تمثل قضية تعمير الصحراء الشغل الشاغل لعلماء مصر على مدار عقود طويلة ، ورغم جهودهم البحثية والميدانية إلا أن مُحصلة المشروعات التنموية التى غزت الصحراء تكاد تكون غير ملموسة ، ومنذ بضع سنوات اقترح الأستاذ الدكتور/ فاروق الباز العالم الجيولوجى الشهير بخطة بديلة كحل شامل لمشكلات مصر السكانية والتكدس العمرانى والزراعى فى الوادى والدلتا ، أطلق عليه " ممر التنمية والتعمير " وكان صُلب الاقتراح إنشاء طريق رئيسى من الساحل الشمالى إلى الحدود الجنوبية مع السودان ، بحيث يمتد هذا الطريق إلى الغرب من نطاق العمران فى الوادى والدلتا وعلى أبعاد معقولة منه داخل الصحراء ، وتمتد منه طُرق عرضية إلى مراكز المُدن الرئيسية كالقاهرة والمنيا وأسيوط وسوهاج وأسوان .. إلخ ، بحيث تصبح نقاط التقاء الطرق مراكز عمرانية جديدة تحل مشاكل المُدن الحالية ، كما تضمن الاقتراح استزراع نحو مليون فدان على المياه الجوفية فى باطن الصحراء حول أو بالقرب من مسار الطريق الرئيسى ، وبإيجاز كان اقتراح الباز يقوم على خلق ما يشبه واد مواز للوادى الحالى تفصلهما مساحات من الصحراء . فبالرغم من التحديات التى تواجه مشروع " ممر التنمية والتعمير " وتحذير بعض الأساتذة والخبراء فى هذا المجال ، يراهن الدكتور فاروق الباز على هذا المقترح حلاً لمشكلات مصر الاقتصادية ، وقال الباز – مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بُعد فى جامعة بوسطن بالولايات المتحدة – فى كتابه " ممر التنمية والتعمير .. وسيلة لتأمين مستقبل الأجيال الجديدة فى مصر " إن المشروع الذى يقترحه سيؤدى لإنشاء عدد كبير من المشروعات السياحية والتنموية فى الصحراء . والكتاب الذى يقع فى 188 صفحة كبيرة مزود بعشرات الرسوم البيانية والخرائط التوضيحية والصور المأخوذة بالأقمار الصناعية وأجهزة الرادار التى يقول إنها تبث موجاتها تجاه سطح الأرض وتخترق السُحب ، ولا تتأثر بالغلاف الجوى إذ تسجل الصدى الذى يعود إليها بدون الاعتماد على ضوء الشمس . وقال الباز " 69 عاماً " إنه بدأ فى دراسة صحارى مصر منذ ثلاثين عاماً مُرجحاً أنها مؤهلة لضمان حياة كريمة لعدد كبير من السكان المرتبطين تاريخياً بقراهم ومُدنهم ، حيث يميلون لأسباب نفسية وتاريخية إلى العودة إلى بلادهم حتى مهما تتباعد أماكن عملهم ، وأضاف إن الحل الأمثل لخلخلة الكتل السكانية حول وادى النيل يتمثل فى فتح آفاق جديدة لجذبهم إلى أماكن ليست بعيدة عن قراهم ومُدنهم ، فلا يكفى فى رأيه إقامة مُدن أو مراكز صناعية لن تكون بديلاً عن تخطيط شامل تستغل فيه الصحراء .
وأوضح الباز بأن معرفته بمواصفات الصحراء الغربية بمصر جعلته يتحمس لاقتراح ممر التنمية والتعمير منذ عشرين عاماً ، ويعيد طرحه الآن ، مُشيراً إلى أن هذا المشروع هو برنامج للتوسع العمرانى والزراعى والتجارى والسياحى حول مسطح يزيد على 2000 كيلو مترمربع ، حيث يشمل الممر :
* إنشاء ممر طولى بالصحراء الغربية بطول 1200 كيلو متر ، يمتد من ساحل البحر المتوسط بالقرب من منطقة العلمين غربى البلاد حتى الحدود الجنوبية . * إنشاء 12 محوراً عرضياً تتراوح بين 20 و 30 كيلو متراً ، تبدا من مراكز التكدس السكانى نحو الغرب وصولاً إلى الطريق المقترح . * يشمل الممر شريط سكك حديدية بموازاة الطريق ، لن يسبب إنشاؤها أى تعد على الأرض الزراعية ، وسوف تسهل انتقال الصناعات الثقيلة كالحديد والصلب بتكلفة أقل . * إنشاء أنبوب مياه للشرب ويكون مصدره بحيرة ناصر أو قناة توشكى ، غير قابل للبخر أو التسرب فى الصخور ، يتراوح قطر الأنبوب بين 100 سنتمتراً و 150 سنتمتراً .
وأشار الباز إلى أن الموقع الشمالى للممر على البحر المتوسط سيكون مؤهلاً لإنشاء ميناء عالمى جديد يضاهى الموانئ العالمية فى المستقبل ، والأمر يستدعى حالياً إنشاء شبكة طرق بعيداً عن وادى النيل ، لأن فى ذلك اعتداء على الأرض الزراعية المعتدى عليها أصلاً نتيجة النمو الكبير للكتل السكانية العشوائية .. ولا يُعقل أن نستمر فى العيش على مساحة خمسة بالمائة من مساحة أرضنا مع الاستمرار فى البناء فوق التربة الزراعية ، وقد أشار الباز إلى أهداف المشروع تتمثل فى :
* إحداث تنمية اقتصادية شاملة . * سهولة النقل بين أطراف الدولة . * إنشاء مشاريع جديدة للتنمية . * إنشاء العديد من المشاريع السياحية على أعلى المستويات العالمية . * نقل الحركة السكانية وتوطين عدد كبير من السكان حول هذا الممر. * ربط البحر المتوسط بأفريقيا ليصبح محوراً هاماً لتجارة الترانزيت الدولية وتنمية التجارة الداخلية عبر المحاور العرضية . * إمكانية التخطيط لإنشاء متاحف حربية بعد تطهير الساحل الشمالى الغربى من الألغام التى خلفتها الحرب العالمية الثانية ، والتى يُقدر عددها بحوالى 20 مليون لغم . 25/4/2007