في النصف الثاني من يوليو الماضي أجرت "الخدمات البحثية" التابعة لمؤسسة زغبي مقابلات مباشرة مع 5042 مصرياً في إطار استطلاع للرأي يرمي إلى فهم كيف تفاعل المصريون مع تطورات ما بعد الرئيس المعزول محمد مرسي، بالإضافة إلى تقييمهم للعلاقات الأمريكية المصرية، وقد جاء هذا الاستطلاع استكمالا لاستبيان آخر أجرته المؤسسة في مايو الماضي وشمل 5029 مصرياً. وأهم ما كشف عنه استطلاع الرأي في يوليو التضارب الواضح في مواقف المستجوبين إزاء الوضع السياسي الداخلي وتقييمهم لعلاقة بلادهم مع الولاياتالمتحدة، فقبل شهر مايو الماضي أعرب 82 في المئة من المصريين عن تفاؤلهم حيال المستقبل، لاسيما في فترة اندلاع ثورة 25 يناير التي حملت معها ثقة كبيرة في تحسن الأوضاع، لكن بحلول شهر مايو من العام الجاري كانت تلك الآمال قد شرعت في التلاشي مع تأكيد 36 فقط على ثقتهم في المستقبل وتفاؤلهم إزاءه. هذه النبرة المتشائمة اختفت إلى حد كبير بعد حركة "تمرد" وعزل مرسي لتعود مشاعر التفاؤل والثقة إلى الصعود في أوساط المصريين إلى 68 في المئة. لكن، وكما توقعنا خلال مايو الماضي، لا يقف المصريون نفس الموقف من التحرك العسكري في 3 يوليو المنصرم، حيث يطالب الإسلاميون عموماً بعودة الرئيس المعزول والرجوع إلى ما يسمونه بالشرعية، فيما يقول المنتمون للأحزاب العلمانية إن التحرك العسكري كان في محله. غير أن المثير في مواقف المصريين أنه رغم الانقسام في الآراء بشأن تدخل الجيش، فقد أعرب 93 في المئة من المستجوبين عن ثقتهم في المؤسسة العسكرية، وهو موقف يتقاسمه المصريون من مختلف الانتماءات السياسية، سواء كانوا إسلاميين أم علمانيين، هذه الثقة الراسخة في المؤسسة العسكرية ظلت ثابتة في استطلاعي مايو ويوليو، لتثير بذلك دهشة المراقبين بالنظر إلى التطورات التي تحفل بها الساحة المصرية وانغماس الجيش في المعترك السياسي. والمثير أيضاً هو مدى الثقة الكبيرة التي يحظى بها الجيش مقارنة مع افتقاد الأحزاب السياسية لتلك الثقة، حيث لا يزيد منسوبها لدى أغلب المصريين عن 30 في المئة، فيما ترتفع قليلا ثقة المصريين في حركة "تمرد" التي كانت وراء تدخل الجيش للإطاحة بمرسي إلى 39 في المئة. وفي جميع الأحوال يشير استطلاع الرأي إلى أن المصريين عموماً يظلون في حالة من الترقب لما ستؤول إليه الأوضاع، وما إذا كانت الحكومة المؤقتة ستنجح في طرح دستور جديد والتأسيس لديمقراطية مندمجة تشمل الجميع. ولعل أهم ما يكشفه استطلاع الرأي لشهر يوليو الماضي ذلك التضارب في مواقف المصريين حيال الدور الذي تضطلع به الولاياتالمتحدة في التطورات الداخلية، فأوباما الذي اكتسب نقاطاً عالية لدى المصريين عقب خطابه الموجه للعالم الإسلامي من جامعة القاهرة عام 2009، عادت شعبيته لتنزل الحضيض بمعدل لا يتعدى 3 في المئة لدى المصريين، فيما تدنت شعبية الولاياتالمتحدة نفسها إلى 1 في المئة. ومع ذلك يبقى المصريون منقسمين إزاء أهمية حفاظ بلادهم على علاقات جيدة مع الولاياتالمتحدة، حيث يرى 48 في المئة منهم أن العلاقات الجيدة مع أمريكا مهمة، فيما يعتبر 51 في المئة أنها ليست كذلك. واللافت أن الجماعة السياسية الوحيدة التي ترى أغلبيتها ضرورة تحسين العلاقة مع واشنطن هي "تمرد". وفي الاستطلاع أيضاً ذكر ثلثا المصريين أن الولاياتالمتحدة أفرطت في دعمها لمرسي، كما يعتقد ثمانية من أصل كل عشرة أن "بلادهم تضررت من السياسة الأمريكية الداعمة لمرسي". وعندما سئل المستجوبون عن آرائهم من الدعوات التي يصدرها بعض السياسة الأمريكيين ب"تعليق الدعم الأمريكي لمصر حتى تُنصب حكومة منتخبة وشرعية"، أجاب 18 في المئة منهم أن ذلك "يجعلهم سعداء"، فيما قال 24 في المئة أنه "أمر يثير الغضب"، بينما أكد 56 في المئة أنهم لا يهتمون لذلك لأن مصر ليست بحاجة للمساعدات الأمريكية. ولعل تفسير هذا الموقف غير العابئ بالدعم الأمريكي يمكن العثور عليه في إجابة المصريين عن سؤال آخر حول من المستفيد الأول من مليارات الدولارات الأمريكية التي تلقتها مصر، حيث قال 24 في المئة فقط من المستجوبين إن المستفيد هو الشعب أو الجيش، فيما أشار 21 في المئة أن أمريكا نفسها هي المستفيد و48 في المئة يعتقد أن الكاسب الأكبر هي إسرائيل التي استفادت من مرحلة ما بعد التوقيع على معاهدة كامب ديفيد. ومن أهم ما كشفه استطلاع الرأي إجابة المصريين عن سؤال "إلى أي حد تشعر بأن الولاياتالمتحدة تفهم مصر وشعبها؟"، إذ فيما اعتبر 36 في المئة أن أمريكا تفهم مصر والمصريين، أوضح 62 في المئة منهم أن أمريكا لا تفهم بلدهم. هذه النتائج تسلط الضوء على حجم التحديات التي تنتظر كلا من الجيش المصري والولاياتالمتحدة في المرحلة الدقيقة التي تمر بها مصر، فبصرف النظر عن الدعم الكبير الذي تحظى به المؤسسة العسكرية بين المصريين، لابد للجيش من الالتزام بالعودة للديمقراطية عبر دستور وانتخابات جديدين، أما فيما يتعلق بالولاياتالمتحدة فعليها الاعتبار من شعبيتها المتدنية وتبني مقاربة متوازنة تبتعد عن التدخل السافر في الشؤون المصرية، أو فرض مواقفها في الصراع السياسي الدائر حالياً على أرض مصر. نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية