قدمت فرقة الراقص العالمي أكرم خان -مساء السبت- عرضها الأحدث "باهوك" في دار الأوبرا بدمش، وسط إعجاب كبير من الجمهور الذي تمتع بمشاهدة ثمانية راقصين ينتمون إلى جنسيات وثقافات مختلفة يبحثون جميعهم عن "وطن". ودمشق هي المحطة الثالثة للعرض، في إطار إحتفاليتها عاصمة للثقافة العربية 2008، بعد أن قدم بداية هذا العام في بكين وبعدها في إحتفالية ليفربول البريطانية عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2008..وهو ما يعتبره منظمو إحتفالية دمشق "أمرا ذا دلالة بالنظر إلى الربط بين الإحتفاليتين كتأكيد على البعد العالمي والإنساني" للإحتفالية..وتحيي الفرقة حفلة ثانية وأخيرة، مساء الأحد. وقدم عرض "باهوك" راقصون من الصين وكوريا والهند وسلوفينيا وجنوب أفريقيا وأسبانيا، حاولوا "أن يتواصلوا ويتبادلوا قصصهم وذكرياتهم عن أوطانهم المتعولمة والمتداخلة"، على حد تعبير أكرم خان في تقديمه لعمله الجديد. ويوضح خان: "هذا ما سحرني: إكتشاف القصص الشخصية لهؤلاء الأفراد على الخشبة من أجل إكتشاف وإظهار قصة عالمية كبيرة في النهاية". ويقول المنتج والمدير الفني لفرقة أكرم خان، الراقص فاروق شودهري أن العرض "بني على أساس شهادات فيديو حية للراقصين، تحدثوا فيها عما يعنيه الوطن بالنسبة إليهم وكيف يرونه، وإعتمد عليها أكرم خان في تصميم العرض". وإختار خان -البريطاني من عائلة تعود اصولها إلى بنغلادش- أن يكون عنوان عرضه "باهوك" وهي كلمة بنغالية معناها "الحامل"، بحسب ما يوضح شودهري، الذي يؤكد أن موضوع العرض في صميم إهتمامات أكرم خان الذي يشغله تنوع الثقافات وتداخلها..ويذكر خان في أحد حواراته أنه ولد في لندن، ولكنه لا يحس بإنتمائه إلى ذلك المكان. وتحدث شودهري عن صديقه خان بصفة الغائب. فهو بداية غائب عن المشاركة في العرض، وهي المرة الأولى التي يصمم فيها خان عرضا لا يشارك فيه كراقص، وربما يأتي ذلك، كما يوضح منتج الفرقة، بعد ملاحظات تلقاها خان "أشارت إلى أنه راقص لامع ولطالما تسلط الأضواء عليه في العروض، وتبعد الأظار عن بقية الراقصين معه". ويغيب خان أيضا عن حضور عروض فرقته في دمشق، إذ يشارك في جولة عالمية للعمل الضخم "وحش الشاشة"، مع راقصة الباليه الفرنسية الشهيرة سيلفي غييم. لكن هموم خان لم تبارح الخشبة..فالعرض يجري في مكان يبدو كصالة إنتظار في مطار.كراس موزعة يجلس عليها راقصون، ويعيدون توزيع أمكنتها،وشاشة رقمية كبيرة تتدلى وسط الخشبة مقسمة إلى مربعات صغيرة تتناوبها الأحرف. ويبدأ العرض مع تأهب الراقصين للسفر، بعضهم يتلقى تحية وداع، وآخرون يترقبون كلمات الشاشة لتعلن لحظة الإنطلاق. لكن الكلمة تأتي على غير ما يأملون: "انتظار"..وتتالى الكلمات: "توقيت جديد"، "مؤجل"، وكأنها تدعو الجميع إلى التريث قبل الإنطلاق، والتأمل قبل الإعتقاد أن وجهة السفر باتت معروفة, أو بالأحرى وجهة "الوطن" ومكانه. ويشير شودهري هنا إلى أن إختيار المطار على أنه "باهوك" العرض، أو "حامله"، جاء "لأن أكرم خان يسافر كثيرا، وبالتالي فإن المطار يمثل له إستعارة للمكان الذي يختصر التنقل بين الأمكنة المختلفة دائما". وفي الفواصل الزمنية بين الكلمات التي تظهر على شاشة "المطار"، تتوزع الرقصات.بعضها رقصات منفردة، وبعضها الآخر جماعية. ففي الفردية تبدو الأجساد مشغولة بهاجس البحث عن وطنها الخاص والتعبير عنه، عبر إعتناقها وأدائها لثقافة الرقص التي تنتمي إليها..فهناك الرقص الهندي والباليه الصيني (يشارك في العرض ثلاثة راقصين من الباليه الوطني الصيني). وفي الرقصات الجماعية، يأتي التجلي الأقصى لفكرة توحد الراقصين في بحثهم عن وطن واحد، فنجدهم يرقصون كأنهم سرب طيور، يتهادى تحليقه في لحظة واحدة فتجول أنظار الراقصين على مكان أوحى لهم بالوصول، لكنهم لا يلبثون أن يعاودوا التحليق والسفر. ويعتبر أكرم خان واحدا من ألمع الراقصين المعاصرين، وهو ولد في لندن عام 1974، ودرس رقص "الكاثاك" مع الراقص المبدع سري براتاب باور. وبدأت تجربة خان المهنية في الرابعة عشرة من عمره عندما تم إختياره للعمل في عرض "المهابهارتا" الذي أخرجه بيتر بروك عن الأسطورة الهندية الشهيرة. وتابع دراسته في الرقص المعاصر، وقدم بعدها العديد من العروض الفردية منها "الأقدام المستقطبة" عام 2001، "رونين" عام 2003. وفي العام 2003 أسس فرقته الخاصة، وقدم معها عروضا عدة مثل "كاش" وعرض "ما"، وجال في عروضه حول العالم، كما تعاون مع العديد من الراقصين الذائعي الصيت. ( أ ف ب)