مرت ايام على بدء اسرائيل لعملية " الجرف الصامد"، التى ترد بها على مئات من صواريخ حماس والجهاد الإسلامي التي تقع على أراضيها بدون أية اصابات، والتى تعدت ما يقرب من 900 صاروخ يتم قصفها من مختلف انحاء قطاع غزة باتجاه المراكز السكانية الإسرائيلية - بما في ذلك، وللمرة الأولى، تل ابيب وميناء حيفا، حيث أجبرت صفارات الانذار العائلات الاسرائيلية على الهرولة الى الملاجئ بمنتصف النهار والليل. وقد استجاب الجيش الإسرائيلي بالرد بوابل كثيف من الغارات الجوية لقصف لائحة طويلة من أهداف فلسطينية مسلحة، من منازل قادة الكتائب المسلحة إلى الأنفاق تحت الأرض التي أثبتت أنها تمثل العقدة المركزية للقدرة العسكرية لحركة حماس. تقرير إحصاءات قوات الدفاع الاسرائيلية الخاصة انه تم قصف اكثر من 1.320 هدف منذ بدء العملية يوم 8 يوليو ، بمعدل يقرب من 9 غارات جوية على غزة كل ساعة واحدة، لمدة ستة أيام على التوالي. والضربات الإسرائيلية المستمرة تؤدى بحياة المزيد من المدنيين ، فقد قتل أكثر من 190 فلسطينيا حتى الآن ( ويقول مكتب الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية أن 133 من 168 شخصا قتلوا في غزة خلال ستة أيام كانوا من المدنيين، وهذا يمثل 79 % من اجمالى القتلى ). وتتزايد الآن الدعوات الدولية من قادة اوربا الغربية الى الاممالمتحدة لوقف إطلاق نار دائم طويل الأمد، وفعال بين اسرائيل وحماس، حيث لا يريد احد متابعة وقوع المزيد من الضحايا المدنيين يقتلون من قبل إسرائيل وحماس على حد سواء، والأفضل أن تبدأ المفاوضات الآن وليس آجلا، حتى لا يفقد العشرات وربما المئات من المدنيين الاخريين حياتهم. بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، من خلال المتحدث باسمه، بدا حائرا من استمرار الإسرائيليين والفلسطينيين في قصف واطلاق النار على بعضهم البعض حتى بعد أن دعا مجلس الأمن الدولي بالإجماع لضرورة "إعادة فرض وقف إطلاق النار المبرم فى نوفمبر 2012". والرئيس باراك أوباما حرص مثل الامين العام للامم المتحدة فى المساعدة في تسهيل تحقيق جولة أخرى من الهدوء في المنطقة، بل ذهب لابعد من ذلك بعرض المساعدة امريكية لكلا من إسرائيل وحماس لتبني وقف تصعيد الاوضاع. في الواقع، حتى الرئيس السابق للاستخبارات الاسرائيلية "عاموس يادلين Amos Yadlin" كتب أنه قد يكون الآن الوقت المناسب لاعلان اسرائيل نجاح حملتها على غزة "على افتراض أن الغرض الاستراتيجي لاسرائيل هو خلق الردع" واضاف يادلين " ويبدو أنها قد حققت ذلك (بأقل تكلفة)، وسيكون الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به في الأيام المقبلة هو وقف المعركة". لكن يبقى السؤال الهام: هل تريد اسرائيل وحماس وقف اطلاق النار والتهدئة ؟ مخطىء من يفترض ان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" أو قادته في الجيش الإسرائيلي سوف يسحبون قابس الحملة العسكرية وينهون عملية " الجرف الصامد" لمجرد أن المجتمع الدولي طالبهم بذلك، و هذا يدل على عدم فهم لكيفية ادارة الإسرائيليين لحروبهم على مدى السنوات 12 الماضية وان العامل الأكبر الذي يجعلهم ينهون حملاتهم العسكرية لم يكن قرارات او مناشدات الأممالمتحدة، ولكن فى المقام الاول هو نجاح العملية العسكرية و تحقيقها اهدافها هو ما كان يجبر الجيش الاسرائيلى على ايقاف عملياته العسكرية سواء خلال الانتفاضة الثانية 2000-2005، وحينما غزت القوات الاسرائيلية واعادت احتلال الضفة الغربية للحد من الهجمات الانتحارية الفلسطينية؛ او خلال حملة 2006 ضد حزب الله اللبناني لوقف حركة ترسانة الصواريخ في جنوبلبنان؛ أو العمليات المتتالية في غزة، وقد أظهرت إسرائيل للعالم أنها لن تبدأ في الحديث عن مخرج الا بعد تحقيق الهدف كاملا. لذا فان دعوات وقف إطلاق النار فورا لن ترغم اسرائيل التى ستمضي قدما في قصفها لغزة على أمل أنه يمكن ان يحقق مستوى من الردع ضد حماس، وهو الامر الذى من شأنه ان يديم فترة الهدوء المستقبلية لاكثر بكثير من فترة 18 شهرا التي تحققت بعد تفاهم نوفمبر 2012. وبما ان وقف اتفاق النار يحتاج الى طرفين، فانه على الجانب الاخر، وعند هذه المرحلة من الصراع، لا يوجد أي دليل على أن حماس والجهاد الإسلامي، أو أي من غيرها من الجماعات المتطرفة السلفية الصغيرة التي حولت غزة إلى جنة إرهابية على استعداد للاستسلام. والتقارير الصادرة من إسرائيل تفيد أن حماس قد رفضت بالفعل ترتيبات وقف إطلاق النار من بعض الوسطاء، مما يؤدى ذلك إلى الاعتقاد بأن حماس تعتقد أنها يمكن تجاوز بضعة أيام أو أسابيع من القصف الإسرائيلي على أمل، أن الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين ترتفع الى نقطة حيث يضع العالم الضغط على الإسرائيليين للتفاوض من موقف أضعف. ومع اختلاف اجندة طرفى الصراع، وتمسك كل منهما بتحقيق اهدافه من المواجهه الدائرة الان، فعلينا ان نتوقع ان هذه المواجهه بين إسرائيل وحماس قد تمتد ولا يمكن توقع نهايتها والى اى مدى قد تصل نتائجها.