطموحاتهم الشخصية، على حساب المصلحة العامة، التي تستدعي بحسبها، تجنيد الجميع لخدمة الكويت، وعلى الخصوص محاربة الفساد الذي تفشى في المجتمع حتى صارت الأصوات الانتخابية في المزاد ولمن يدفع أكثر . لم تشأ أم اكثم أن تتطرق للمرأة المرشحة وموضوع المال السياسي وعلاقته بنجاحها في الانتخابات، ومبررها أن المرشحة لم تصل بعد إلى هذا المستوى، وان الطريق لا يزال طويلا ومحفوفا بالكثير من العقبات التي تحول دون وصولها إلى خط النهاية. من وين تشتري المرشحات الأصوات؟ من حيث انتهيت مع أم اكثم، فتحت أم سعدون حديثها معي عندما سألتها عن تأثير المال في نجاح المرشحة للانتخابات المقبلة، فأجابت بكل تلقائية وصراحة: «بيقولون في الديرة ان الأصوات حق اللي يدفع، وسمعنا أنهم رايحين يشتروا أصواتنا، من وين يا بنيتي تشتري المرأة الأصوات، ولو دفعت ما رايحين نصدقها». بالنسبة لأم اكثم فبيع الصوت يحتاج إلى ثقة والثقة يمنحها الرجل، في حين تعجز المرأة المرشحة عن توفير جو من الثقة حتى وان نجحت في توفير المال الكافي لشراء الأصوات أو تمويل الحملة الانتخابية والدعائية. رفض القاعدة الشعبية على الرغم من عدم ترشح أي امرأة لحد الساعة، على مستوى الدائرة الانتخابية الخامسة التي يبلغ عدد ناخبيها 94981 منهم 53129 من الإناث، لكن الاتجاه العام يؤكد أن فوزها هنا ان ترشحت شبه مستحيل بدليل ما يؤكده أبو فهد. يقول أبو فهد ان حاجز المال السياسي، لا يعني شيئا بالنسبة للمرأة المرشحة، التي بمقدورها أن توفر ما تشاء من المال إن هي استطاعت، لكن اكبر ما تواجهه المرشحة هو رفض القاعدة الشعبية لتواجدها ضمن تركيبة مجلس الأمة القادم وعلى الخصوص في المناطق المحافظة، ولعل اكبر دليل على محدودية فرص النجاح هو عدم وجود أي اسم نسوي ضمن قوائم الليبراليين، الذين يعتبرون اكبر مناصر لتحرر المرأة وهم من نادوا بإقرار حقوق المرأة وبالمساواة وغيرها من الحقوق التي تضمن للمرأة مكانة محترمة في المجتمع. لا احد ينكر أن للمال السياسي تأثيرا كبيرا على سير العملية الانتخابية، ولا احد يستطيع كذلك أن يتجاوز تأثيره على باروميتر الأصوات واتجاهات الرأي العام بخصوص احد المرشحين في الدائرة الانتخابية الواحدة، وليس بمقدور أي منا أيضا أن يتجاهل الفرق الكامن بين إمكانات المرشح والمرشحة في الكويت، مما يجعل من أمر التفاوت بينهما أمرا محسوما في المنطقة الواحدة، وبين من يؤكد أن للمال دورا رئيسيا في تمكين المرشح من مقعد نيابي وبين من يؤكد أن المرأة لا تزال بعيدا عن مواجهة تحد بمثل هذا المستوى، يبقى أن نتساءل: هل تنجح المرشحات في مواجهة تحدي المال السياسي وإقناع الناخبة في القاعدة بضرورة أن تكون لها ممثلة على مستوى البرلمان وبفضل صناديق الاقتراع بعيدا عن نظام «الكوطة»، الذي من شأنه أن يقلل بحسب العارفين من جدارتها وقوتها؟