تدور حاليا في الفضاء، وبعيدا من الإعلام، "حرب تكنولوجية - معلوماتية" بين وكالات الفضاء العسكرية في البلدان الكبرى على أكثر من صعيد. جذور هذه "الحرب" تعود الى مرحلة الرئيس الاميركي رونالد ريغان في ثمانينات القرن الماضي، الذي أعلن المبادرة الاميركية للدفاع الإستراتيجي، وقد أطلق عليها في ذلك الوقت إسم "حرب النجوم". وفي التسعينات واجهت هذه المبادرة عراقيل عدة، وتحوّل التركيز تدريجا من "حرب النجوم" الى ما عُرف أثناء ولاية الرئيس الاميركي بيل كلنتون بمشروع "الدرع الصاروخي". لكن التنافس التكنولوجي بين الدول الكبرى إستمر ولو من دون إستعراض. وأحدث التطورات تجلت مع حدثين. الأول في الصين، التي أعلنت عن تمكنها من تدمير قمر اصطناعي في مداره من خلال صاروخ جديد ذي قدرات تكنولوجية تشبه التقنيات التي يعمل عليها الجيش الاميركي ضمن ما يسمّى "آمرية الدفاع الصاروخي والفضائي". والثاني في بريطانيا، التي بدأت عملية كبرى لإطلاق مجموعة صواريخ فضائية لوضع منظومة أقمار عسكرية متطورة في مدار الأرض. فما القصة؟ وما أبرز المستجدات على هذا المستوى "المعتم" إعلاميا في عالمنا؟ نجوم وصواريخ ظهر مصطلح "حرب النجوم" أثناء الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والإتحاد السوفياتي السابق. والإسم الأساسي للمشروع كان "مبادرة الدفاع الاستراتيجي" التي أعلنها الرئيس ريغان عام 1983، ورصد له موازنة تقدر بحوالى 26 مليار دولار على مدى 5 أعوام. وقد أُحيطت تفاصيل المشروع بالسرية، وخصوصا منها التقنيات الخاصة بأجهزة رصد الصواريخ المعادية في الفضاء. هدف البرنامج كان مواجهة احتمال إندلاع حرب نووية مع الاتحاد السوفياتي، وتحديدا تدمير الصواريخ في الفضاء قبل وصولها الى أهدافها. أما مشروع "الدرع الصاروخية" فيعتبر مشروعا مُصغرا نسبيا عن "مبادرة الدفاع الاستراتيجي" أو "حرب النجوم"، ويهدف أيضا الى إبطال مفعول القدرات الصاروخية لروسيا ولبلدان أخرى لا تتفق مع الولاياتالمتحدة. ومع أن الإتفاقات التي وقعتها الولاياتالمتحدة مع روسيا إثر إنهيار الاتحاد السوفياتي قضت بإطلاق حملة لتقليص التسلح النووي وإيقاف معظم المشاريع العسكرية التي تعتبر موجهة ضد الطرف الآخر، إلا ان الولاياتالمتحدة تابعت مشاريعها. لذلك فقد استمرت كل الدول الكبرى في إجراء تجارب وأبحاث على هذا النوع من المشاريع. وأخيراً سجّلت ثلاثة تطورات في بريطانيا والصين والهند. منظومة بريطانية - أميركية أعلنت بريطانيا أخيراً أنها في صدد إطلاق مجموعة أقمار عسكرية الى الفضاء تحت إسم "سكاينت"، والتي "ستدفع بقدرات الجيش البريطاني الى مرحلة جديدة نظراً الى قدراتها التقنية التي تخدم الأهداف العسكرية بأساليب جديدة". وتضيف مصادر في الصحافة البريطانية نقلاً عن جهات عسكرية أن منظومة "سكاينت" "ستوفر اتصالات آمنة أفضل لبريطانيا وللقوى الصديقة في مختلف أنحاء العالم". وتقصد هذه المصادر بالدول الصديقة الولاياتالمتحدة الأميركية، التي ترتبط معها باتفاقات عسكرية واسعة. ويعتبر إطلاق القمر الاصطناعي الجديد جزءاً من مشروع بمليارات الجنيهات سيجعل الجيش البريطاني، فضلاً عن البحرية الملكية وسلاح الجو الملكي البريطانيين، أكثر قدرة على إمرار "بيانات" Data بسرعات أعلى وأضخم بين مراكز القيادة، وهو ما قد يشكل في النهاية مساعدة قيّمة لمشروع الدرع الصاروخية الاميركي الذي يعتمد في شكل أساسي على بريطانيا في قارة أوروبا. ويضيف أحد المعلقين العسكريين في مجموعة "جين للمعلومات" ان الحرب الحديثة تعتمد بالكامل على المعلومات، وقدرة الأقمار الاصطناعية على نقل البيانات هو أمر في غاية القيمة". أما مصادر شركة "إيداس آستريوم" التي تنتج أقمار "سكاينت" فتقول ان المنظومة "ستوفّر خمسة أضعاف السعة التي توفرها المنظومة السابقة، وتسمح للجيش بالقيام بعمليات لم يكن قادراً عليها في الماضي". منافسة صينية - هندية أما الهند فاعلنت أخيراً أنها بصدد تأسيس مركز قيادة دفاعي جوي بغية الحيلولة دون وقوع هجمات محتملة عبر الفضاء. وأوضح رئيس سلاح الجو الهندي الخطط المعتزم تنفيذها قائلاً إنها ستحمي الأراضي الهندية. ويأتي الإعلان الجديد للهند بعد أسبوعين من تنفيذ الصين تجربة تمكنت خلالها من تدمير قمر اصطناعي قديم في مداره بإطلاق صاروخ. وقد أطلقت الصين صاروخاً باليستياً متوسط المدى نجح في تدمير قمر اصطناعي للأرصاد الجوية، وهو ما دفع المسؤولين الهنود لدعوة بلدان العالم الى التوصل الى "فضاء خارجي خالٍ من السلاح". ويقول محللون عسكريون ان المشروع الهندي سيسير على خطى مشروع "آمرية الدفاع الصاروخي والفضائي" لأميركا الشمالية، والذي يرصد الأجسام الاصطناعية في الفضاء ويقوم بتعقبها. نزاع روسي - اميركي وأخيراً مع اعلان نية توسيع مشروع "الدرع الصاروخية" الاميركي الى اوروبا الشرقية، قالت مصادر عسكرية روسية على رأسها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان توسيع قواعد الدرع الصاروخية الى بولونيا وتشيكيا يشكّل تهديدا عسكريا لروسيا. وقد دفع هذا التطور بكبار الجنرالات الروس الى التهديد بتوجيه صواريخهم البعيدة المدى الى البلدان التي توافق على نشر صواريخ أميركية ضمن منظومة الدرع الصاروخي على أراضيها. وبين الدرع الصاروخية الاميركية ونجاح التجارب الصينية للصواريخ الفضائية وردود الفعل البريطانية والهندية وسواهما من الدول الكبرى، أمر واحد أكيد: سباق التسلّح التكنولوجي العالمي على نار لا يمكن وصفها بالهادئة. وإذا إستمرت وتيرة التسلّح واحتدام المواقف على حالها، فإن بلداناً صغيرة كثيرة في العالم على موعد مع إضطرابات جديدة نتيجة تضارب المصالح العالمية.