لامس النفط الخام الأمريكي ارتفاعا قياسيا عند 81.24 دولارا للبرميل أمس في الجلسة الخامسة على التوالي التي تشهد وصول الأسعار إلى ذروة غير مسبوقة. ويغذي موجة صعود الأسعار بعد تراجعها لما دون 50 دولارا مطلع العام تعطيلات حقيقية ومحتملة لإمدادات النفط الخام واختناقات في مصافي التكرير بالبلدان المستهلكة وقوة الطلب وتدفق أموال المستثمرين على النفط. واستؤنفت تدفقات الاستثمارات من صناديق المعاشات وصناديق التحوط على السلع الأولية بما فيها النفط في الأشهر القليلة الماضية بعد توقف في وقت سابق هذا العام بسبب مخاوف تتعلق بسير الاقتصاد العالمي. وازدهرت المضاربات في أسواق الطاقة في السنوات القليلة الماضية مع تطلع المستثمرين لتحقيق عائدات أعلى من التي يحققونها في أسواق الأسهم والسندات. وبدأت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) التي تضخ أكثر من ثلث إنتاج العالم من النفط خفض إنتاج الخام أواخر 2006 لكبح تراجع في الأسعار. وساعد تراجع معروض أوبك في السوق على ارتفاع الأسعار هذا العام في حين أخذت البلدان المستهلكة ممثلة في وكالة الطاقة الدولية تناشد المنظمة لشهور ضخ المزيد من الخام. وردت أوبك بأن الإمدادات كافية. لكن في اجتماع الأسبوع الماضي قررت أوبك زيادة إنتاج النفط 500 ألف برميل يوميا أي بما يعادل نحو 1.6 في المائة من إنتاج المنظمة التي تضم 12 عضوا في أغسطس. وتسري الزيادة الإنتاجية من أول نوفمبر. وقال الأمين العام للمنظمة عبدالله البدري يوم الجمعة إن أوبك ترى في صعود النفط فوق 80 دولارا أمرا مؤقتا ولا تدعمه العوامل الأساسية مثل العرض والطلب. ويخشى مسئولو أوبك أن يفضي ارتفاع السعر إلى تحجيم الطلب على الأمد البعيد. وقال مصدر بالمنظمة أمس الثلاثاء إن أوبك ربما تجري مشاورات بشأن زيادة الإنتاج ثانية إذا استمرت أسعار النفط فوق 80 دولارا للبرميل لأكثر من 15 إلى 20 يوما. ونال تراجع قيمة الدولار الأمريكي مقابل عملات رئيسية أخرى من القدرة الشرائية لايرادات أوبك وزاد القدرة الشرائية لبعض المستهلكين المسعرة وارداتهم بعملات أخرى غير الدولار، كما ساعد على زيادة عمليات الشراء في مختلف السلع الأولية حيث يرى المستثمرون أن الأصول المسعرة بالدولار رخيصة نسبيا. ولمح وزراء نفط أوبك إلى أنه رغم ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات اسمية قياسية فإن التضخم والدولار خففا من تأثير ذلك. وكان محمد الهاملي رئيس منظمة أوبك قد قال في يوليو إنه بحساب التضخم وضعف الدولار فإن تكلفة برميل النفط ليست أعلى مما كانت عليه قبل ثلاثة عقود. وفي حين كانت الارتفاعات السابقة في الأسعار تنتج عن اضطرابات في الامدادات فإن الطلب من دول مثل الصين والولاياتالمتحدة هو المحرك الرئيسي للارتفاعات الراهنة. وتباطأ نمو الطلب العالمي بعد ارتفاعه في عام 2004 لكنه مستمر في الزيادة ولم يكن لارتفاع الأسعار حتى الآن أثر يذكر على النمو الاقتصادي. ويقول محللون إن العالم يتكيف بشكل جيد مع ارتفاع الأسعار الاسمية لأنها تعتبر أقل من المستويات السائدة في أوقات ارتفاع سابقة للأسعار إذا أخذت أسعار الصرف والتضخم في الاعتبار كما أن بعض الاقتصادات أصبحت أقل استهلاكا للطاقة. وانخفضت امدادات الخام من نيجيريا ثامن أكبر بلد مصدر للنفط في العالم منذ فبراير عام 2006 بسبب هجمات متشددين على صناعة النفط في البلاد، وأوردت الشركات تفاصيل وقف إنتاج نحو 547 ألف برميل يوميا من إنتاج نيجيريا بسبب الهجمات وعمليات تخريب. ومما زاد من مخاوف شح إمدادات الخام النقص العالمي في الطاقة التكريرية، ذلك أن المصافي في الولاياتالمتحدة أكبر مستهلك للبنزين في العالم واجهت صعوبات بسبب تعطيلات مفاجئة هذا العام الأمر الذي زاد السحب من المخزونات قبيل موسم الصيف ذروة استهلاك وقود السيارات في السفر. وفي أحدث أرقام أسبوعية من الحكومة الأمريكية صدرت في 12 سبتمبر ارتفعت مخزونات نواتج التقطير وزيت التدفئة لكنها لاتزال دون معدلاتها قبل عام. ولايزال الطلب على الوقود في ارتفاع رغم صعود الأسعار. والطاقة التكريرية محدودة بالفعل بسبب نقص الاستثمارات على مدى سنوات، وتضرر قطاع النفط الأمريكي بفعل موسم الأعاصير عام 2005 وأفضت عواصف هذا العام إلى وقف إمدادات. ويشعر مستهلكو النفط بالقلق بشأن تعطل الإمدادات من إيران رابع أكبر مصدر له في العالم والمنخرطة في صراع مع الغرب بسبب برنامجها النووي. وتشتبه حكومات غربية في أن إيران تستخدم برنامجها النووي المدني كستار لتطوير سلاح نووي. وتنفي إيران ذلك قائلة إنها تريد الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء، ويجاهد العراق لإنعاش صناعة النفط بعد عقود من الحروب والعقوبات وضعف الاستثمار. وصادرات خام كركوك من شمال البلاد متقطعة حيث تسببت أعمال التخريب ومشكلات فنية في توقف خط الأنابيب معظم الوقت منذ غزو العراق الذي قادته الولاياتالمتحدة في مارس 2003 الأمر الذي يحول دون عودة الصادرات إلى معدلاتها قبل الغزو.