توني بلير ليس الرجل الخارق أو سوبرمان. الأمر يعود في النهاية إلي الفلسطينيين والإسرائيليين فرجلا سياسيا من خارج القضية لا يسعه إيجاد حل للنزاع.. بهذا التعليق الفاتر للمتحدث باسم البيت الأبيض جوردون جوندرو جاء علي تعيين توني بلير مبعوثا للجنة الرباعية إلي الشرق الأوسط, وضعت الإدارة الأمريكية سقفا لمهمة رئيس وزراء بريطانيا السابق في تناقض مع الحماسة والتوقعات التي واكبت الإعلان عن ترشيحه لهذه المهمة.. فلماذا كان الإصرار الأمريكي علي تعيين بلير؟.. وما الجديد الذي يمكن أن يأتي به في ظل مهامه المحدودة؟. ففي آخر ظهور له أمام مجلس العموم البريطاني كرئيس للوزراء أعلن توني بلير أن الأولوية المطلقة في الشرق الأوسط تتمثل في السعي لإقامة دولتين إسرائيلية وفلسطينية, وأظاف أن الحل الوحيد لإعادة الاستقرار والسلام إلي المنطقة هو إقامة دولتين, وفي أول إعلان له عن رغبته في تولي منصب مبعوث اللجنة الرباعية- الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة- قال بلير:' إن كل من يهتم بالسلام والاستقرار في العالم يدرك أهمية التوصل إلي حل نهائي ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وسأبذل كل ما بوسعي للتوصل إلي هذا الحل', لكن يبدو أن بلير كان مسرفا في طموحه من منصبه الجديد فمهامه تقتصر- حسب بيان اللجنة الرباعية- علي مساعدة الفلسطينيين لبناء مؤسسات تشكل أساس إنشاء دولة ديمقراطية, وهو تسليم ضمني بقصر مهمة بلير علي تهيئة الأرضية الفلسطينية لإتمام اتفاق سلام مع إسرائيل وربما يكون التوضيح الأمريكي لهذه المهمة قد زاد من إحباط بلير حينما نفت الولاياتالمتحدة أن تكون الوساطة من أجل مباحثات السلام ضمن مهمة توني بلير, كما نقلت صحيفة' الجارديان' البريطانية عن مستشار أمريكي- لم تكشف عن هويته- اعتقاده أن رئيس وزراء بريطانيا السابق سيخيب أمله عندما يدرك أنه مجرد' متسول للمساعدات من أجل الفلسطينيين', ومن هنا لا تزيد مهمة تحقيق السلام في الشرق الأوسط التي يطمح إليها بلير عن مجرد وهم. فالواضح أن إصرار الولاياتالمتحدة علي اختيار توني بلير لشغل منصب مبعوث اللجنة الرباعية إلي الشرق الأوسط, علي الرغم من التحفظات الروسية, كان لمجرد مكافأة الرجل علي مواقفه وخدماته الاستثنائية للإدارة الأمريكية, وليس لتحقيق تقدم حقيقي في عملية السلام, حيث سبق واستقال المبعوث السابق جيمس ولفنسون اعتراضا علي الحد من صلاحياته في ابريل من العام الماضي, ومن شبه المؤكد عدم استطاعة بلير تحقيق ما لم يحققه سلفه, خصوصا أن الأمور ازدادت تعقيدا بسبب تفجر الأوضاع بين الفلسطينيين أنفسهم, فكثيرون يرون أن بلير ليس الرجل الأمثل للقيام بمهمة في الشرق الأوسط, نظرا لدوره في الحرب علي العراق وتعرضه لانتقادات شديدة في المنطقة بسبب رفضه إدانة القصف الإسرائيلي للبنان العام الماضي ورفضه كذلك الدعوة لوقف مبكر لإطلاق النار. وبعيدا عن التحفظ الروسي لتعيين بلير مبعوثا للجنة الرباعية إلي الشرق الأوسط, كانت هناك مواقف كثيرة معارضة لهذا التعيين بدأت من حزب العمال البريطاني الذي ينتمي إليه بلير, حيث شكك آلان سيمسون عضو لجنة' مجموعة حملة العمل' في قدرة بلير علي تحقيق مهمته قائلا:' توني بلير الذي أخذنا الي الحرب في العراق لن يكون قادرا علي جلب السلام إلي الشرق الأوسط', كما أشار تقرير في صحيفة' الإندبندنت' إلي أن رئيس الوزراء الجديد جوردون براون يري أن تعيين بلير بهذا المنصب سيجعل من الصعب عليه صياغة سياسته الشرق أوسطية, وأضاف التقرير أن خافيير سولانا مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي والذي يعرف المنطقة جيدا فهو غير سعيد بأن بلير سيتجاوزه في سلطته وصلاحياته, كما ذكرت مجلة دير شبيجل أن هناك استياء ألمانيا وأوربيا بسبب اتفاق الولاياتالمتحدة وبان كي مون الأمين العام للأم المتحدة علي ترشيح رئيس الوزراء البريطاني دون التشاور مع ألمانيا. وعلي الرغم من هذه الانتقادات فإن بلير قادر علي تحقيق اختراقات حقيقية لقضية السلام في الشرق الأوسط, لكن يبدو أن ذلك غير مطلوب منه, حيث أشارت التقارير الإخبارية الأمريكية إلي أن مهمة بلير في الشرق الأوسط خضعت لنقاش طويل بين الرئيس الأمريكي جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس وبين توني بلير, كما بين الإدارة الأمريكية وأعضاء اللجنة الرباعية, وحدثت تسوية للاتفاق علي حد أدني للمهمة يرضي الأطراف جميعا, ويري عدد من المحللين أن مضمون هذه التسوية يعود بقضية السلام إلي ما قبل نقطة الصفر, فقبل العمل علي اتفاق سلام يتمكن الفلسطينيون علي أساسه من بناء دولتهم أصبح المطلوب أن تبني المؤسسات الفلسطينية أولا, ومن هنا لا يمكن اعتبار إصرار الولاياتالمتحدة علي تعيين بلير مبعوثا للجنة الرباعية في الشرق الأوسط معبرا عن تغيير حقيقي في السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يحتل قط مرتبة متقدمة في لائحة أولويات هذه الإدارة, وهو ما جعل إحدي توصيات لجنة' بيكر هاملتون' الشهيرة تطلب من الإدارة الأمريكية أن تولي اهتماما أكبر لهذا الصراع, ويأتي تعيين بلير لهذه المهمة تنفيذا شكليا لتلك التوصية.