كان يوم الخميس ساخنا في البرلمان الموريتاني فقد أمطر النواب وزيري العدل والدفاع بأسئلة حول الضجة المثارة عن وجود قواعد أو سجون سرية أمريكية في موريتانيا وكرر الوزيران النفي الحكومي السابق لمثل هذه المعلومات وأعلنا تعارضها مع قيم حقوق الإنسان في مثل العهد الجديد الذي تعيشه موريتانيا. وطرح موضوع التواجد العسكري والأمني الأمريكي في موريتانيا تساؤلات عديدة ليس لمجرد أسئلة النواب وأجوبة الوزراء بل لغياب وزير الخارجية عن المساءلة على الرغم من وجوده في نواكشوط ما دفع نواباً لرفض طرح أسئلتهم ما لم يحضر وزير الخارجية ثم أبلغوا لاحقا أنه سيتغيب عن الجلسة المقبلة أيضا وسط معلومات غير مؤكدة عن رفضه المساءلة في هذا الموضوع فيما يرفض نواب قبول إنابة من وزير عن وزير آخر موجود. وسبق ذلك تذمر من ضعف نفي الحكومة السابق الذي ورد باسم مسؤول في وزارة الخارجية لم يعلن اسمه ولا وظيفته واقتصر النفي على أسطر قليلة وعبارات مثل تلك الجاهزة في مثل هذا النوع من المواضيع الحساسة. ولم تكن ردود وزيري العدل والدفاع أمس مقنعة بالنسبة للرأي العام خصوصاً أنهما تحدثا عن نفي وجود تصاريح من حكومتهما وهي حكومة جديدة بينما المعلومات المثارة متعلقة بالحكومات السابقة. وقال محمد محمود ولد لمات، وهو رئيس كتلة معارضة في البرلمان الموريتاني، إن نظامي معاوية ولد الطايع وولد محمد ولد فال نفيا أي وجود لقواعد عسكرية أمريكية على الأراضي الموريتانية وصرحا أن مثل هذه القواعد تتنافى مع السيادة الوطنية غير أن الرئيس الجديد صرح أنه سينظر في طلب الأمريكيين في هذا الشأن في حالة طرح عليه وتساءل ولد لمات “ما إذا كان الرئيس الجديد وجد أمامه واقعا على الأرض دفعه لمثل هذا التصريح؟”. وقال إن طرح وسائل الإعلام باستمرار لموضوع التواجد العسكري الأمريكي والسجون السرية لا يمكن أن يكون مجرد ترف إعلامي. خصوصاً بعد أن جاءت المعلومات من الصحافي مثل “سيمور هيرش” في “نيويوركر” الشهر الماضي عن وجود سجن سري في موريتانيا تديره المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.ايه) ويرجح أن يكون أعضاء في تنظيم القاعدة محتجزين فيه وقد استقى هيرش، وهو الذي كشف فضيحة سجن أبو غريب، معلوماته من مصادر استخباراتية وعسكرية. وتنطلق مخاوف الساسة الموريتانيين والرأي العام في موريتانيا من عاملين أساسيين: * الأول مبدئي من الأمريكيين فيما يتعلق بسياستهم العسكرية والأمنية المتبعة ضد المنطقة العربية والإسلامية. *الثاني تخوف مشروع من أن يكون التواجد العسكري الأمريكي على الأراضي الموريتانية “طعما” لجذب عناصر القاعدة وخوض حرب أخرى ضد الأمريكيين تكون ساحتها هذه المرة الأراضي الموريتانية التي لا تزال سيادة الدولة الموريتانية على أجزاء واسعة منها نظرية، وقد دلت الحوادث في السنوات الأخيرة على هشاشة البنية العسكرية والأمنية في موريتانيا. وقال خبير استراتيجي موريتاني طلب عدم الكشف عن اسمه ل”الخليج” إن الأمريكيين يشعرون أنه ليس من المقبول غيابهم عسكريا وأمنيا عن الساحل الإفريقي وصرحوا أكثر من مرة عن رغبتهم في التواجد العسكري في الساحل الإفريقي ورأى أن موقع موريتانيا استراتيجي بالنسبة للقادة العسكريين الأمريكيين فهو يوفر بيئة جبلية وصحرواية محدودة بشاطئ من نحو ثمانمائة كيلومتر على المحيط الأطلسي وتوفر البيئة إذن عامل التدريب والمراقبة والتدخل فضلا عن موقعها بالنسبة لسفن التزود في المحيط التي هي القواعد الأساسية للأمريكيين. أضف إلى ذلك أهمية التحرك الأمريكي في ملتقى العرب والأفارقة حيث يسهل التجنيد والمراقبة للاستفادة من العامل الأثني والثقافي. وجرى جدل كثير في التقارير الإخبارية المرصودة في الصحف الغربية قبل فترة حول تشكيل فرقة عسكرية أمريكية للتدخل السريع، تتشكل من أفراد من أعراق وثقافات المنطقة. ويخشى نواب موريتانيون من أن الولاياتالمتحدة لجأت للساحل الإفريقي كمنطقة “حجز وتحقيق” للقيام بأفعال لا يمكنها ممارستها على أراضيها وأصبحت ممنوعة من ممارستها في مناطق أخرى بعد الحملة الأوروبية على السجون السرية والسجون الطائرة. ولم تعد تشكيلات الوفود العسكرية والأمنية الأمريكية التي زارت موريتانيا في عهد معاوية ولد الطايع وفي الفترة الانتقالية ومع بدء المرحلة الجديدة أمرا يمكن تفسيره بأنه مجرد سعي من الأمريكيين للتعاون مع موريتانيا. فالوفود تضم مسؤولين رفيعين في وزارة الخارجية وجنرالات في الجيش ومسؤولي دوائر أمنية إقليمية ودولية أمريكية وتجري المحادثات مع المسؤولين الموريتانيين سياسيين وعسكريين وأمنيين في غرف مغلقة لا يتسرب عنها غير تصريحات مجاملة بضرورة علاقات جيدة بين البلدين. وتقوم المعلومات التي نشرتها الثلاثاء الماضي صحيفة “الحرية” الموريتانية على معلومات جمعها محرر مطلع ويقع المنزل الذي تحدثت عنه الصحافية على مسافة كيلومتر مربع ومحاط بسياج وحراس وكاميرات مراقبة ويعتقد أن الأمريكيين أجروا المنزل في 2004 وهو يقع إلى الجنوب من سوق “شنقيط” للنساء وتتولى حراسته عناصر تابعة ظاهريا لشركات أمنية. ويتخوف مصدر من أن يكون لباس الحرس تمويهياً فهم يستخدمون زيا أمنيا عاديا لإخفاء هويتهم الحقيقية وطرحت تساؤلات حول ما يدور في المنزل وما إذا كانت المخابرات الأمريكية تستخدمه لرصد المعلومات الصادرة من نواكشوط أم لاستجواب عناصر مشبوهة محتملة الوقوع في الاعتقال. وقال أحد جيران المنزل إنه شاهد سيارات لا تحمل لوحات تدخل المنزل في أوقات متأخرة من الليل. أما عن سجن “أشميم”، فالمنطقة التي يقع فيها مهيأة لوجود سجن سري معزول نظرا لطبيعتها الجغرافية الوعرة وبعدها عن الرصد من الأجهزة الأخرى وتتبع المنطقة ولاية الحوض الشرقي (1300 كلم شرقي نواكشوط) ويستشف من سكان المنطقة وهم قلائل أن هناك تواجدا عسكريا موريتانيا ملحوظا وأنهم أحيانا يسمعون صوت طائرات هيلوكبتر. وفي منطقة أخرى، هي قلعة “ولاتة”، تابعة للمنطقة نفسها، كانت صحيفة ليبراسيون الفرنسية قد ذكرت الأسبوع الماضي أن السلطات الموريتانية منذ فترة تمنع السياح من زيارة القلعة التاريخية بحجة أنها منطقة عسكرية. وكانت كبريات الصحف الفرنسية قد كشفت قبل أكثر من عام عن سعي الولاياتالمتحدةالأمريكية لبناء برج عسكري وأمني في موريتانيا للتجسس على النشاطات العسكرية والأمنية في غرب إفريقيا.