منذ هزيمة الجمهوريين في انتخابات الكونغرس العام الماضي، والتي أفضت إلى سيطرة الحزب الديموقراطي على مجلسي النواب والشيوخ، وإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تعيش لحظات عصيبة وحرجة مع تزايد حالات الاستقالات لعدد كبير من مستشاري ومساعدي الرئيس الأميركي في ما اعتبر مؤشراً قوياً على الظروف الصعبة التي تعصف بالإدارة الجمهورية مع اقتراب أيامها الأخيرة! أولى تداعيات نتائج انتخابات الكونغرس، استقالة (أو إقالة) أحد أبرز أقطاب الإدارة الأميركية، وهو وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. بعد ذلك توالت استقالات العديد من واضعي الاستراتيجية الأميركية الحالية، والتي عكست حجم الأزمة الداخلية للإدارة الجمهورية، فقد قدم راندال توبياس نائب وزيرة الخارجية ورئيس المساعدات الخارجية الأميركية استقالته بسبب فضيحة تعامله مع امرأة فاحشة! ثم استقال بيتر وايز مدير مكتب المبادرات الاستراتيجية في البيت الأبيض. بعد ذلك جاءت استقالة كل من ماغن أوسلن، وجي دي كراوش، مستشاري جهاز الأمن القومي، ولحق بهم بعد ذلك روب بورتمان مدير شؤون الموازنة في البيت الأبيض، وهاريت مايرز، مستشارة الشؤون القانونية، بالإضافة إلى دان بارتليت أحد أبرز المستشارين في البيت الأبيض. أضف إلى ما سبق، استقالة بول وولفويتز مدير البنك الدولي وأحد أبرز صقور الإدارة الأميركية، على خلفية افتضاح أمره بقضية فساد مالي وإداري في البنك الدولي، الأمر الذي شكل ضربة قاصمة لمصداقية الإدارة الأميركية نظراً إلى اعتبار وولفويتز أحد ابرز أقطابها! من جانب آخر، شكلت استقالة كارل روف كبير المستشارين في الإدارة الأميركية، والذي يوصف بأنه «عقل الرئيس»، نكسة كبيرة للإدارة الحالية وللرئيس الأميركي شخصياً بعد أن تعالت أصوات الديموقراطيين المطالبة باستقالته! وقد ارتبط اسم روف بالرئيس الأميركي منذ العام 1993 عندما مهد له الطريق لتولي منصب حاكم ولاية تكساس ووصوله لاحقاً إلى البيت الأبيض، إذ لم يقتصر دور روف على قيادة الحملات السياسية للرئيس الأميركي، بل كان هو من صنع شخصية الرئيس السياسية، كما عبرت عن ذلك صحيفة « الهيرالد تريبيون»! أما أحدث فصول «تسونامي» الاستقالات الذي يعصف بالإدارة الأميركية، فكانت مع استقالة وزير العدل الأميركي ألبرتو غونزاليس بعد أشهر من العواصف السياسية التي أحاطت به باعتباره أحد أكثر مسؤولي البيت الأبيض إثارة للجدل، خصوصاً بعد حادثة قيامه بإقالة ثمانية من المدعين الفيديراليين الذين لهم مواقف لا تتوافق مع إدارة الرئيس بوش، كما جاء في التحقيق المنشور في موقع «تقرير واشنطن»! فقد أشار «تقرير واشنطن» إلى جانب مهم في حياة غونزاليس السياسية بالقول إن «ألبرتو غونزاليس برز اسمه بصورة سلبية على الساحة الإعلامية في أعقاب نشر صحيفة (واشنطن بوست) لمذكرة من إعداد غونزاليس يرجع تاريخها إلى شهر فبراير 2002 تقنن استخدام بعض أنواع التعذيب في التحقيق مع المعتقلين سواء في معسكر غوانتانامو أو في سجن أبو غريب العراقي. وقد أثار كشف النقاب عن المذكرة ردود فعل غاضبة من فعاليات مدنية وقانونية ولكن الرئيس بوش فاجأ الجميع بتعيين صاحب المذكرة لاحقاً وزيراً للعدل»! أما تفاصيل الفضيحة التي كانت بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير»، كما يرويها «تقرير واشنطن»، فهي تعود إلى « الرسائل الالكترونية المتبادلة بين مسؤولين في مكتب وزير العدل ومستشارين في البيت الأبيض، إذ ترجع القصة إلى بدايات عام 2005، عندما تشاور كل من كايل سمبسون رئيس المكتب السابق لوزير العدل وكارل روف كبير مستشاري الرئيس بوش وغيرهما عن الطريقة المثلى للتخلص من المدعين المناوئين لإدارة الرئيس بوش»! وأضاف التقرير أن «التنفيذ كان في صيف عام 2006 عندما فصلت الوزارة أحد المدعيين، ثم فصلت سبعة آخرين في ديسمبر من العام نفسه. وقد كشف معظم هؤلاء لاحقاً في جلسات استماع عقدت في الكونغرس خلال شهر مارس السابق، أن السبب الرئيسي وراء فصلهم هو رفض التجاوب مع إملاءات مرشحين جمهوريين لتحقيق مكاسب انتخابية ضد مرشحين ديموقراطيين»! صحيفة «الباييس» الإسبانية علقت من جانبها على الاستقالات الأخيرة في الإدارة الأميركية، وتحديداً على استقالة كارل روف وألبرتو غونزاليس بالقول: «روف وغونزاليس على حد سواء لا يعتبران فأرين يغادران سفينة رئاسية تغرق، وإنما أبطال فضائح نجم عنهما تحقيقات خطيرة لم تحدد معالم تبعاتها بعد أن تلطخا بالوحل»! جدير بالذكر أن مسلسل تساقط رجالات الإدارة الأميركية لم يبدأ فقط بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، بل يعود هذا المسلسل إلى عهد الولاية الأولى من إدارة الرئيس بوش الابن! فمازلنا نتذكر جيداً استقالة ريتشارد بيرل «أمير الظلام»، مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي في إدارة الرئيس بوش الأولى، وأحد أبرز مهندسي الحرب على العراق ومدير مجلس الدراسات الدفاعية في البنتاغون، بعد افتضاح أمره بتلقيه رشوة مالية كبيرة! ثم استقالة مدير وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت لأسباب تتعلق بتقصير الوكالة في منع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وكذلك بسبب المعلومات الخاطئة التي اعتمدت عليها الوكالة في الحرب الأميركية على العراق. بعدها جاءت استقالة وكيل وزارة الدفاع دوغلاس فايث على إثر فضيحة التجسس التي تورط فيها أحد كبار الموظفين العاملين في مكتبه، وهو لاري فرانكلين الذي اتهم بالتجسس لصالح إسرائيل! ثم جاءت استقالة لويس ليبي، مدير مكتب نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، ومستشاره للأمن القومي، وأحد أبرز مهندسي الحرب على العراق بعد تورطه في فضيحة التسريبات التي طالت الكشف عن هوية العميلة الأميركية في وكالة الاستخبارات المركزية فاليري بالم، وهي القضية التي أثارت لغطاً واسعاً عن ضلوع المستشار كارل روف فيها! اللافت للأمر في مسلسل الاستقالات، الذي أشرنا إليه، أن قضية «غزو العراق» كانت السبب المباشر وغير المباشر في التسونامي الذي مازال يعصف بأركان وأقطاب الإدارة الأميركية الحالية! ويبقى السؤال حاضراً: هل يشهد ما تبقى من عمر هذه الإدارة الأميركية المزيد من الاستقالات بسبب «لعنة العراق» التي مازالت تطاردهم؟