أرادت أوروبا أن تكون سباقة في إعلان مولد سيدي محمد ال"المرسي" ففوجئنا بوزير خارجية ألمانيا يتحدث كلاما غريبا في حينه عندما قال بالخروج الآمن لمرسي وضرورة زيارته والوقوف على صحته وأحواله المعيشية, كما تحدث عن ضرورة خروجه من سجنه! الغريب أن ما قاله وزير خارجية ألمانيا كرره وزير خارجية فرنسا في تصريحات نارية.. وفعل نفس الشيء الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند.. ونسي الثلاثة ان الرجل المعزول محمد مرسي قد صدر ضده أمر من النائب العام بسجنه لمدة 15 يوما على ذمة التحقيق.. وهذا الكلام من جانب أوروبا التي تحتلها فرنسا سياسيا وألمانيا اقتصاديا معناه أن القارة العجوز تحتقر القرارات القانونية المصرية ولا تلقي بالا للنائب العام المصري وكأن مصر ليست دولة وانما حديقة صغيرة تابعة لأوروبا.. مع أن هذا الأمر لن يحدث ولن يكون! فمصر دولة كبيرة في منطقتها وتعرف قوانين حمورابي, وكتاب الموتى عند المصريين القدماء الذي ينظم منذ الاف السنين السلام المجتمعي الذي كدنا نفتقده الآن! وانصافا لابد أن نذكر أن أوروبا كانت أول من اهتم بحالة الانقسام المجتمعي الذي تعيشه مصر الان! لكن انصافا ان زيارة كاثرين آشتون المفوضة الأوروبية للسياستين الخارجية والامنية لم تقدم شيئا, فقد كررت مرارا وتكرارا أنها لم تتقدم بمبادرة, فقط حاولت أن تقف على آخر التطورات في مصر, وتحدثت مع السفراء الأوروبيين في القاهرة عن التعامل الواقعي مع الأحداث وعزل مرسي على أنه حقيقة نهائية. أريد أن أقول إن هذه الزيارة وإن بدت انها أوروبية لكنها زيارة أمريكية بامتياز, لأنها لم تحدث إلا بإيعاز من أمريكا شأنها في ذلك شأن زيارة وزير خارجية ألمانيا, وزيارة لجنة الحكماء الافريقية.. فأمريكا دائما هي الغائب الحاضر!! معنى ذلك أن التعويل على أوروبا.. لاقيمة له, فالحق اننا نعيش في ظل نظام أحادي القطبية, فبعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وانفراد أمريكا بالقرار الدولي حاولت أوروبا في زمن الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك, والمستشار الألماني الأسبق شرودر أن تكون لها شخصية مختلفة عن أمريكا, واستقلالية تامة في اتخاذ القرارات.. لكنها لم تنجح فعادت أوروبا مع ساركوزي وفرانسوا أولاند والمستشارة الألمانية ميركل إلى بيت الطاعة الأمريكي راضية مرضية.. وضاع عليها حلمها في الاستقلال والكينونة المتفردة عن أمريكا. وأصبحنا نجد انفسنا تحت غطاء واحد هو الهيمنة الأمريكية, وبالتالي أوروبا استسلمت لأمريكا وظهر هذا جليا في مواقف مثل مصر والشرق الأوسط, وقبلا في البلقان ودول كثيرة من العالم.. بمعنى أن أوروبا رأت أن كل دورها أن تترك القرارات المهمة لأمريكا, وأن يكون كل دور أوروبا أن توقع شيكات الحساب! لقد لمسنا هذا في الجدل المثار حاليا حول مصر وانقسامها إلى فسطاطين.. فسطاط مع وفسطاط ضد.. وبالتالي رغم التحركات الأوروبية والإفريقية فإنها لا تحدث إلا بإيعاز من أمريكا.. لكننا نعرف جيدا أن المتغطي بأمريكا.. عريان! وأن أمريكا لا تحركها إلا مصالحها ومصالح صديقتها الإستراتيجية الوحيدة في المنطقة وهي إسرائيل. فالثابت أن هاتين الدولتين.. أمريكا وإسرائيل, حصلتا على كل ما كانتا تحلمان به من حق في زمن محمد مرسي الذي باع العرض والوطن إرضاء لهما! الغريب أنه كان يتكلم عن أشياء ألهبت خيال الناس عندما كان نائبا في البرلمان المصري مثل تحفظاته على معاهدة كامب ديفيد والعلاقة مع إيران كدولة اسلامية وشرق أوسطية كبرى وعندما جاء الى سدة الحكم.. نسي هذا الكلام وتعامل معه, كأن شيئا لم يكن! ومن قبيل تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية,, فإن الدور الأوروبي صوري ولا قيمة له.. لأن أوروبا وحفاظا على مصالحها تماهت مع الموقت الأمريكي وقبلت ان تتحرك بإيعاز منها.. هذا كان واضحا منذ البداية فقبل أن يتولى الرئيس ساركوزي مهام منصبه اتجه بعد فوزه إلى واشنطن ليأخذ البركة الأمريكية والشيء نفسه حدث مع المستشارة ميركل التي حرصت على الذهاب الى واشنطن قبل مباشرة عملها في ألمانيا.. ولذلك عندما نقول إن زيارة آشتون المفوضة الأوروبية هي زيارة أمريكية لكن في ثياب أوروبية. لم نقل غير الحقيقة! ثم لا ننسى أن أوروبا هي أول قارة تتحدث دولها عن ظاهرة الإسلاموفوبيا وهي الخوف المرضي وغير المبرر من الدين الاسلامي! ولقد استثمرت أمريكا هذا الجو المعبأ ضد الإسلام في أوروبا لكي تساعد أوروبا في تحويل مصر إلى بؤرة للعنف والارهاب الإسلامي.. ولذلك في الوقت الذي يموت فيه العشرات في شرطة مصر وجيشها في سيناء هربت عناصر من تنظيم القاعدة في العراق واستوطنت سيناء. معنى ذلك ان هناك مخططا لتحويل مصر إلى قبلة للإرهابيين في العالم.. تبقى نقطة مهمة أود الحديث عنها وهي أن تنظيم الإخوان أقل كثيرا مما نعتقد.. فهم إحدى القوى السياسية في مصر لكنهم ليسوا بالقوة الخادعة التي يعتبرهم البعض بها.. والدليل على ذلك عندما حكموا نحو عام.. اكتشفنا ضحالة الإخوان.. فلا كفاءات ولا خبرات وكنا نظن أنهم قوة سياسية فاعلة. وكم كان محقا أحد الباحثين المغاربة عندما قال إن تنظيم الإخوان ينفع فقط في المظاهرات والاحتجاجات.. لكن ليست لديه خبرة في الحكم.. والدليل على ذلك فشلهم في حكم مصر! الشيء الآخر هو أننا نضخم الصورة الخاصة بالتنظيم الدولي للإخوان.. فالحق أنهم أقل كثيرا مما نتصور.. فقد يكون هناك بعض الرموز في مصر وحماس وأفغانستان وماليزيا لكنه تنظيم بمعنى مقر وإدارة فهذا ليس حتميا.. وكل ما هنالك اننا عندنا تضخيم الاشياء.. ومنها التنظيم الدولي المزعوم! نقلا عن جريدة الأهرام